شعار قسم مدونات

حلم الحياة في ظل واقع الموت

blogs - مخيمات اللاجئين
في كل يوم تزداد أعدادهم بالمئات وأحيانا بالآلاف، حتى أصبحوا مجرد أرقاما يتحاكى بها السياسيون ووسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية. هم اللاجئون الذين يحملون في قلوبهم وأعينهم قصصا وروايات، عن بشاعة حروب، وظلم احتلال، ووحشة غربة طال أمدها.

على مر العقود الماضية، عاش العالم العربي مشهد اللجوء لأول مرة في تشريد الفلسطينيين إبان نكبة عام 1948. والذين كانوا يأملون أن لا يطول كابوس تغريبتهم عن بضعة أسابيع أو أشهر، حتى توقفوا عن عد سنوات اللجوء، متأرجحين بين أمل العودة البعيد، وبين واقع الاستقرار والتأقلم على وضعهم الجديد. أما اليوم فلم يعد واقع حال اللجوء مقتصرا على الفلسطينيين وحدهم، بل طال شبحه العراقيين، ومن بعدهم السوريين، ومن ثم اليمنيين، ليصبح اللجوء حقيقة وواقعا مألوفا ومتعارفا عليه في الواقع العربي المعاصر.

اليوم، أصبح للجوء أشكالا وأنواعا وألوانا عديدة؛ فلم يعد اللاجئ هو فقط ذلك الشخص الذي يقبع تحت خيمة من قماش على حدود الوطن في انتظار فرج قريب، بل أصبحت الخيام بيوت من إسمنت و حاجرة توحي بغربة قد يطول أمدها. لم يعد اللاجئون يقطنون فقط في الدول المحيطة لبلدانهم أو على حدودها، بل توزعوا وتشردوا في أنحاء العالم أجمع، بل وأصبح هناك هيئات ومنظمات تختص بتنظيم أمور لجوئهم وهجرتهم إلى أوروبا والولايات المتحدة ودول أمريكا اللاتينية وأستراليا وغيرها. في إشارة إلى أن حلم العودة إلى أوطانهم قد يبقى حلما لا يبارح خيالهم.

ويبقى السؤال هنا، هل اللجوء هو بالفعل حلم الحياة في ظل واقع الموت؟ أم أنه مجرد شكل آخر من أشكال الموت الرحيم؟!

وبرأيي، فإن مصطلح اللاجئ لا يقتصر فقط على من أجبر على ترك بيته وأرضه أو هجر منها بفعل الاحتلال أو العدوان أو الحرب، بل يشمل كل من هرب من واقع سيئ في بلده مهما اختلفت وتنوعت أشكال هذا الواقع وتفاصيله، سعيا لواقع وحياة أفضل أو حرصا على مستقبل أفضل له ولأبنائه في دول أخرى. فهو يلجأ لتلك الدول بحثا عما افتقده في وطنه، سواء أكان مكرها على ذلك من قبل احتلال أو عدوان، أو كان مجبرا على ذلك من واقع حياة مرير.

وبعيدا عن المصطلحات والمسميات، فإن كل لاجئ يحمل في ثنايا جعبته آلاف القصص والآهات التي لا تشبه غيرها. فهي تحكي عن تجربته الخاصة في حياة تركها خلفه وواقع يصارعه حتى يومه هذا.
وإذا ما تأملنا جيدا، فسنجد عند اللاجئين ما يذهل العقل من صور الإصرار على الحياة والبقاء. فترى أنهم وعلى الرغم من أوجاعهم وما يحاوطهم من يأس وغربة وحنين إلى الأوطان والترحم على ماض جميل وأوجاع الفراق والموت، إلا أن الله يهبهم من عنده القوة والصبر على مبتلاهم، ليسعوا إلى التأقلم على وضعهم الجديد رغم صعوبته وقلة حيلتهم. بل وتجدهم يطمحون ويحلمون بمستقبل تشرق فيه الشمس من بعد ليال طويلة من الظلمة الدامسة.

مستقبل تحتار أحلامهم في رسم ملامحه، هل سيكون هناك عودة إلى وطن لم ولن يغادر قلوبهم؟! أو أنه سيأخذ من أوطان جديدة مكانا له، لينخرطوا في مجتمعاتها ويبدأوا فصولا جديدة في حياتهم قد تساعدهم على إغلاق صفحات الفصل السابق بكل ما تحمله في سطورها؟! وهل من السهل على الإنسان أن يترك خلفه جزءا من حياته وأحلامه وماضيه وخصوصياته وذكرياته ليبدأ من جديد؟!

تساؤلات لا تفارق ذهن اللاجئ، ممزوجة بذكريات متنوعة ومتناقضة أحيانا، بين أيام جميلة لم يكن يتصور أنها قد تسلب منه يوما لتصبح أقصى أمنياته في أن تعود، وبين أوجاع ماضية يسعى إلى تناسيها رغم أن شبحها لا يفارقه. كل هذا في ظل خوف وقلق وترقب لما ينتظره في يومه الجديد، وما إن كان سينتهي به المطاف ليصبح مجرد أحد أبناء جيل آخر من أجيال "اللاجئين"، يسبقه الملايين ويلحق به الملايين.

ويبقى السؤال هنا، هل اللجوء هو بالفعل حلم الحياة في ظل واقع الموت؟ أم أنه مجرد شكل آخر من أشكال الموت الرحيم؟!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.