واستخف والي خرسان بالتتار وهاجم قوافلهم، فجاءوا كإعصارٍ فيه نار يدمر ويحرق. واليوم تخرب ديار المسلمين في الشام، والعراق، واليمن، وليبيا، والسودان، ومصر، والباقيات في أسوأ أحوالها. من الجاني؟! من السبب؟!
 

يبادر بعضهم بإدانة الجهاديين والثوريين، يقول: ارتكبوا ذات الحماقة التي ارتكبها اليابانيون ووالي خرسان بمهاجمتهم أمريكا في عقر دارها (11سبتمبر)، واستفزازهم الأنظمة العسكرية الغاشمة (الثورات)، فجاسوا خلال الديار. فهل حق ما يقول هؤلاء؟
 

المتحكمون في النظام الدولي (وهي قطبية أحادية متعددة تقودها أمريكا) يتحركون نحو فرض سيطرتهم على العالم كله. وهكذا يفعل كل قوي مكنه ربنا. لهم رؤية فكرية (عقدية) وقوة مادية في جميع المجالات. ويسعون لتطويع غيرهم بإفساد ثقافته (العقيدة وتطبيقاتها في الحياة) حتى تقبلهم أو لا تعاديهم وتكسير مقاومته حتى يكون من جندهم أو لا يقدر على مقاومتهم؛ ومن قريب ظهر نوعين من التحدي في الشرق: في الصين، ومن المستضعفين في الأمة الإسلامية.

فتحرك هؤلاء للصين وأحاطوا بها من نوحيها (اليابان، كوريا الجنوبية، الهند، أفغانستان، البحر، …إلخ)، كي لا تتمدد الصين، وإن تمددت فحرب والضحايا من غيرهم والنفقة على حساب غيرهم. ثم أثاروا السؤال حول الصحوة في الأمة الإسلامية: كيف يتم التعامل معها؟!
وكانت الإجابة بتطبيق النموذج التتري، وإليك القصة في سطرين!
 

كانت الأمة الإسلامية هي المرشحة لدخول عصر الصناعة بعد استقرار المجتمع وازدهار التجارة، وبدأت بوادر ذلك في المخترعات التقنية في عددٍ من المجالات كانت هذه المخترعات نواة التقدم الصناعي الأوروبي، وتخلفت الأمة عن النهضة الصناعية بسبب التتار.

جاء التتار فخربوا المدن وحرقوا الكتب، وصادف ذلك حالة من الترهل في القيم الإسلامية والمجتمع الإسلامي. وصاحب ذلك تكوين رؤية لأوروبا عن ذاتها (في إطار العداوة للمسلمين وللدين عموماً) والحصول على قوة مادية من أمريكا الجنوبية ومن أطراف العالم الإسلامي.

فنهضت برؤيتها وقوتها وطموحها، وتخلفنا لتنهار قيمنا وقوتنا.. انهارت قيمنا بالجدال والتعصب للمذاهب الذي أوجد انغلاقاً وقضى على التجديد الواجب للتعامل مع المستجدات العصرية، وانهارت قوتنا بالإعصار التتري.

طبق الغربيون النموذج التتري، وظهر أحد شياطينهم يقدم لهم الخطة في كتاب بعنوان: ما الخطأ؟ What Went Wrong?. يعظهم بأن يكونوا قساةً بقدرٍ كاف كما كان التتار، يعظهم بأن يخربوا الديار كما فعل التتار.
 

ولأن هذه الحضارة حضارة استراتيجية.. بمعنى أنها تستخدم إمكانيات غيرها لتنفيذ أهدافها، ولأنهم رأسماليون يبحثون عن المال في كل شيء، فقد كانت الخطة أن تخرب الديار بأموالنا ورجالنا وفي ذات الوقت يكون التخريب سوقاً يحصلون منها على الأموال.

تفحص هؤلاء مشهد المستضعفين المجاهدين دفعاً للظلم وطلباً لما أمرنا بإقامته في حياة الناس من عبادة الله وتعبيد الناس لله، فمدوا حبالاً للرافضين من الثوريين المدنيين والجهاديين وما بينهما، ثم مدوا حبالاً للظالمين من المستبدين وللمجاهدين ونادوا على الروافض الحاقدين والروس الطامعين، ووقفوا في نواحيها يبيعون السلاح والبضائع ويديرون حلبة صراع بالسلاح وغير السلاح، تداعوا ومن أجابهم علينا كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، يخربون العمران ويقتلون الإنسان.. يعذبون الإنسان بأسوأ مما فعل التتار.. بالسلاح والأمراض والفقر والمعتقلات.
 

فليس الأمر كما يدعي المتخمين من أموال الأعداء. المجد ينتزع ولا يمنح، وحركة الغرب نحو تفتيت غيره وإحكام السيطرة عليه لا تتوقف. الأمر كما وصف الله: مدافعة (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض).