شعار قسم مدونات

يوم كان للعربية شأن.. في ألمانيا!

blogs - طفل يتعلم
كثيرٌ من الألمان ينظرون إلينا هذه الأيام وكأننا "عالةٌ على المجتمع" أو كـ"ضحايا" نستحق الشفقة في أحسن الأحوال، لدرجة أن بعضنا بات يُعاني بالفعل من عُقدة نقص مُزمنة، هذا إن لم يتعرى من ثقافته وتراثه في دورات "الاندماج" التي تهدم أكثر مما تبني، كيف لا وهي تقذف المُهاجر في فضاء "البين بين" فلا هو ينتمي إلى بلاده ولا إلى البلاد التي هاجر إليها، ولن أخوض في هذا كثيراً ولكنني أنصح من لا يروق له الكلام أن يقرأ كلمات "زيغمونت باومن" عند حديثه عن "طقوس خلع الرداء" و"النفايات البشريّة" في كتابه "الحب السائل".
 

قديماً كان إذا ذُكر العربي، ذُكرت حكايات ألف ليلة وليلة وذُكر الديوان الشرقي الغربي لغوته الذي عشق العربية وآدابها كما تُذكر حوالي 400 كلمة من أصولٍ عربية في اللغة الألمانية تحكي شيئا من خفايا العلاقات بين العرب والألمان.
 

في عام 1960 صدر كتاب للمستشرقة الألمانية زيغيرد هونكه دوّنت فيه أثر الحضارة الإسلامية في الغرب وقد تُرجم لاحقًا ولقي رواجًا واسعًا في العالم العربي لما يحمله من تأملات وملاحظات تشرح كيف أن الغرب لم يكن ليصل ما وصله لولا "شمس الله التي أشرقت على الغرب" وتعني بالألمانية  (Allahs Sonne über dem Abendland).
 

المُشكلة لم تكن عندنا في "الإسلام" ذاته يوماً ما، حتى لو حاول العالم كُله أن يؤكد لنا ذلك.. ولكن المُشكلة كل المشكلة كانت ولا زالت في فهمنا لديننا وتراثنا

كتبت السيّدة هونكه في أولى صفحات الكتاب فقرة كاملة يُمكن لأي ألماني فهمها، مع أن نصف كلماتها عربية، وهذه الكلمات مستخدمة في الحياة اليومية وهم لا يعلمون أنها عربية، ومع أنها قليلة في الواقع إلا أن استخدامها يكاد يكون شبه يومي ولا تنحصر في باب من العلوم، بل نجدها في المطبخ والأطعمة كما نجدها في الحساب والفلك ونسبة كبيرة منها في الكيمياء وهي العلوم التي أبدع فيها العرب قديماً.
 

في عام 2016، حين تصاعد العداء للأجانب في ألمانيا وبلغت العمليّات ضد مراكز إيواء اللاجئين أكثر من 900 اعتداء في عام واحدٍ فقط، كتب "بيتر تسيجلر" ردًا على المتطرفين يذكرهم بالجرائم التي ارتكبت بحق المورسكيين في الأندلس والتي أدت إلى "غياب" شمس الله عن أرض الظلام – اوروبا – ، كما كتب يستنكر على الأحزاب المتطرفة قائلاً:
 

" مَن مِن هؤلاء النازيين الجدد يعرف مثلاً.. أن كلمة "كحول" من أصول عربية مثلاً، أو حتى
"جاكيت"، هل تعرف السيّدة "ف" أن "السكر" و"القهوة" ذات أصول عربية؟ وكذلك "المطرح" الذي تنام عليه في سريرها. هل تعرف "دكتورة الكيمياء" و"رئيس الحزب البديل المتطرف" أن الكيمياء لم تصل ألمانيا إلا عن طريق العرب الذين أخذوها عن الإغريق؟ كذلك فإن "علم الجبر" و"الخوارزميات" التي يعرفها السيّد "ب" – هي الأخرى من أصول عربية. "
 

وفي نفس المضمار، نُشرت مقالة على موقع صحيفة دير شبيغل جاء فيها: " الصُفة (Sofa)، الفرشة -المطرح- (Matratze) ، القهوة (Kaffee) والسكّر (Zucker) – دُون "العربيّة" لم تكن الراحة الألمانية لتكون نصف ما هي عليه اليوم. حتى في خزانة البهارات يبدو الأمر سيئًا دونها. لولا العربيّة لما كان لدينا "الكحول" ولا "الصفر" ولا حتى كُل الكؤوس "طاسات (Tassen)" في الخزانة!"

المُدهش أن هناك عددا لا بأس به من الباحثين الألمان ممن كتبوا في هذا الشأن كُتبًا كاملة مثل الباحث واللغوي الألماني آندرياس اونغر في كتابه "من الجبر إلى السكّر" (Von Algebra bis Zucker) الذي لم يكتف بذكر الكلمة والمعنى وتعليق بسيط عليها كما هي العادة بل قرر أن يشرح لنا الحكايات الكامنة خلف كُل كلمة وكلمة بشكل إبداعي مُمتع، أما أمتع ما في الكتاب عندي فهي حكاية كلمة بنزين.. والتي هي من أصول عربيّة أيضًا!
 

وأصل كلمة بنزين يعود في الواقع إلى «لُبان جاوي»، واللبان الجاوي هو نوع من أنواع البخور التي نُقلت إلى ايطاليا في القرن الخامس عشر فأخذوا الاسم وأسقطوا اللام من أوله فصار «بنجَوي» ثم حُرفت الجيم إلى زاء فصارت «بنزوي» ثم انتقل "اللبان الجاوي" من إيطاليا إلى ألمانيا ومع اكتشاف مادة جديدة من الـ«بنزوي»، أطلق عليه اسم «بنزين» فوصلتنا مع ما وصلنا من كلمات أعجمية وصرنا نستخدمها بشكل شبه يومي ونحن لا نعرف شيئًا عنها ولا عن حكايات أجدادنا معها!
 

لست هُنا لأمجد ما فعله أجدادنا، وإن كان هذا ظاهر الحديث، كما أنه لا يُهمني تذكير الألمان بهذه الكلمات وإن كان ذلك مُهمًا بالأخص لأن بعضهم لا يرغب بسماع هذا أحياناً، ولكن الأهم من ذلك هو أن لا ننسى ونحن نرى التقدم التكنولوجي من حولنا، أن المُشكلة لم تكن عندنا في "الإسلام" ذاته يوماً ما، حتى لو حاول العالم كُله أن يؤكد لنا ذلك.. ولكن المُشكلة كل المشكلة كانت ولا زالت في فهمنا لديننا وتراثنا ومُحاولة الاستفادة منه، بدلاً من التخلص منه – كما يُراد لنا أحياناً! 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.