شعار قسم مدونات

التضخم التعليمي

مدونات التعليم
يرتبط مصطلح التضخم عادة بالاقتصاد، ويعبر عن ارتفاع الأسعار أو بالأحرى تراجع القدرة الشرائية للعملة؛ فمثلا يحتاج رب الأسرة إلى مئة دينار أو درهم أو ريال لسد احتياجات أسرته لأسبوع في عام 2000، قد يحتاج في عام 2017 إلى 200 من نفس العملة لسد نفس الاحتياجات وهذا ما يعبر عنه بالتضخم.

لسنا بصدد التفصيل في الجانب الاقتصادي لمفهوم التضخم، وإنما بصدد نقاش ما يسمى بالتضخم التعليمي، وهو ما أحب أن أعرفه بأنه تراجع قدرة الشهادات والمهارات العلمية والأكاديمية على إفادة صاحبها، بمعنى أن من كان يحمل شهادة الثانوية العامة في العام 1990 مثلا كان قادرا على تحصيل وظيفة؛ بينما في العام 2000، أصبحت نفس الوظيفة بنفس الدخل تقريبا تحتاج إلى الشهادة الجامعية الأولى، أو ما يعرف بالبكالوريوس.

يجب على الشخص – بالإضافة لكونه يحمل شهادتين جامعيتين ويتحدث لغتين – أن يكون لديه عدد من العضويات في اتحادات ونقابات وجمعيات مرتبطة بالوظيفة!

في عام 2017 تجد أن الوظائف أصبحت تتطلب أكثر من ذلك؛ فمثلا بعض الأحيان تُطلب شهادة الماجستير كمؤهل للتوظيف، وهي ما تزال تقريبا بنفس المستوى الوظيفي وبنفس الدخل. إلى حد ما يعتبر التضخم التعليمي الأكاديمي تحديا للأجيال الحالية والقادمة، فمن يدري ربما في عام 2030 مثلا ستجد حملة الدكتوراة عاطلين عن العمل ومصطفين للبحث عن وظيفة دخلها لا يكاد يسد احتياجاتهم الأساسية كانت تحتاج شهادة الدبلوم سابقا.

لا يتوقف الموضوع على الشهادات الأكاديمية لكنه يصل أيضا إلى اللغات، فمثلا في التسعينات يكفي الشخص في الوطن العربي أن يتقن اللغة العربية قراءة وكتابة ليحصل على وظيفة جيدة؛ بينما في 2000 وحتى 2015 تقريبا أصبحت اللغة الانجليزية شيئا أساسيا ومحوريا في التوظيف. والقدرة على التواصل مع العالم حاليا ونحن في العام 2017 بعض الوظائف تشترط اللغة الفرنسية أو الإسبانية كمتطلب أساسي للتوظيف ومن يعلم فقد تكون اللغة الصينية هي التالية ؟!

يذكر أيضا أن الوظائف باتت تتطلب أكثر من كل ما سبق، فيجب على الشخص – بالإضافة لكونه يحمل شهادتين جامعيتين ويتحدث لغتين – أن يكون لديه عدد من العضويات في اتحادات ونقابات وجمعيات مرتبطة بالوظيفة، بالإضافة إلى عدد من الدورات المتخصصة والمعتمدة ودورات التواصل والاتصال والعمل الجماعي وحل المشكلات، فضلا عن بضعة سنوات من الخبرة.

وهذا بغض النظر عن عدم كفاية الدخل لتكاليف المعيشة المتزايدة بطريقة جنونية مما يضطر الموظف – ذو الشهادتين واللغتين والعضويات والدورات المتعددة – إلى أن يعمل بوظيفتين – معلم صباحا وسائق تكسي مساء مما يقتل روح الإبداع في وظيفته الصباحية ويقضي على كامل وقته بحيث يتحول إلى مجرد آلة تعمل 14 و 16 ساعة يوميا بغرض تحصيل حفنة من النقود لا تكاد تسد رمقه. 

تحضرني هنا مقولة "من لا يتطور .. ينقرض" وأشعر بأن التحدي في ازدياد، وعلى الأجيال الحالية والقادمة الاستعداد جيدا وتطوير الذات بشكل سريع وبعناية لتصل للنجاح ولترتقي بذواتها ومجتمعاتها وإلا ستبقى الأمة العربية في ذيل الأمم كما هو حالها اليوم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.