شعار قسم مدونات

نعم.. صار عندي تجاعيد

blogs - وجه

صباح أول أمس، كنت أنظر في المرآه وأشعة الشمس ساطعة في الغرفة –  والنساء يعرفن كيف تجعلنا الشمس نرى ما لا يُرى! –  لمحت خطاً دقيقاً جداً على وجهي من أثر التبسم، إلا أنه لا يختفي باختفاء الابتسامة بل يبقى. خط صنعته تقاطيع الجلد، باهتاً وخفيفاً أدقق النظر وأتصنع الابتسام حتى أحدد مكانه. في بادئ الأمر أخذني شيء من الهلع فأنا لست ممن يدققون كثيراً في أشكالهم كل صباح، لذلك عندما لحظت هذا الجديد بدى لي وكأن سنوات كثيرة قد مرّت منذ آخر تغيير طرأ على ملامحي، ثم شيئاً فشيئاً وأنا أعيد النظر والتمعن أخذت في الابتسام – غير المصطنع هذه المرة – ابتسامٌ غير مفهوم ولا مبرر، ولا إرادي، شعور بالرضا. أعتقد أنني انتقلت خلال ثوانٍ من الإحساس بأن الوقت يُسرق منّي إلى الإحساس بأن الحياة التي عشتها بدأت تظهر على ملامحي الآن، وكأن وجهي سجل تاريخي كان هذا الخط أول ما يُكتَب فيه!

 

أذكر أن أمّي منذ سنوات مضت رأتني أقرأ في كتاب تعتليني ملامح التركيز بعينين ضيقتين وجبهة مجعدة، فقالت لي: بطلي تعِقْدي جبهتك وتعمصي عِنيك، لحسن بعدين تعلّم في وجهك على طول. أعتقد أنني كنت في بداية العشرينات عندها، ولم أكن أفكر كثيراً في كبر السن ولا التجاعيد ولا غيرها، ولكنني لم أرد أن تكون أول تجاعيدي تلك التي تعلو جبهتي وتجعلني أقابل العالم بعبوس دائم! لذلك بدأت بمراقبة نفسي وفرد جبهتي ما استطعت، يبدو مازلت إلى الآن أكرر الأمر على ما أعتقد، لأن زوجي كثيراً ما يسألني وأنا أقرأ إن كان ما أقرؤه مزعجاً!

 

نحن دائماً مطالبات بإخفاء "العيوب" والبحث عن طريقة لنزداد صغراً كلما تقدم بنا السنّ! لقد وصل الأمر ببعض الفتيات تحت سن الثلاثين باستخدام البوتكس حتى يمنعن ظهور الخطوط الدقيقة التي أتحدث عنها حول الفم والعينين وكأنها أمراض معدية

عندما رأيت أول بشائر التجاعيد كنت سعيدة لأنها لم تكن تلك التي في جبهتي، بل أخرى ناتجة عن كثرة التبسم وربما الضحك؟ أعتقد أن لطفلتيّ فضلاً كبيراً في ذلك فالتبسم جزء مهم من ممارسات الأمومة. كأن أستيقظ في الساعة الثالثة فجراً لأغير حفاظاً متسخاً راسمة ابتسامة عريضة على وجهي وأنا أنظر إلى الوليدة التي بين يدي وهي تحدق بي. أو أن أضحك كثيراً على نكتة تفتقت عنها قريحة الصغيرة وهي تجرب معرفتها باللغة وتستحدث تركيبات غير منطقية. ذهبت إلى زوجي وقلت له انظر هنا؟ لقد بدأت التجاعيد بالظهور تصاحبني ضحكة بلهاء!

 

غالباً ستعلق إحداهن: هل أنت مجنونة؟ كيف تشيرين إلى تجاعيدك أمام زوجك!

 

نعم، فنحن دائماً مطالبات بإخفاء "العيوب" والبحث عن طريقة لنزداد صغراً كلما تقدم بنا السنّ! لقد وصل الأمر ببعض الفتيات تحت سن الثلاثين باستخدام البوتكس حتى يمنعن ظهور الخطوط الدقيقة التي أتحدث عنها حول الفم والعينين وكأنها أمراض معدية. دعوني أخبركم أنني كلما وقعت عيني على آخر صيحات "الجمال" أحسست بأن النساء في عالمنا كله شرقيه وغربية، شماله وجنوبه "لسعن"! حلق حواجب ورسمها، خياطة شعر إضافي إلى الشعر الطبيعي، أقنعة من الصمغ والفحم، وإلى آخر ذلك من الصرعات التي تفقد الإنسان آدميته، واحترامه لنفسه. لقد وصلت النساء بسبب الخطاب الإعلامي والطبيعة الاستهلاكية إلى مرحلة يكرهن فيها كل جزء من أجسادهن ويعتقدن بأنه يحتاج إلى تعديل لا محالة! توقفت شخصياً عن استخدام مساحيق التجميل منذ 3 سنوات تقريباً بتحريض من زوجي لأسباب صحية، فقد كانت لديه قناعة بأن أي مواد كيميائية لابد ستؤثر على الصحة بطريقة ما. ومعه حق، كنت أدرك أن الجلد لم يخلق ليتحمل كل تلك الأصباغ، وإن كنت لا أستخدمها إلا في المناسبات فقد فضلت منذ ذلك الحين التوقف تماماً والاكتفاء بالكحل. مؤخراً انتشرت الأبحاث التي تبين ضررها على الكبد وآثارها السُميّة. ولكننا لا نسمع عن كل ذلك كثيراً! المسيطر هو إعلانات الرموش الضخمة، والشفاه البالونية، والشعر الخيلي (نسبة للخيل).

 

سألت نفسي كثيراً قبل هذا اليوم، كيف سأتعامل مع حقيقة العمر والتقدم في السن والشيخوخة، فسوف يتغير شكلك لا محالة، خصوصاً مع الإنجاب سيغدو من الأصعب أن تتجنبي ذلك، السهر الذي يعزز غزو الهالات السوداء، والحمل والرضاع اللذان ينهكان كل مكون من مكونات الجسد، والوقوف طويلاً والانحناء المتكرر.. ماذا سوف نفعل يا أحلام حتى لا نصاب بالكآبة والتعاسة الناتجة عن الرغبة في الحفاظ على النفس "الشابة"؟ تحدثت كثيراً إلى نفسي في هذا الشأن، سألتها ما الذي يعطي هذه الأمور أهمية؟ رأي الناس، وهذا هو السائد والطبيعي، أن نسعى نحو الخلود وما يقربنا إليه، أن يُنظر إلي ويقال: كانت جميلة وهي شابة أنظروا كيف أضحت؟ ربما هذه أسباب تدعو للكآبه فعلاً.. ولكن ماذا عنك أنت، مال الذي تريدينه أنت؟ أنا لا أريد أن أحس بالذنب أو النقص لأنني أستجيب لطبيعة الخلق التي قدّرها الله، ولا أريد أن أحس بأنني مطالبة بمقاومتها طوال الوقت، أريد أن أشعر بالرضا عن شكلي في كل مراحل حياتي خصوصاً إن كنت أبذل الجهد حتى أتقد في السن بصورة مريحة ومقبولة أو كما يسميها الخواجات "Aging Gracefully"، أعتني بصحتي لأنني أريد أن أكون قادرة على الاعتماد على نفسي وأداء واجباتي، أهتم بشكلي بالدرجة التي لا تتركني حبيسته يحدد سعادتي وتعاستي! هذا ما أريد.

 

أريد أن أتعلم أن أفلت الحياة من بين يدي راضية يا رضوى، أن أزهو بالشيب والتجاعيد، وأن أسير في طريق أخرى تأخذني إلى موت يكلّل الرّحلة ولا يهوي بها..

قرأت لرضوى عاشور:

"لم يعد الجسد نحيلاً ولا الشعر أسود قصيراً بل رمادياً مطروحاً للخلف مصففاً بما يليق بأستاذة على مشارف الأربعين، في هذه الصورة. في منتصفها في تلك، في الخمسين في الصورة الثالثة. تستغرب الصور الأحدث، كأنها لا تتعرف إلى نفسها فيها. هل تتشبث بصورة الصبية، لا تريد أن ترى هذه المرأة الخمسينية بديلاً عنها؟ لأنها أقل جمالاً، أقل رشاقة. ما معنى الجمال؟ الامتلاء، أليس قيمة؟! تبتسم: لا أحد يُفلت الحياة من بين يديه راضياً؟ المرأة؟ الرجل أيضاً. لا أحد يزهو بالشيب والتجاعيد والطريق المنحدرة إلى الموت!" أطياف، ص69.

 

إذاً تلك المفاجأة في المرآة لم تكن لأن الحياة أخذتني على حين غرة، بل لأنني أرى نفسي تلك الفتاة في أوائل العشرينات؟ تلك هي الفتاة التي عرفتها جيداً وتآلفت معها وبدأت أنظر إلى دواخلها وألتفت إلى آحاديث نفسها؟ هل لهذا جعلتها تحتل صورتي عن نفسي أمداً طويلاً؟ أستغرب هيئتي أيضاً في الصور الحديثة وكأنني أنظر إلى أخرى، وأبحث عن تلك الصبية، ولكنني الآن أتعلم أن أنظر إلى صوري الحديثة أكثر وأتعرف على نفسي فيها أكثر. نفسي التي أصبحت زوجة وأمًا وأشياء أخرى عديدة. تلك الأشياء هي التي ملأت صورتي وغيرتها فلماذا أريد نفيها بعيدا؟!

 

أريد أن أتعلم أن أفلت الحياة من بين يدي راضية يا رضوى، أن أزهو بالشيب والتجاعيد، وأن أسير في طريق أخرى تأخذني إلى موت يكلّل الرّحلة ولا يهوي بها..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.