شعار قسم مدونات

آذونا في ضيفنا مازن..

ميدان - مازن فقها
 
مضى أسبوع على حادثة اغتيال الشهيد مازن فقهاء في غزة لكن الألم والوجع في صدور سكان قطاع غزة لم يمضِ، ولن يمضي أو يُشفى هذا الوجع إلا بردٍ يناسب حجم هذه الضربة التي أصابت القلب مباشرةً، هذا القلب الطيب الكاره للضيم والعاشق للعزة.

لازال يسود قطاع غزة جوٌ عام من الحزن غير المعتاد، تمشي في الشوارع وتحدث الناس فيتحدثون عن الاغتيال بحرقة تشعر من خلالها كما لو كان الشهيد شقيق كل شخصٍ هنا أو ابنه أو جاره أو ضيفه، لذلك الحزن مضاعف ذلك أن الشهيد وحيد أبويه وهو مبعدٌ من الضفة المحتلة إلى قطاع غزة بعد أن خرج من سجنه محررًا في صفقة وفاء الأحرار، فقد كان أسيرًا لدى الاحتلال ومحكومًا عليه بمئات السنين قضى منها عشر سنوات.

بكت الرجال على مازن وكأنها تبكي على يحيى عياش الذي اختار أيضًا أن يكون موطن عمله المقاوم قطاع غزة

الشعور العام في غزة هو شعورٌ بالتقصير تجاه هذا الأسير؛ ليس لرمزيته فحسب والمتعلقة بدوره المقاوم، ولكن لكونه ضيفًا على هذه البقعة من الأرض التي لم تتعود سوى إكرام ضيفها وإن اضطرت أن تستدين من أجل ذلك، بل وترى التقصير في هذه الأمر شيئًا كبيرًا يصل حد المساس بالكرامة، عدا عن أنها لازالت معبقة بالنخوة والإيمان فلا يمكن أن تخذل المستجير بها ولا تقبل له الخذلان أو أن يهان على أرضها.

ولعلَّ الحديث هنا له خصوصية لا تجدها في دولة أخرى؛ فوجود الاحتلال على أرض فلسطين والتقلبات السياسية التي شهدتها جعلت من غزة والضفة جزئيْن بعيديْن عن بعضهما، فإن كان شهيدنا أبعد من وطنه إلى وطنه، فالوطن ذاته مقسم بفعل الحدود والأسلاك والجدر التي فرضها العدو بين المنطقتين، وهذا ما يجعل العبء على غزة مضاعفًا.

هنا شعور عام بالضيق والفقد والحسرة ويود الكثيرون لو كان بإمكانهم أن يفتدوه، وسيندم الاحتلال على أنه أصاب كبرياء الغزيين وأثار كل مشاعر الغضب هذه، فالقضية هنا ليست قضية دمٍ فحسب بل قضية كرامة ونخوة وشرف ومروءة، وهيهات أن تسقط غزة في هذا التحدي وهي التي رصعت اسمها بالدم الزكي في سجلات الشرف.

لكم أن تتخيلوا بأن خالي تيسير رغم مرضه وكبر سنه وضعف نظره قطع عشرات الكيلومترات ليؤدي واجب العزاء في الشهيد، وعندما سألته عن السبب أجابني وهو يتحشرج: "هذا ضيفنا وأشعر بالخجل والتقصير تجاهه وتجاه عائلته".

بكت الرجال على مازن وكأنها تبكي على يحيى عياش الذي اختار أيضًا أن يكون موطن عمله المقاوم قطاع غزة، بعد أن ضاقت به الظروف الأمنية بالضفة، وإنه لشرفٌ عظيم لترب غزة أن حظي بجثمانيهما.

أكثر ما يوجع الاحتلال ويقلقه هو انتظار الرد وكيفيته وتوقيته وهنا كانت حكمة المقاومة التي سيطرت على غضبها ولم ترد بالطريقة التي كان يتوقعها الاحتلال

وقد أراد الاحتلال عدة أهداف من اغتيال الشهيد بكاتم الصوت على خلاف أسلوب اغتيالاته المعتاد في غزة وهو القصف بالطائرات، كان من بين هذه الأهداف هو خلخلة الجبهة الداخلية ونشر جو من الشعور بالشك والاضطراب بين السكان عبر شائعاته بالتعاون مع العملاء لكن النتائج كانت عكسية جدًا؛ فقد وحد دم الشهيد أفئدة الناس قبل ألسنتهم وشعروا أن القضية قضيتهم جميعًا، وهنا ظهر نبل معدن أبناء هذه الأرض كما هو عهدهم في كل شدة، يأبون إلا أن يكونوا أرفع الناس أخلاقًا وشهامة.

الشعور بالفقد الشديد هو السمة السائدة في غزة، الناس هنا تعودت الكرم والعطاء تحت كل الظروف فهي تجير المستجير بها وتكره الضيم وتأبى إلا العزة لها ولدينها وموطنها ودفعت في سبيل ذلك أثمانًا كبيرة وكبيرة جدًا.

وكم هو عظيم ومؤلم الشعور بذنب خذلان إنسان، وإن كنا غير مذنبين، إنسان اتخذ من أهل غزة جيرانًا وأهلًا له بعد أن أبعده الاحتلال عن أهله.

نعم مرةً أخرى أقول بأن ما جرى بحق مازن فقهاء أصاب كبرياء أهلكم في غزة بشكل غير معقول، ليس لقيمة الشهيد الاعتبارية فقط بل لأنه أمانة لم نستطع الحفاظ عليها، الجميع يشعر هنا كما لو أن الشهيد قتل داخل منزله.

لذلك أيضًا يشعر الكثيرون هنا أن ثأرهم تجاه هذه القضية ثأرٌ شخصي، وأعتقد أن أكثر ما يوجع الاحتلال ويقلقه هو انتظار الرد وكيفيته وتوقيته وهنا كانت حكمة المقاومة التي سيطرت على غضبها ولم ترد بالطريقة التي كان يتوقعها الاحتلال وهي ضرب الصواريخ.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.