شعار قسم مدونات

ماذا يفعل الرئيس الأميركي بعد انتهاء ولايته؟

blogs - Obama leaving
بغض النظر عن الشخوص الواصلة للرئاسة، كل ما في نظام الرئاسة الأميركي يثير الإعجاب، لأن النظام الرئاسي الأميركي يحقق التوازنات في البلاد بشكل يقلّ نظيره في أي نظام رئاسي آخر، فاللهاث وراء السلطة و النفوذ و المال سمات لن تجدها في أي رئيس أميركي؛ إذ أن الدستور قد نظم العلاقات بين السلطات، وحدد صلاحيات الرئيس، ثم إن تجربة تولي رئاسة الولايات المتحدة لا تموت بنهاية عصر الرئيس كما يحصل في معظم الدول ذات الأنظمة الاستبدادية التي لا ينتهي وجود الرئيس فيها إلا بقتله أو نفيه أو تغييبه! فالرئيس الأميركي حين يصبح "سابقاً" تبدأ حياته الجديدة المليئة بالنشاطات المؤثرة بالمجتمع ليحصل على المزيد من الشهرة والمال والفرص.

خرج
 باراك أوباما من البيت الأبيض وقيمة ثروته أحد عشر مليون دولار، وهو مبلغ عادي بالنسبة لرجل وصل لرئاسة الولايات المتحدة، فراتبه خلال الثماني سنوات قارب الأربعمئة ألف دولار سنوياً، وهو المبلغ الذي أعلن الرئيس ترامب تخليه عنه، باقي الأموال التي يمتلكها أوباما جمعها من عقود كتب وحملات ومؤتمرات شارك فيها قبل توليه الرئاسة.

المسؤول العربي لا يصبح سابقاً إلا إذا مات أو أخرج من حفرة ما، أو احترق. ولأن الشفافية ليست من اختصاصنا، ولأننا نفضل من المسؤولين من يضحك علينا بشعارات رنانة، ثم يفرغ خزائن دولتنا قبل أن يصبح مسؤولاً سابقاً!

بعد مرور شهر واحد فقط على خروجه من البيت الأبيض، وقّع باراك أوباما عقدا لكتابة مذكراته في كتاب بقيمة ستين مليون دولار، و يعتبر هذا المبلغ هو الأعلى من بين المبالغ التي حصل عليها كل الرؤساء الذين سبقوه مقابل مذكراتهم، وحجة أوباما لطلب هذا المبلغ هو أن مذكراته ستحتوي على معلومات خاصة عن أصوله الكينية، و عن إشاعات حول ممارسته طقوس الصلاة الإسلامية سراً، لكن النقاد لا يجدون كل ذلك مبرراً لتقاضيه هذا المبلغ العالي ثمن الصفقة، فالرئيس السابق بيل كلينتون وقع عقد كتابة مذكراته بخمسة عشر مليون دولار، على الرغم من أنه احتوى على معلومات تخص فضيحته الجنسية مع "مونيكا لوينسكي"، والرئيس بوش تقاضى سبعة ملايين دولار على كتابه.

أوباما اليوم من ضمن خمسة رؤساء سابقين على قيد الحياة، قام كل منهم بقائمة طويلة من النشاطات و الخدمات التي قدموها للمجتمع الأميركي خارج فترة رئاستهم. فالرئيس جورج بوش الأب يشارك للآن على الرغم من كبر سنة و مرضه بالفعاليات الوطنية الكبرى، والرئيس جورج بوش الإبن أنهى لتوه مشروعا ضخما قام به بنفسه، وهو مجلد يحوي "بورتريهات" لوجوه المئات من جرحى الجيش السابقين، و الذين رسمهم بوش الابن بنفسه ليبيع المشروع و يقدم ريعه لضحايا الحروب من الجنود الأميركيين.

و بحسب الإعلام الأميركي، فإن أوباما سيعود لنشاطاته العامة المفضلة لديه سابقاً، و سيقوم بالعمل على القضايا التي لطالما آمن بها، كالحد من انتشار الأسلحة في الولايات المتحدة، والعمل على إصلاح نظام العدالة الجنائية، والتقريب بين الأعراق، والحد من انتشار الأسلحة النووية. وبحسب القوانين الناظمة لأوضاع الرؤساء السابقين، سيحصل أوباما على تأمين صحي لمدى حياته، وراتب قدره مئتان وخمسة آلاف دولار سنوياً، إضافة إلى حماية شخصية سترافقه طيلة حياته على مدار الساعة.

النظام الرئاسي الأميركي يحقق التوازنات في البلاد بشكل يقلّ نظيره في أي نظام رئاسي آخر، فاللهاث وراء السلطة و النفوذ و المال سمات لن تجدها في أي رئيس أميركي!

و أخيراً سيعيد أوباما افتتاح منظمته الخاصة، الأمر الذي يقدم عليه الكثير من الرؤساء لتصبح إدارة منظماتهم الخيرية مشروعهم المفضل، إلى جانب كتابة الكتب والمشاركة بالمؤتمرات وإلقاء الخطب، و تعد مشاركة الرؤساء السابقين بمؤتمرات عامة مقابل مبالغ مادية أمر شائع، فالرئيس جورج بوش الإبن كان يتقاضى مبلغ مئة وخمسة وسبعين ألف دولار على الخطبة الواحدة، أما الرئيس بيل كلينتون و زوجته هيلاري فكانوا يتقاضون ما يقارب المئتين وعشرة آلاف دولار على الخطبة الواحدة، إذ جمع الزوجان من الخطب السياسية وحدها مئة وثلاثة وخمسون مليون دولارا خلال خمس عشرة سنة، مقابل سبعمئة وتسع وعشرين خطبة مدفوعة الثمن أجريانها.

و قدرت الجامعة الأميركية عدد الخطب التي سيلقيها أوباما خلال السنة الأولى له خارج البيت الأبيض بخمسين خطبة في السنة، مقابل مئتي ألف دولار للخطبة الواحدةن وبالتالي سيجمع مئتي مليون دولار خلال سنته الأولى من الخطب وحدها! لا تفزعوا من هذه المبالغ، فأنتم لن تسمعوا يوماً أن مسؤولاً عربيا سابقا يتقاضى مئات الآلاف من الدولارات على خطبة أو كتاب له، لأن المسؤول العربي لا يصبح سابقاً إلا إذا مات أو أخرج من حفرة ما، أو احترق. ولأن الشفافية ليست من اختصاصنا، ولأننا نفضل من المسؤولين من يضحك علينا بشعارات رنانة، ثم يفرغ خزائن دولتنا قبل أن يصبح مسؤولاً سابقاً ويكلف نفسه عناء كتابة مذكراته التي لا تُحكى أصلاً، فغالباً ما يكون عمادها الفساد والخداع والخيانات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.