شعار قسم مدونات

أمي سيدة إرهابية

blogs- خان شيخون
لا تدري أمي بعض تقدمنا، وتحضرنا. – هي تسكن في عمق الطهر من أعوام.. رحلت ذات مساء -، لم تك تعلم أن الإرهاب تجاوز ما تفهمه، أصبح غولا لا يعرف معنى للأشياء، لا حرمة في معجمه للأحياء، كل الأعراف تقاذفها حمما في الأنحاء، القيم معايير نسبيه، لا دين يحدد وجهته.

أذكرها تصرخ بي ناهية: لا ترهبه، حين يجاوز صوتي حنجرتي صوب أخي.. ذاك هو الإرهاب.. أن يصدر صوت في غلظة.. إيماء أو بعض صراخ. أمي.. الإرهاب الصوت مضى، فاض الإرهاب جحيما، وترعرع، أصبح حمما تصهر في الأجساد، لا تبقى ثمة أجساد من هول الرعب تموت بلا صهر أو ذوبان. أمي لا تفهم ما يجري، لا تتصور أن أقطع لعبة أختي، دمية جاري.. لم تشهد تفخيخ الأبدان، موتى الأنقاض.

أمي أحتاج إلى صوتك ينهى عبثي، يرجع ترتيب الأشياء، يمنحها معناها، الإرهاب غدا قتلا بالمجان، لا يوجد في بيتي في الشارع محض أمان، الإرهاب أضحى موتا مطمور الأسباب، مغمورا لا يُعرف صاحبه. أصبح أنواعا: أبسطه أمي: إلصاق التهم ونفي تحت الماء سنين، أرحمها تعذيب دون الموت؛ يصرخ منه الموت، يمنح صاحبه صك عبور.

أمي لا تتوقع أن يصبح هذا الطفل الآبق في حضن البؤس، في ردهات الجوع ومتاهات التشريد، مقتولا بالكيماوي لا مرعوبا بالصوت أو الإيماء..

أمي.. لا يمكن أن تتحمل إن آن لها أن تعلم ذاك، أو تتصوره.. هو فوق مدى رقتها، وبراءتها، وسجيتها.. أمي تهتف مرهبة ولدي: الصوت العالي إرهاب.. الصوت الصاخب رعب قد يؤذي الأصحاب، ما أروع أمي، ما أجمل معنى الإرهاب لديها، ما أقسى إرهاب اليوم حين يحوم النسر فيرفض أن يأكل جثة مظلوم، ينكر فيها طعم البطش، فوح البغي، حين رآها دون هوية، لا تعرف من قاتلها أو فيما قُتلت، لا تعرف كيف قضى قاتلها بالقتل. وكيف مضى، دون حساب.

لا تعلم أمي أن الإرهاب، فن يتقنه مؤمن محشوا إيمانا بالموت، باسم المولى يقتل أو باسم الشاه، لا تفقه أن القتل بعرف المأجور حياة، بأي ذنب قتلت.. لا يقرأها مأفون القتل.. هو أُذن يسمع أن القتل حلال، لمجرد شبهة.. إثم من لمم الأفعال، لا يدخِل صاحبَها المولى نارا.. بل يغفر زلات كبُرتْ؛ لكن القاضي باسم الدولة أو باسم الفرد، أو باسم أمير الثلة يقتل قربى للسيد، للمعتقد القاطن في كهف القلب الموحش إلا من معنى القتل ومعنى الذبح.

لا تصغي أمي لهراء الأجيال، رحلت.. تركت معنى الإرهاب يعشعش في أفكار الصبية؛ فانطلقوا صوب السكين يستنون جوانبها حتى تصطاد رقابا ذمية، أو من يألفهم بالنية؛ حتى من يمشي حذو جدار القوم يتمتم بالصلوات وبالأذكار يمسي دون جدال أضحيَّة.

أمي لا تتوقع أن يصبح هذا الطفل الآبق في حضن البؤس، في ردهات الجوع ومتاهات التشريد، مقتولا بالكيماوي لا مرعوبا بالصوت أو الإيماء.. لا تعلم أي فضاء يتلقف أشلاء خضراء. أمي تجرحك الكلمات.. الصوت الهادر غضبا.. فرط الإيماء.. صوت الصاعق أصبح مألوفا يفتك بالأعضاء، يحيل البيت، الاستقرار، الحب ركاما وهباء.

يا أمي لا أقتل أختي وأخي، لا أنهره بالصوت وبالإيماء، لكن الدولة تقتل باسم القانون، والمأفون بدين مستأجر يقتل باسم الدين.. باسم الحق تذوب نفوس تحت جنازر سفاح، يرفع رايته السوداء.. نحيا عصر بلاء. الكل يمارس فعل الإرهاب بمفهوم الإفناء، ليس الصوت، يا أمي الصوت حياة، التخويف نماء.

يا أمي لا أقتل أختي وأخي، لا أنهره بالصوت وبالإيماء، لكن الدولة تقتل باسم القانون، والمأفون بدين مستأجر يقتل باسم الدين.. باسم الحق تذوب نفوس تحت جنازر سفاح.

أمي القائم باسم الإرهاب يراودني أن اقتل جاري كان سيشعل سيجارأ، يأمرني أن اقتل أستاذي، لم يزرع يوما لحية، لم يقصر ثوبا حتى الركبة، لا يعلك بالمسواك الزور على شفتيه.. القائم يزعم أني ألج الجنة من باب القتل، موصدة كل الابواب عداه.

في عهدك يا أمي نهرك لي إفتاء بفضاضة صوتي أو غلظة فعلي، يا أمي نهيك لا يعجب صوت الإرهاب القادم من أدغال العبث الإنساني، نهيك جرمٌ في عرف الظامئ للون الأحمر، زجرك لي إرهاب.. صوتك إرهاب.. لكن القتل الممهور بحقد القاتل دون الأسباب صواب. نفتقد وجودك أمي حتى نحيا، نفتقد الصوت، "النهر الصوت"، الغلظة في قسوة لا الصوت القتل، الموت القاني، لا الصوت الإرهاب. سأظل أحدق حتى تأتي.. أرقبُ في الأمل المرجو على الأبواب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.