شعار قسم مدونات

رفاهيّتنا المُزيّفة!

مدونات - فلسطين
في الداخل الفلسطيني تجد ثلّة واسعة منّا تركب السيارات الفاخرة وتجد بيوتا بعضنا تبدو وكأنها قصورا، ولو سألت الناس عن رواتبهم ومدخولاتهم ستجد ما يُبهرك إن كُنت من إحدى الدول العربيّة الفقيرة، بيد أنك لو تأملت أحوال قرانا لوجدتنا نعيش في "غابة" يُسيطر فيها قانون الغاب من كثرة أعمال العُنف فيها.

في هذه الغابة تجد نفسك تبدأ الأسبوع على أخبار "طوشة" تبدأ لأتفه الأسباب وتُهشم فيه وجوه بالعصي ثم تنتهي بصلحه وكأن شيئا لم يكن -على طريقة "الطبطبة"-، ولأن "الطبطبة" لا تُسمن ولا تغني فإن المشاكل تتفاقم بشكل مُرعب يُشعرك وكأن "الطوش" أصبحت "موضة قديمة" و"شاذة" فقد تطوّرت قرانا والمدن وتحدّثت وأصبح السلاح بمتناول يد الجميع وبأسعار تكاد تكون أرخص من سعر كيلو طماطم من السوق الشعبي، فثمن الرصاصة لا يزيد عن دولار واحد في السوق السوداء.
 

يافا التي كانت في الماضي عاصمة فلسطين الثقافية ليست أفضل حالًا من "بلد الشهداء" حيث قُتل منذ مطلع العام الجاري 4 أشخاص، بمعدل قتيل كُل شهر!

منذ فترة وصوت الرصاص يزور قريتنا أسبوعيًا، كأنه يريد أن يؤكد بأن "البقاء للأقوى" و"تجار السلاح"، بل إن الناس لم تعد تستغرب أن تستيقظ على صوت قُنبلة أو صوت أزيز الرصاص يصدح في الأجواء ولا تجد حاجة مُلحة لاستنكاره، بل إنك لو تحدثت مع بعض الأطفال في القرية تجدهم يعرفون كيفية التمييز بين صوت "الكلاشن" و"M 16″ حتى أنني وجدت طفلًا قبل بضعة أيام يشرح لي كيفية عمل سلاح من طراز "كارلو"!
 

وقد يظنني البعض أبالغ، ولكن الواقع أشد وأسوء وإلا فما معنى أن تشهد قرية صغيرة 5 حوادث عُنف، منها 4 استخدمت فيها أسلحة ثقيلة؟ وقريتي ليست وحدها فقد شهد الداخل الفلسطيني 20 حالة قتل منذ مطلع العام فقط، أي قتيل أسبوعيًا، والنكتة أن قريتي كانت ومازالت تُصنف باعتبارها "زهرة القرى".
 

عند جيراننا في "كفر قاسم" التي أعدم جيش الاحتلال فيها 49 شخصًا عام 1956 لتسمى بعدها "بلد الشهداء" لم ينته القتل، ولكن هذه المرّة على يد "مجهولين" أزهقوا ما لا يقل عن ثمانية أرواح في الآونة الأخيرة، وللأسف فإن يافا التي كانت في الماضي عاصمة فلسطين الثقافية ليست أفضل حالًا من "بلد الشهداء" حيث قُتل منذ مطلع العام الجاري 4 أشخاص، بمعدل قتيل كُل شهر!

في الواقع فإن الحوادث التي تنتهي دُون قتلى كثيرة وكثيرة جدًا.. بيد أنها تترك فينا الكثير من الرُعب ويكفيك أن تتأمل الفيديوهات التي نُشرت مؤخرًا من قرية " كفر مندا" في شمال فلسطين وكيف اندلعت هناك حرب بين بعض الزُعران استخدمت فيها الألعاب الناريّة كأسلحة مما اضطر البعض للحديث عن "حرب المفرقعات"، ولم تنتهي هذه الحرب إلا بتدخل قوّات خاصّة من الشرطة واعتقال أكثر من 20 شاب.
 

بعد هذا كُله أن تجد بعد هذا من مازال يُحدثك عن "بركات" الرخاء الاقتصادي التي يعيشها الفلسطيني داخل "إسرائيل"، كبركات التأمين الصحي والوطني والجامعات والرواتب الجيّدة وننسى "الغابة" التي نعيش فيها داخل هذا الكيان، وليس هذا فحسب، بل إن البعض بات يرى أنه من الأفضل عدم الكتابة عن هكذا مواضيع.. كي لا نثير حساسية "الزعران" فنكون هدفًا قادمًا من أهدافهم!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.