شعار قسم مدونات

صناعة الأفلام الرّوائيّة.. بين وهم الشّهرة وموضة العصر

blogs روايات
الرّواية فن من فنون الأدب تعتمد السّرد بما فيه من وصف وحوار وصراع بين الشّخصيّات وحبكة، وتعمد على قواعد فنيّة تميّزها عن سائر الفنون الأخرى، والسينما نوع من أنواع الفنون وهي فن التصوير المتّحرّك الذي يتحرّك في صورة فيلم سينمائي يشاهده الجمهور في دور السينما أو على شاشة التليفزيون، ويتميّز هذا الفيلم السينمائي بتقنيات وسمات عديدة.

 

وتعدّ العلاقة بين الرّواية والسينما علاقة وطيدة وتاريخيّة وجدليّة، إذ كانت الرّواية من أهم المصادر التي اقتبست منها الأعمال السّينمائية لعمق تناولها للواقع الإنساني بأبعاده وتجليّاته، فقد اقتحمت السّينما عوالم الرّواية وفتشت في عمق شخصياتها وظروفهم وهواجسهم، آمالهم، وآلامهم، وولجت الرّواية المجال السينمائي وحطّمت بعض تقنياته الكلاسيكيّة بل منحته تقنيات جديدة من صميم الرّواية المعاصرة من خلال التشاكل الزّماني والمكاني وتكسير البنية الخطيّة التقليديّة والبناء المعقّد للشخصيّات، ويعتقد الخبراء أنّ تحويل الرّوايات والقصص الأدبيّة إلى أفلام سينمائيّة حقّق نجاحاً باهرا وأكسبها عمقاً ملحوظاً. 

 

بدأ التزاوج والتواصل بين الأدب والسّينما مع تطوّر الفن السابع، الذي ظهر منذ أكثر من مئة عام، عبر الأفلام الصامتة، حيث كانت الصّورة هي الوسيلة الوحيدة للتّعبير، وحين دخل الصوت تراجعت هذه المكانة مع مزاحمة الحوار لها، حتى ترّسخت السّينما الناطقة

ما شجّع المخرجين السّينمائيين العالميين على خوض التجربة، والملاحظ أنّ هناك أعمال أدبيّة ساهمت السّينما في توسيع مداها والتّعريف بها في أنحاء المعمورة رغم أنّ بعضها يفتقر لحبكة فنيّة، في المقابل هناك أعمال أدبيّة خالدة جنت عليها السّينما وشوّهت مكانتها في نفوس عشّاقها فزالت تلك الصّورة المثاليّة التي رسمها القراء الذين افتنوا بجمالياتها ومقوّماتها الفنيّة المتفرّدة ويعزى سبب نجاح أو فشل أيّ عمل سينمائي اقتبس من عمل أدبي إلى قدرة المخرج وكاتب السيناريو الذي بإمكانهما إحداث توافق وانسجام بين النّص الرّوائي والنصّ السيّنمائي، مع إضافة لمسات فنيّة من صميم العمل السّينمائي، فيسهم ذلك في نجاح الفيلم والرّواية في آن واحد والعكس صحيح إن أخفق المخرج وكاتب السيناريو في عدم توظيف جماليات النّص الرّوائي بصورة صحيحة فيؤدي ذلك إلى فقدانه جودته وسحره وشاعريّته. 

بدأ التزاوج والتواصل بين الأدب والسّينما مع تطوّر الفن السابع، الذي ظهر منذ أكثر من مئة عام، عبر الأفلام الصامتة، حيث كانت الصّورة هي الوسيلة الوحيدة للتّعبير، وحين دخل الصوت تراجعت هذه المكانة مع مزاحمة الحوار لها، حتى ترّسخت السّينما الناطقة، وكبرت أهميّة السّيناريو ليصبح همزة وصل بين السّينما والرّواية. وتحوَّل سيناريو الفن السّينمائي إلى أحد الأشكال الأدبيّة الجديدة، حيث شبّه بالنّص المسرحي، الذي يعد أدبًا في طريقه إلى الخشبة، والسّيناريو هو أدب في طريقه إلى السّينما، والظّاهر أنّ أكثر الأفلام نجاحًا وخلودًا في تاريخ السّينما هي الأفلام المستقاة عن نصوص روائيّة أو مسرحيّة وغيرها.

والجلّي أنّ السّينما أضحت تستقطب جمهورا عريضا وأكثرا بكثير من استقطاب الرّواية لهم بل واستطاعت جذب جمهور الأخيرة لها وقد سرقت الكثير من قرّاء الأدب، فالشخص إن شاهد فلما روائيا من المؤكد لن يعود لقراءته، وهذا كلّه بعد أن أصبحت وتحوّلت السّينما إلى صناعة مستقلة وعملاقة وتطوّرت كثيرا عما كانت عليه في عصر السّينما الصّامتة، إضافة إلى أنّها أبلغ في نقل الحمولات الفكريّة، التّاريخيّة، الاجتماعيّة الإنسانيّة للنّص الأدبي، وسنحاول أن نقدّم بعض الأعمال الرّوائيّة التي قدّمتها السّينما، فمنها من أشهرته وعرّفت الجمهور به رغم تواضع بنيته الفنيّة الرّوائيّة كروايات رواية العطر ل باتريك زوسكيند، ورواية التيتانيك والتي كانت رواية مغمورة لكنّ النّجاح الخرافي للفيلم الذّي أهّله لدخول قاموس غينيس للأرقام القياميّة بحصوله على 11 أوسكار كاملة وهذا الأمر لم يحدث مع فيلم آخر، إضافة إلى روايات أخرى أكسبتها السيّنما شهرة وعمقا وجدّة في المعالجة الدراميّة رغم ضعف حبكتها الفنيّة والشكليّة، نذكر منها شفرة دافنشي لدان براون والحبّ في زمن الكوليرا ل غابريال غارسيا ماركيز. 

أمّا عن الأعمال الرّوائيّة التي جنت عليها السينما وشوّهت صورتها في قلوب قرائها وعشّاقها كما أفقدتها جوهرها، أدبيتّها، عمقها الفنّي، نذكر الرّواية الحاصلة على جائزة نوبل للأدب لكاتبها أرنست همنغواي، العجوز والبحر" وعربيًّا الرّواية الخالدة "ذاكرة الجسد" لكاتبتها أحلام مستغانمي.
 

إنّ صناعة الأفلام الرّواية أضحت تجارة مربحة لصنّاع السّينما خاصّة في وقتنا الحالي مع تزايد الأعمال السّينمائيّة المقتبسة عن روايات، فالمخرجين اشتروا الوهم كون تلك الرّوايات حققت مجدًا وخلودًا كبيرًا وهذا ما شجعهّم على الاستثمار في هذه الصّناعة

ومن الرّوايات العربيّة التي حوّلت إلى أفلام وشكلّت علامة فارقة في السّينما العربيّة نجد روايات نجيب محفوظ: ثلاثية القاهرة، اللص والكتاب، السّمان والخريف، الطريق، الحرام، ثرثرة فوق النيل ميرا مار"، زقاق المدق، بداية ونهاية، الحرافيش، بين القصرين، ويعود سرّ تميّزها وشهرتها إلى معالجتها للواقع المصري في فترة تحوّلاته المختلفة، فروايات نجيب محفوظ هي روايات تميل للتّقريريّة والتّسجيليّة والواقعيّة أكثر منها إلى التّخيليّة.

ويمكن القول إنّ إسهامات الرّواية في تطوير صناعة السّينما إسهامات جليلة وقيّمة، فقد قدّمت الرّواية ولا تزال تقدّم لها الكثير من الأعمال الإبداعية خاصّة في عصرنا الحالي الذّي أضحت فيها الأفلام الرّوائيّة والمسلسلات الرّوائيّة أكثر طلبّا لدى صنّاع السينما. 

فالظّاهر أنّ صناعة الأفلام الرّواية أضحت تجارة مربحة لصنّاع السّينما خاصّة في وقتنا الحالي مع تزايد الأعمال السّينمائيّة المقتبسة عن روايات، فالمخرجين اشتروا الوهم كون تلك الرّوايات حققت مجدًا وخلودًا كبيرًا وهذا ما شجعهّم على الاستثمار في هذه الصّناعة أكثر فأكثر، ثمّ باعوا الوهم للجمهور طمعًا في حصد المزيد من الأرباح، واهتمام النّقاد والجمهور.

ولعلّ المبالغة في الاقتباس من الفنّ الرّوائي أعاق تطوّر فنّ السّينما وأعادها سنوات إلى الخلف، بحيث أخرجها من دائرتها الإنسانيّة الواسعة إلى الدّائرة الضّيقة، فغابت الأفكار والحوادث المتصلّة بالواقع الإنساني ومناحي الحياة، وحلّت أفكار متخيّلة، فنطازيّة، وهذا ما أبعد السّينما عن أهدافها السّاميّة، ومراميها الجليلة التي تنهض على نقل صور وتجارب وثقافات وأحاسيس المجتمعات الإنسانيّة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.