شعار قسم مدونات

فلسفياً.. لماذا نحب؟!

blogs - love

ما المنطق في أن نركض وراء الحب؟ هل هو المحور الذي يمنح حياتنا معنى ما، أم أنه للهروب من الوحدة كما أن حياتنا لا تكتمل إلا بوجود شخص ما فيها؟! أم أنه ذلك الشيء الذي يعطي وجودنا سبباً ويجعلنا نتعلق بالحياة؟ من المحتمل أن المهتمون بالحب على مر العصور اتفقوا على أن المحبة لا يمكن تعريفها أو تصورها حتى أن أحدهم قال: "لا يعبر عن شيء إلا بما هو أرق منه ولا شيء أرق من الحب". وبما أننا عرفنا الحب ونظرياته من وجهة نظر الأدب حتى الشبع، سأذكر هنا الجانب الفلسفي للحب كما ورد عن بعض الفلاسفة.

هل خضع الحب لمقاييس فلسفية؟ وهل وقع الفلاسفة في فخ الحب؟!
من قال أن الحب والفلسفة لا يجتمعان؟! بالطبع تأثر الفلاسفة بالحب، فأن تكون فيلسوفاً لا يعني أبداً أن تكون مجرداً من المشاعر فبذلك انتفاء للإنسانية.. درس الفلاسفة الأحاسيس الخفية الكامنة في القلب لكنهم لم يتفقوا في نظرتهم للحب فمنهم من اعتبر الحب عدوه ومنهم من اعتبره المرحلة الأسمى في حياة الفرد.. ولكن أليس الحب هو الأمر الوحيد الذي لا يمكن الاتفاق عليه؟! فقد خلق الله حواء لتكون سكناً ومكملاً لكيان آدم حتى أنه يٌقال سميت المرأة، امرأة لأنها خلقت من ضلع امرئ آخر، وقد يفسر هذا أن يترك الرجل أباه وأمه ويلزم أمرأته فيصيران جسداً واحداً.
 

"حنة أرندت" كانت الملهمة لفكر هايدجر العاطفي فكتب لها مرة "تعرفين أن من يقع فريسة الحب لا حماية له، بينما الذي يقع في بقية الأشياء الصعبة، فهناك طرق ومخابئ يحتمي بها

"وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (الروم:21)
تفسر هذه الرؤيا ميل النفس للكمال أو الانتقال من العدم النسبي إلى الوجود من خلال إكمال نقص الذات بغنى الطرف الآخر، يقول أفلاطون "يجعلنا الحب مكتملين" هذا الشعور بالنقص هو سبب التجاذب بين المتحابين، فكل إنسان باختلاف الثقافات والمكانات الاجتماعية لديه رغبة بأن يعيش الحب، فالحب حقيقة يعيشها كل فرد في هذا الوجود .وقد ينبض القلب حباً لكيان آخر لانتفاء العزلة والوحدة، كما أكد سارتر "ما الحب الا هروباً من وحدتنا" ، فعند إيجاد أنسنا في اندماج الروح مع الروح نشعر وكأن كل العالم يطاوعنا وكأن الجمال حاضر بقوة في كل شيء، ثم بدفء تلك المشاعر وبهجتها نشكل حاجزاً يفصل بين قساوة الحياة وشراستها ورياض الحب والجمال.
 

أما عن أجمل ما ورد عن الحب في الفلسفة برأيي، ما ذكر عن الثنائي "سارتر وسيمون دي بوفوار"، والفيلسوف الألماني "هايدجر وحنة أرندت"، كانت علاقة سارتر بـ دي بوفوار قائمة على تبرير للحياة والوجود وللتحرر، واقتبس عما كتبه سارتر لها "ها هنا أساس فرحة الحُب حين تتوفر، حين نشعر أن وجودنا مُبرّر، أن أصير محبوبًا فأنا لم أعد عُنصرًا مُنفصلًا عن أساس العالم، أنا ذلك الذي عن طريقه يرى شخص آخر العالم، أن أكون محبوبًا فأنا أصبح العالم نفسه. "أما دي بوفوار حلمت طول الوقت بالحب القائم على الحرية والمساواة وقالت "اليوم الذي ستتمكن فيه المرأة من الحُب بقوتها لا بضعفها، لا لتهرب من نفسها بل لتجد نفسها، لا لتمحو بل لتتأكد، لهو اليوم الذي سيكون فيه الحُب للمرأة مثل الرجل، مصدرًا للحياة وليس خطرًا مميتًا".
 

كانت ترى ميلنا لجعل الحب التقليدي سبباً لوجودنا أو الاعتماد على الآخر لتبرير وجودنا يؤدي في النهاية إلى الملل والتنافس في التأثير، لذلك يجب الصعود في درجات الحب من الإعجاب والانبهار إلى الحب وصولاً الى درجة الصداقة، فالحب الواقعي هو أشبه بالصداقة القوية يدعم المتحابين فيه كل منهما لاكتشاف نفسه وتجاوز الذات.. وبهذا نجوا من تآكل علاقتهما بفعل الروتين اليومي فالذي جمعهما علاقة عقلية لا تخلو من العاطفة والمشاعر.
 

أما "حنة أرندت" كانت الملهمة لفكر هايدجر العاطفي فكتب لها مرة "تعرفين أن من يقع فريسة الحب لا حماية له، بينما الذي يقع في بقية الأشياء الصعبة، فهناك طرق ومخابئ يحتمي بها" فكان ردها أن لا شيء يقودنا إلا قلب العالم النابض أكثر من الحب. وكانت علاقتهما سرية، خاصة أن هايدجر كان متزوجاً بل ويكبرها بسبعة عشر عاماً، ولكن حبهما لم يترك أي مجال للتساؤلات بل جعل كل منهما ينفتح على الآخر وترك الأمور تجري كما هي، فقال هو "فلندع الموجود يوجد". لا يوجد سبب معين وراء وقوعنا بالحب، فالحب كالموت لا تعرفه إلا إذا حضر، يجعلنا نعاني أو نحلق عالياً، وقد يكون أسوء شيء أو أفضل شيء حصل في الحياة. فكما قيل "الحب جحيم يطاق والحياة بدون حب نعيم لا يطاق" أيضاً" فيا حُبّ! انتصرْ أَنت انتصرْ، وَعُدْ إلينا خاسرين… وسالماً".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.