شعار قسم مدونات

ما بين فريقين وحَكَم

blogs مشاهدة المباراة

غصّ المقهى عن آخره، لا لا، يبدو هذا وصفاً غارقاً في الكلاشيهية، غص بنا حلق المقهى، وتوارت الوجوه حول الدخان المنفوث من الصدور، الصدور المتنافخة غلّاً على الآخر، هذا الآخر، الذي نجح في جعلنا فسطاطين، نشحذ لمعركتنا الفاصلة، حبالاً صوتيةً تـمْعِنُ في الصراخ، ونيران فحمٍ يزداد اشتعالاً مع كل نفخة، وطاولات مقهى صمدت أمام مطارق الضاربين عليها، كل ما لاحت فرصة واختفت أو كلما بزغ شهاب رميةٍ ثم انقضى. 

 

كانت الصدفة حريصة على تواجدي في جمعٍ متابع لمباراة الكلاسيكو، وهذه ليست تبرئة من تهمة المتابعة، بقدر ما هي صياغة لمتابعٍ للحدث عبر وجوه المُنَشَدّين، إلى شاشات علقت فوق رؤوس القوم، فتارةً تراهم وكأن الطير يأكل منهم وتارةً تراهم في رقصٍ وطرب. في الطاولة المجاورة، فريق يبدو أنه يميل إلى كفة القمصان الزرقاء، وعلى المقابِلَة، فريق ابيضت ملابسه من الوَله فهو سقيم بفريقه. 

 

وصلت مسامعي اللعنة الأولى، على فرصة توزن بالذهب، ضاعت أدراج الجمهور، من فوق الشباك بقليل، ووصلت طاولتي بقايا الرماد المنتفض من رأس النرجيلة المحروق، وفي حين صرخ الآخر متهماً حكم المباراة بالمحاباة، وركن آخر نفسه بزاوية يكتب آخر جملة على موقع التواصل الاجتماعي، تحمل مشاعر النكاية والشماتة والتعالي. وانقضى الشوط الأول، بفرصه وأهدافه، وانفض الجمع مؤقتاً باتجاه دورات المياه، وخلا المقهى لوهلة وعم الهدوء الجوانب، وبقي المحلل الرياضي يتحدث وحده في الاستوديو المعد للتحليل. 

 

دون محاضرات في هم الأمة وقضايا المحيط، والتي ستنكد على الفرحين بالكلاسيكو فرحتهم، يظهر بوست لليوم السادس لإضراب الأسرى، خجلاً بين بوستات الكلاسيكو

تمركز المتابعون حول طاولاتهم مع بداية تمركز لاعبي كل فريق، وأنت تستحضر الوجوه والأجساد، ترى أن لفظ رياضي لا ينطبق عليها إلا من باب الاهتمام فقط، تعالت هبات الصرخات من جديد، كلما اقترب فريق من شِبَاكِ الآخر، ثم جاءك البحر الهادر من الانتشاء، والعاصفة الشديدة من الصياح، والهدف المخلّص من اللاعب المخلص، والمجد كل المجد لمن كان قميصه أزرقاً ببقع حمراء، ولا عزاء لكل البيض المنثورين دون حراك.

 

ثم تحدث جلبة، ويهب مالك المقهى والعاملين للخارج، فقد تجاوزت الروح الرياضية جسدها وانتقلت الى الكؤوس والفناجين، ورؤوس الفحم المتطايرة، وألسنة السباب المستعرة، واستشاط أحدهم غضباً لأن كبرياءه قد انتهك من كلمة نابية أطلقها من حاز الفوز بالدارين، الاسبانية والمحلية، وجاءني التساؤل الغريب، لماذا لا يتدخل الحكم في فض الشجار؟  

 

 انفض الجمع عن بكرة أبيه، وعاد المقهى يشتكي الوحدة، الا من طاولتين، وقام العاملون بإعادة تنظيف ساحة المعركة المجازية، ومجزرة الكلاسيكو الرياضية، تأهباً للقادم، وطفقوا يمسحون آثار الانسكاب، ورماد النار التي تأججت لتسعين دقيقة مضت.  اقتربت من صاحب المقهى المشغول بعد النقود، سألته سؤالين، الأول؛ كم حسابي؟ والثاني من تشجع؟ رفع الرقم على الآلة الحاسبة فأجاب السؤالين. 

 

في تلك الليلة على الوسادة، قلبت مواقع التواصل الاجتماعي، التي غصت بمحتفلين وشامتين، ومختبئين ومكابرين، ودون محاضرات في هم الأمة وقضايا المحيط، والتي ستنكد على الفرحين بالكلاسيكو فرحتهم، يظهر بوست لليوم السادس لإضراب الأسرى، خجلاً بين بوستات الكلاسيكو، لحظة! يبدو هذا كلاشيهياً أيضا، ألم ترَ كيف مسح بكرامتهم الأرض، نعم ذلك اللاعب او المضرب عن الطعام؟ كرامة من؟ يبدو أنني وقعت ضحية فريقين مختلفين هذه المرة، فريقين وحَكَمُ. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.