شعار قسم مدونات

الحكم الرشيد (٣)

blogs حامل القرأن

وبعد انقضاء زمن خلافة النبوة وانتقال الأمر إلى الملك، وضعف الوازع الديني وتوسع الرعية، وتولية غير الأكفاء في مناصب الدولة، تسرب إلى الحكم وإدارة المال أمور وأحوال لم تكن معهودة من قبل، حيث استحوذ الأمراء والولاة وحاشيتهم وأولادهم الثروات، فملكوا العباد والبلاد وخيراتها، وهذا الخلق المخالف للأنظمة المرعية أحدث خلل في بناء الدولة المسلمة، وحولها من دولة تسهر وتراعي مصالح الأمة العامة إلى نظام يحول المجتمع إلى عبيد ينتظرون العطف والرحمة من أسيادهم، ولا شأن لهم في إبداء رأيهم فيما ينفعهم دينا ودنيا .

ولأجل هذا التصرف المخالف للنصوص الشرعية وصفات الحكم الرشيد، تقهقر المسلمون عن ركب الحضارة وريادتها إلى ذيل الأمم، وأصبحت أوطانهم موطنا ومرتعا للفشل، ومثالا للضعف المالي والسياسي، وأصبحت حكوماتهم في صدارة الدول المنصفة في تفشي الفساد وهدر المال العام. 

ولم تكن معضلة هشاشة الحكم وسوء إدارة الأموال مشكلة خاصة بالمسلمين فقط، بل هي مشكلة عانت منها كل الأمم والأجناس والدول قديما وحديثا، ويبقى الفساد في الأرض ما بقي الناس، ولكن تختلف نسبته كثرة وقلة باختلاف البلدان والدول حسب النظام المرعي في محاربته واجتثاث جذوره أو تقليل مضاره وفق قوة وضعف أجهزة الدولة المعنية في هذا الشأن.

وكما يقال بـ (أن الله ينزع بالسلطان ما لا ينزع بالقرآن)، فإن النصوص الشرعية وإن كانت كافية في ردع الإنسان عن ارتكاب المخالفة ولكن لا بد من نظام صارم يقف في وجه كل من تسول له نفسه التلاعب بأموال الأمة (لَقَد أَرسَلنا رُسُلَنا بِالبَيِّناتِ وَأَنزَلنا مَعَهُمُ الكِتابَ وَالميزانَ لِيَقومَ النّاسُ بِالقِسطِ وَأَنزَلنَا الحَديدَ فيهِ بَأسٌ شَديدٌ وَمَنافِعُ لِلنّاسِ وَلِيَعلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالغَيبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزيزٌ) الحديد ٢٥. 
 

لأجل إصلاح الحكم وتوجيهه توجيها صحيحا، اعتمدت الدول المتقدمة في العالم أسلوبا ومنهجا في الحكم، للقضاء أو التقليل والتخفيف من الفساد الإرادي والمالي، حتى يستقيم الحكم ويؤدي دوره في خدمة الوطن على وجه أكمل

وإذا نظرنا إلى تعاليم الإسلام فإننا نجد قواعده الكلية ومقاصده الصحيحة قد ضمنت للبشرية جمعاء حلا جذريا لمشاكلهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولكن المشكلة تكمن في أخلاق المسلمين الذين اكتفوا بالادعاء دون التطبيق.

وقد نشرت جريدة ذي تلغراف البريطانية في شهر يونيو ٢٠١٤م، تقريرا عن دراسة أجرتها جامعة جورج واشنطن الأمريكية، حيث قامت باستخراج القواعد والنظم المتعلقة في سياسة المال، والحكم، والمجتمع، من نصوص الكتابة والسنة، ثم قارنته وقابلته بدساتير ونظم الحكم في أكثر من مائتين دولة وحكومة في العالم حول مدى موائمة نظمهم بالقواعد الإسلامية، فوجدت بأن الدول الغربية مثل أيرلندا والدنمارك والسويد ولوكسمبرغ ونيوزلندا، احتلت المراتب الأولى في موافقة دساتيرهم في إدارة الحكم وتوزيع الثروات ومعاملة الشعب ومشاركتهم في اختيار حكامهم الأنظمة المرعية في الإسلام، بينما بقيت غالبية الدول والحكومات العربية والإسلامية في ذيل القائمة لأن الشفافية والحكم الرشيد معدوم بالكلية أو ضعيف .

ولأجل إصلاح الحكم وتوجيهه توجيها صحيحا، اعتمدت الدول المتقدمة في العالم أسلوبا ومنهجا في الحكم، للقضاء أو التقليل والتخفيف من الفساد الإرادي والمالي، حتى يستقيم الحكم ويؤدي دوره في خدمة الوطن على وجه أكمل، وإلا فالفساد سيكون سيد الموفق في كل المجالات.

ومن هذه الخطوات: 
١ – اعتمدت مبدأ الكفاءة والأمانة في التوظيف، مع التنافس الشريف والتساوي في الفرص المتاحة أمام الجميع . 

٢ – إبعاد الأقارب والأهل من التدخل في شؤون الحكم. 

٣ – تطبيق النظام على الكل من دون محاباة، وعدم التفريق بين الراعي والرعية في التقاضي .
٤ – فصل السلطات التنظيمية (البرلمان ومجلس النواب)، والتنفيذية (الحكومة والوزارة)، والقضائية ( المحاكم )، وعدم السماح بالتداخل فيما بينها .

٥ – سن قوانين وأنظمة تحارب الفساد في أشكاله، وتوقع أشد العقوبات على الفاسدين، والتشهير بهم أمام الرأي العام.

٦- تعزيز مبدأ المحاسبة والمساءلة لجميع موظفي الدولة من غير استثناء.

٧ – إنزال أشد العقوبات لمن يثبت في حقه سوء استخدام السلطة أو التربح من الوظيفة العامة.

٨- إفساح المجال أمام المحاكم والنائب العام وهيئة المحاسبة المركزية في أداء واجبهم.

٩ – إنشاء هيئات محاربة الفساد الإداري والمالي، وتطعيمها بكل وسائل البحث والمراقبة.
 

من خطوات إصلاح الحكم اعتبار حرية الإعلام وإبداء الرأي من حقوق المواطنة، وإفساح المجال أمام النقاد والمعارضة في تقويم الدولة ومؤسساتها.

١٠ – اختيار الشعب حكامهم والتداول السلمي في السلطة مع تحديد الفترة الزمنية للمناصب العليا في الحكومة.

١١ – السماح لمنظمات المجتمع المدني مراقبة أداء مسؤولي الدولة الإدارية والمالية، واطلاع الناس بمرئياتهم وطباعة أبحاثهم.

١٢- اعتبار حرية الإعلام وإبداء الرأي من حقوق المواطنة، وإفساح المجال أمام النقاد والمعارضة في تقويم الدولة ومؤسساتها.

١٣- فرض كل من يتولى منصبا في الدولة في كشف ذمته المالية، والاستقالة عن مسؤولياته التجارية والمالية، لأجل المنع من تضارب مصلحته الشخصية والوطنية.

وغير ذلك ما من شأنه تصحيح نظام الحكم ومراقبته وعدم السماح بخروجه عن خدمة المواطن وبناء البلد وحفاظه والسهر عليه على أساس العدل والمساواة وسيادة النظام والقانون، وتقديم المصلحة العامة على غيرها من المصالح الشخصية والحزبية والفئوية، ليعيش الناس في سلام ووئام.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.