شعار قسم مدونات

لغتنا التي لا تُقهَرْ

blogs - Arabic language
كانت لغتنا العربية تحظى بأهمية بالغة في الأزمنة الغابرة، وكانوا في العصر الجاهلي، أكثر فصاحة منا على الرغم من أميّتهم، كان نظم القصائد الشعرية لديهم أسهل من شرب الماء! لكننا اليوم، وعلى الرغم من تطور جميع وسائل التعلم، إلا أن معظمنا جاهل بلغته، ولعلّ طلاب اليوم أكثر ما يستصعبونه في مدارسهم وجامعاتهم هو منهج اللغة العربية.
 

تساءلت كثيراً حول حقيقة السبب الذي يجعل الجميع اليوم يستصعبون اللغة العربية وينقمون عليها، فوجدت الإجابة ليست كما يقول الجميع: "اللغة العربية لغة صعبة وبحر واسع لا يمكن إدراكه!" إنما هي في الواقع: أي اللغة العربية، لم تنل حقها كغيرها من اللغات، وقوبلت رغم عظمتها بالتجاهل والإهمال من قِبل أقرب الناس إليها! فأصبحت مهجورة وبعيدة كل البعد عنّا، حتى بتنا لا نميز التاء المربوطة من المبسوطة، ولا نعرف إعراب المبتدأ من الخبر، ونجهل معنى علامات الترقيم، ونعجز عن تفسير أبسط بيت شعر يصادفنا!
 

ليس علينا أن نتخلص من عروبتنا، علينا أن نتخلص من السذاجة والبلاهة المستترة في عقولنا، علينا أن نتخلص من التبعية والانقياد نحو الآخر وتفضيله على كل ما وضع بين أيدينا.

اللغة العربية لم تفقد قيمتها بفعل الغرب، إنما فقدتها بفعل الجهلة من المنتمين إليها، ويعود ذلك الفضل إلى المدارس والجامعات وشركات التوظيف التي أصبحت جميعها تشترط اللغة الإنجليزية ولغات أخرى للقبول في الوظيفة، وأصبح تجاوز مساق اللغة الإنجليزية أهم من تجاوز مساق اللغة العربية، ووصلنا إلى مرحلة لم يعد يخجلنا جهلنا بالعربية، قدر ما يخجلنا جهلنا بالإنجليزية وما سواها من لغات!

انحدرت القيم الأخلاقية والثقافية لدى شبابنا، بالرغم من أن العِلم أصبح بين أيدينا كالكتاب المفتوح، إلا أن الجهل لا زال يمد جذوره إلى أعماق بيوتنا وجامعاتنا، وقلوبنا، أصبحنا نرى عروبتنا لعنة ترافقنا، ووصمة عارٍ على أجبنتنا، ورحنا نبحث عن كل الطرق التي تمكننا من التخلص منها ومن كل شيء يصِلنا بها، إن كان من لغة أو ديانة أو غيرها، ولولا أن حفِظ القرآن الكريم لنا لغتنا لاندثرت منذ زمن بعيد، وأصبحت أسطورة يقصّها الأب على أبناءه قبل النوم!

لم نعلم إلى الآن أن العروبة لم تكن يوماً ثغرة تعيبنا، إنما نحن الثغرة التي دنّست العروبة وراحت تنِسف من شأنها رويداً رويداً حتى باتت طُرفةً هزيلة، لا تُضحِك ولا تغني من حزْن. يزداد حزني وبؤسي، حين أجد الأم في بيتها تحاول بكل ما أوتيت من قوة أن تعلّم أبناءها الانجليزية قبل أن تعلمهم العربية! إذ أصبح إتقان الإنجليزية من متطلبات العصر، أما العربية فقد تندرج تحت باب الرفاهيات التي لا داعي لها!

أما عن حَمَلة راية اللغة العربية، كُتّاب هذه الأيام، كأنهم وجدوا ليزيدوا على تشويه لغتنا تشويهاً، وليزيدوا من بؤسها وحزنها وظلمها، أصبحوا يكتبون لأجل مسمى "كاتب"، لأجل مقابلة تلفزيونية في برنامج صباحي يقدم له الشهرة والمال، إن ألقيت نظرة إلى كتابه وجدته ذا محتوى تافه، أو بتعبير أدق: بلا محتوى. أستغرب كيف يجرؤ على تسمية نفسه كاتباً وهو لا يعرف من الكتابة سوى الأحرف الأبجدية، وقد نجده يخلِط بينها أحياناً!

لغتنا العربية الوقورة، هي اللغة التي لا يمكن أن يدركها أياَ كان، ولربما هي إحدى أعظم النعم التي منّ الله بها علينا، "أن خلقنا عَربيي الهوية واللغة"، لغتنا العربية التي لا تقهر، لا أعلم لم نحن مصرين على قهرها، لغتنا تعلم أن الأجنبي والغريب لن يقهرها، لن يقهرها إلا أبناؤها، فهي قد قالت لنا يوماً: وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهنّدِ.

ليس علينا أن نتخلص من عروبتنا، علينا أن نتخلص من السذاجة والبلاهة المستترة في عقولنا، علينا أن نتخلص من التبعية والانقياد نحو الآخر وتفضيله على كل ما وضع بين أيدينا، علينا فقط أن نكون كما نحن، بفطرتنا العربية السليمة، بلغتنا وهويتنا، نحارب بهما لنعيش بسلام، كفاها ظلماً وقهراً، وكفانا خجلاً منها وبحثاً عن غيرها، لنرتقي بها، ستكون هي سندنا الأوحد حين نجد أنفسنا بلا سند.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.