شعار قسم مدونات

رسائل من مسلسل قيامة أرطغرل

blogs - Knight
مسلسل قيامة ارطغرل، هذا المسلسل الذي يتحدث عن هجرة القبائل التركمانية لبلاد الشام والأناضول وبداية تأسيس بذرة الدولة العثمانية التي حكمت الدنيا ستة قرون، لن أتكلم عن هذا المسلسل كرجل من أصول تركمانية، وإنما سأتكلم كمشاهد يحمل جنسية عربية ويشاهد هذا المسلسل بحماس، مع أنني لم أكن من هواة المسلسلات يوما، فقد كان موقفي منها نابعا من نظرة دينية. 

كُتب و دُون الكثير عن هذا المسلسل إلّا أنني سأتحدث عن رسائل لاحظتها، شعرت أن المخرج يوصلها عمدا للمشاهد، وحاولت ربطها باجتهاد مني بأحداث سياسية واجتماعية، كنت قد دونتها على هاشتاغ على صفحتي على الفيسبوك -باسم المقال- وسأنقلها لكم عبر مدونات الجزيرة.

والدي -حفظه الله- يقول أنه بجب أن نركز في كل جملة تقال في المسلسل، لأن وراءها ما وراءها من رسائل، لا يوجد حشو وكلام فارغ كما في المسلسلات الأخرى العربية والتركية، كل جملة و كل لقطة محسوبة، وإذا سها أبي عن لقطة يعيدها وينصحنا بالتركيز.

قبل أن أبدأ سأنقل لكم نصيحة من والدي-الرجل الخمسيني- فوالدي -حفظه الله- يقول أنه بجب أن نركز في كل جملة تقال في المسلسل، لأن وراءها ما وراءها من رسائل، لا يوجد حشو وكلام فارغ كما في المسلسلات الأخرى العربية والتركية، كل جملة و كل لقطة محسوبة، وإذا سها أبي عن لقطة يعيدها وينصحنا بالتركيز.

والآن لنبدأ مع الرسائل التي لاحظتها في المسلسل:
أولا: قناة TRT التركية الداعمة لحزب العدالة والتنمية التركي، هي من قامت بتبني وبث مسلسل قيامة ارطغرل، وهي تبث حاليا مسلسل عن السلطان عبد الحميد الثاني، فكرت قليلاً لماذا ارطغرل ولماذا عبدالحميد الثاني.

ظهر لي أن السبب في اختيارهما أن الفترات التي ظهرت بها هاتان الشخصيتان هي فترات حرجة من تاريخ أمة المسلمين، وتشترك هذه الفترات باجتماع الأعداء على المسلمين من كل حدبٍ وصوب وهي شبيهة بالحالة التي تعيشها الأمة الإسلامية الآن، كما يشترك الغازي ارطغرل والسلطان عبدالحميد بأنهما حاولا وبذلا كل الأسباب للنهضة بالإسلام والأمة الإسلامية، إلّا أن الأول نجح مشروعه بتوفيق من الله والثاني فشل مشروعه بتقدير من الله.

فالسلطان عبدالحميد الثاني كافح وحارب بشتى الطرق للنهضة بالدولة العثمانية من جديد لدرجة قيل فيها لو كان السلطان عبدالحميد سلطانا مكان سلاطين سابقين له بفترات قصيرة لتغير مصير الدولة العثمانية وشكل العالم الإسلامي، لكن قدر الله وما شاء فعل، وأظن أن اختيار تلكما الشخصيتين فيه إشارة للرئيس اردوغان فمشروعه يشبه مشروعهما بشكل كبير في محاولة النهضة، وفيه إشارة إلى أن هذا المشروع قد ينجح وقد يفشل، وكل ذلك راجع لتقدير الله تعالى، ومع ذلك يجب ألّا نتهاون في الأخذ بالأسباب.

ثانيا:
عُرِفَ التُرك بأنَّهم أمّةٌ مُقاتلة، شديدة البأس، ومما ذَكَره المؤرخون والرحَّالة الذين زاروا بلاد التُرك ورأوا شدة بأسهم قولهم "حتى نساؤهم تُقاتل" أو "نساء التُرك يقاتلن كرجالهم"، هذه المعلومة التاريخية ركز عليها مسلسل قيامة أرطغرول، وأظهرها بأفضل صورة، فنساء القبائل التركمانية محاربات ولهن معسكرات تدريبية، للأسف تبدلت أحوال الأتراك الآن، لكن أنا أعتبر هذه اللقطات التي تظهر التركمانيات وهنَّ يُحاربن ويبارزن ويقتلن المعتدي من المغول أو من الصليبيين.

رسالةً إيجابية للأمّة التركية وللأمة الإسلامية بشكل عام، المرأة يجب أن تتدرب من صغرها على القتال و الدفاع عن نفسها، صرت أؤمن بهذا، وزاد إيماني بهذا، بعد الفتوى التي طلبها أهلنا في حلب -فرج الله عنهم- بقتل نسائهم إذا هاجمهم العدو الروسي أو النصيري خشية أن يتم اغتصابهن وانتهاك أعراضهن.

التركمان هذه القومية التي تعتبر من النسيج القديم لفسيفساء بلاد الشام والعراق والشرق الأوسط عموما و التي يتعمد الكثير الإساءة لها وتهمشها ويحاولون طمس تاريخها الطويل المخضب بالدماء على الأراضي المقدسة، والذين لا زالوا يقدمون دماءهم نصرة للحق وللمظلومين في سوريا.

فالمسلم أغلى شيء عنده عرضه، ويفديه بروحه ودمه، ويعلم الأعداء هذا، لذلك يقومون بانتهاك الأعراض إذلالا للمسلمين، ولو كانت المرأة مقاتلة وتستطيع الدفاع عن نفسها، لن ينظر لها العدو كأنثى سهلة، بل سينظر لها كمحارب ومقاتل وند، وهي بأسوء الأحوال سَتُقتَل وهو أهون وأشرف بآلاف المرات من أن تُغتَصَب وينتهك عرضها علج!.

ثالثا:
عندما يُذكَر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعندما يُذكَر موقف من سيرته أو سيرة أصحابه رضوان الله عليهم، وعندما يتكلم ابن العربي أو أحد الشيوخ والدراويش، ترى صمت عجيب وإصغاء عميق للكلام وخشوع، هكذا يجب أن يكون تعاملنا مع حضرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وسيرته العطرة، وسيرة أصحابه، فهم نبراس الهدى وسيرتهم ملهمة لنا، ليست مجرد قصص تُقَص للتسلية، كما أنه يجب علينا أن نحترم علمائنا ومشايخنا فهم ورثة الأنبياء، وإسقاطهم وعدم احترامهم اسقاط لهيبتنا أمام الأعداء.

رابعا:
صدقا أنه أعظم عمل درامي رأته عيناي، لم أكن أتوقع أني كملتزم نسبيا ؛ أن أدعو لمشاهدة مسلسل، لكن قيامة ارطغرل استثناء، كم هم عباقرة وأفذاذ القائمون عليه، فعلا قيامة وعودة للجذور، لنا كمسلمين عامة عربا وعجما، وكتركمان واتراك خاصة، وهنا رسالة لكسر الجمود وكسر النظرة السلبية السوداوية للدراما والتلفزيون وجعلها أداة شر، هذا المسلسل جعلني أؤمن أن التلفزيون والدراما سلاح ذو حدين نستطيع استخادمه لخدمة قضايا ديننا وأمتنا بدون خدش حياء وبمحافظة على أعرافنا الإسلامية فيهما.

فمسلسل قيامة ارطغرل إجمالا محتشم، ولا يوجد فيه سفور في لباس النساء ولا يوجد فيه مشاهد غرامية خادشة للحياء، ولاحظت أن أغلب الممثلات الثانويات في المشاهد اليومية كبار في السن، والممثلات الرئيسيات فتيات عاديات لسن بارعات الجمال، وهذه إشارة لوحدها أن المسلسل هو لهدف معين سامي وليس للإغراء والفتنة كمسلسلات أخرى!.

خامسا وأخيرا: 
رسالة من المسلسل للمشاهد العربي وحتى للمشاهد التركي الغائب عن تاريخه، لتذكيرهم بالتركمان وتاريخهم المجيد في الدفاع عن بيضة الإسلام ورفع رايته على مدار ألف عام من تاريخ الأمة المحمدية فارطغرل وقبيلته التركمانية والعثمانيين من بعدهم، هم نموذج واحد من آلاف النماذج التركمانية الأخرى المشرفة في تاريخ الإسلام كالسلاجقة والغزنويين والزنكيين والآرتقيين والخوارزميين والمماليك البحرية وغيرهم كثير.

التركمان هذه القومية التي تعتبر من النسيج القديم لفسيفساء بلاد الشام والعراق والشرق الأوسط عموما و التي يتعمد الكثير الإساءة لها وتهمشها ويحاولون طمس تاريخها الطويل المخضب بالدماء على الأراضي المقدسة، والذين لا زالوا يقدمون دماءهم نصرة للحق وللمظلومين في سوريا وكانوا من أوائل من ثار ضد الظلم الأسدي مع إخوتهم العرب، هذا المسلسل أعاد لهم قليلا من الاعتبار الذي اعتدى عليه المغرضون حقدا وعنصرية تارة، ولأسباب سياسية تارة أخرى.

في النهاية أنصح الجميع بمشاهدة هذا المسلسل مع العائلة لاستخلاص الرسائل والعبر منه، كما أنصح بمشاهدته بتقنية HD على شاشة lED للاستمتاع بمناظر الفروسية التي حُرمنا منها في هذا الزمن، وحاولوا مشاهدته مترجما وليس مدبلجا لتروا مدى تأثر اللغة التركية باللغة العربية وليكون هناك جسر ثقافي بين الشعبين التركي والعربي عن طريق هذا المسلسل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.