شعار قسم مدونات

خان شيخون

blogs- خان شيخون
بعد يوم شاق ومرهق من الضجيج الإعلامي نام العالم وغفا في أسرة أحلامه الوردية.

اليوم سيكون أقل ضجيجاً، بعد أن رحل الموتى، هؤلاء المشاكسون هم من أشغلونا عن دنيانا طيلة الأمس، وغدا ستمشي الأمور بشكلها الاعتيادي، ريثما يتحفنا نظام الأسد بمجزرة جديدة بحق المشاكسين في هذا العالم، صحيح أن مجازره لم تتوقف يوما واحداً على مدار ست سنوات، لكن ما قصدت مجزرة "بأكشن" مختلف تثير شهوة هذا العالم المتبلد المشاعر الإنسانية والمتحفز دائماً لمشاهدة أفلام "أكشن " تكسر روتين حياته المملة.

وهناك في العالم اللا أرضي خلدت مئات الأرواح في سلامها الأبدي، و قد ارتاحت من ضجيج الطائرات و صفير الصواريخ و عربدة المدافع.. لكن للتو وصلت رسالة من أحد الراحلين يقول فيها:
أرجوكم لا تحزنوا على ما حل بنا، لا تستنكروا، لا تشجبوا، من قال لكم أننا حزانى على ما حل بنا، لكنكم معذورون، فأنتم لا تعرفون أن الموت كان جائزة كبيرة لنا، أرجوكم أقيموا الاحتفالات و الكرنفالات في كل بقاع الأرض من أجل موتنا.


باسمي و باسم أهل سوريا نقدم أسفنا و اعتذارنا عما سببناه من إزعاج لهذا العالم على مدار ست سنوات، و نرجو من مجلس الأمن أن لا ينعقد مرة أخرى من أجلنا، و يوفر على أعضائه ساعات ذلك الاجتماع الممل، و نوفر على الإعلام ثمن تغطية ذلك الحدث التافه.

الموت ليس مخيفاً كما تتصورون، فمن يجرب كيف يرى الخوف في عيون أطفاله على مدار الوقت، سيجد الموت أليفاً، من يشاهد كيف تتناثر أشلاء من كان جالساً يتسامر معه قبل لحظات سيجد أن الموت رحيما جدا، من يرى كيف يتضور أطفاله جوعا في الليل و النهار و لا يملك سوى دموعه المحبوسة و دماءه النازفة في قلبه سيجد الموت لذيذا، من يجرب أن لا يغفو بدون كوابيس الطائرات و الصواريخ وعيونه تحملق بالسقف الذي يمكن أن ينهار في أي لحظة فوق رأسه و رؤوس أولاده سيجد أن القبر سريرا هنيئا.


لكن هناك على الضفة الأخرى من العالم هناك في القطب الآخر من البشرية في سوريا، كم من أم و كم من أب فقد فلذة كبده؟ كم من رضيع فقد صدر أمه؟ كم من أخ فقد أخيه؟ كم من صديق فقد خله؟ كم من راشد فقد عقله؟ كم من يافع فقد أطرافه و كم و كم؟.

هناك على الضفة الأخرى من العالم في سوريا الناس تعيش على الأرض بينما الشياطين تركب السماء، هل تعرف ماذا يعني أن تصبح مقاليد السماء بيد الشياطين؟ عندما تصبح مقاليد السماء بيد الشياطين تمطر حميماً و تنبت الأرض جحيماً و تسيل الأودية دماء و تنبت الحقول بالحزن و تثمر الأشجار بالموت.

باسمي و باسم أهل سوريا نقدم أسفنا و اعتذارنا عما سببناه من إزعاج لهذا العالم على مدار ست سنوات، و نرجو من مجلس الأمن أن لا ينعقد مرة أخرى من أجلنا، و يوفر على أعضائه ساعات ذلك الاجتماع الممل، و نوفر على الإعلام ثمن تغطية ذلك الحدث التافه، و نرجو من المنظمات اللاإنسانية أن لا تجتمع و تجمع شيئاً لنا.. من قال لكم أننا بحاجة لشيء، كل الذي نريده من هذا العالم المظلم الظالم ، هو أن يدير ظهره لنا و نحن سنكون بألف خير.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.