شعار قسم مدونات

أحلامُنا المفقودة

blogs - أطفال
يحكى في أدب الأطفال عن ذلك الفتى المشاغب (بيتر بان) الذي رفض أن يكبر.. كان يقول: "صر أقوى.. صر أكثر حكمة.. ولكن أبدًا أبدًا لا تكبر في السن". هي قصة جميلة من الأدب الإسكتلندي لـ"جيمس ماثيو باري" أعتقد أنها على قدر معقول من الشهرة. ولكن لأولئك الذين لا يعرفون شيئًا عن صاحبنا (بيتر) فيحكى يا رفاق أنه كان هناك مكان بعيد.. بعيدا جدًا.. هناك بين النجوم حيث يعيش صاحبنا هذا في جزيرة تدعى (نيفرلاند) يترأس عصابة من الصبية التائهين ويعيشون في مخبئهم بين الأشجار.. هناك يقابلون الحوريات والجن وأيضًا القراصنة الأوغاد الذين يكيدون لهم المكائد ليل نهار.

حسنًا! والآن وقد وضعنا النقاط على الحروف.. ما أريد قوله أن صاحبنا بيتر هذا كان يرى أنه عندما يكبر المرء يصيبه شيء كاللعنة.. فكان يرى أن هناك جزءًا في القلب يختفي عندما ننضج وننغمس في مشاغل وهموم الكبار. الحق أن هناك بعض الصحة في كلام ذاك الفتى أليس كذلك؟! نحن جميعًا نذكر مواقف من طفولتنا وننظر لها من بعيد في حنين، الكل كان له شطحات ومواقف تُضحك وبعضها يُخجل.. بالنسبة إلي كان لي "شطحاتي" الخاصة.. عندما أفكر فيها اليوم أضحك خجلًا..

أذكر مرة أني وجار لي في مثل سني تقريبًا قد قررنا وعقدنا العزم على بناء سلاح دمار شامل فوق السطح ردًا على مجازر أميركا في العراق ومجازر الصهاينة في فلسطين!! وعندما أقول قد عقدنا العزم لا أمزح.. فقد كنا نبحث على الإنترنت عن كيفية تخصيب اليورانيوم.. وعن ماهية الماء الثقيل! الموضوع لم يكن مزاحًا لنا إطلاقًا.. بلا كان هدفًا سهل التحقيق حتى لصبية مثلنا في الصف الرابع الابتدائي!

يجب أن نقدر براءة أطفالنا ولا نقمع أفكارهم المجنونة تلك.. فماذا سيستفيد الطفل من درسك الحياتي البائس الذي تحدد فيه الممكن والمحال؟!

طبعًا هذا الشيء المضحك الذي أذكره عن نفسي -ولا شك أن لك "شطحة" أو أكثر من تلك- هو شيء غريب عندما تنظر له بمنظور حاضرك الآن.. ففي تلك الأيام كان أكبر همومنا آن ذاك هي أن نتابع مسلسلنا الكارتوني المفضل أو لعبة الكرة اليابانية العزيزة تلك أو غيرها وليس كهمومنا اليوم قطعًا!
الحق أن في تلك السذاجة التي طالما سخرنا منها عندما نراها في أطفالنا كنزًا فريدًا لمن تأمل الأمر بالرغم من كون البعض ينكرها فعلًا ويرى في براءتهم ما يعيب كأنهم كانوا في صغرهم هم الذين نحتوا القوافي من مقاطعها فلم تفهم البقر!

الحقيقة يا سادة أنهم كانوا في حال أفضل منا جميعًا نحن الكبار، فهؤلاء الأطفال الصغار لم يروا أن في الحياة معضلة بلا حل.. ولم يصدمهم الواقع بما يكفي ليقتل ذلك الجزء الذي في قلوبهم الذي تحكي عنه قصة بيتر بان تلك، ذلك الجزء الذي يدفعنا للابتكار.. للمغامرة.. لأن نحلم أحلامًا أكبر منا، بيد أن كل شيء ممكن.. بل ونثق أنه باستطاعتنا أن نصل لأحلامنا بلا ريب.. صدقوني يا سادة لم يكن في ذهني أنا وجاري أي شك في أننا سنبني سلاح الدمار الشامل آن ذاك!!

بعد التفكير يا رفاق.. لا أظن أنه عندما نكبر في السن قد كسبنا شيئًا فعلًا. فمع كل مكسب من تلك الأمور التي أردناها أتت مشاكل وهموم قد أتعبتنا كثيرًا. بعد كل شيء ربما (بيتر بان) كان محقًا.

يجب أن نقدر براءة أطفالنا ولا نقمع أفكارهم المجنونة تلك.. فماذا سيستفيد الطفل من درسك الحياتي البائس الذي تحدد فيه الممكن والمحال؟! 
هناك ذلك الطفل العبقري الذي يستطيع حل مسائل حساب المثلثات وهو لم يتجاوز العاشرة! وشاهدت مرة طفلة في أحد البرامج لا يتجاوز عمرها السابعة تُسأل في التشريح وأسماء العظام ومكان العصب الفلاني كذا.. فتجيب!! لبعض الأطفال ملكات ومواهب يستطيعون من خلالها تحقيق ما تظنه أنت بعيد المنال.. فلا تحدد أحلام طفلك بحدودك أنت وتجاربك! ولا تفرض عليه أشياء لا يريدها استخفافًا بحلمه.. وحتى لو لم يكن طفلك من أولئك العباقرة الذين يبهرون الناس بمواهبهم.. وحتى وإن كان طفلك عاديًا يصنع القلاع من الرمال ويأكل الصلصال باستمتاع كأقرانه، لا يجب أن ترى أن طفلك شخص عادي حتى وإن كان كذلك! الطفولة كنز يا سادة أخشى أننا لم نقدره كما يجب! أتذكرون عندما حلمنا صغارًا وتحدثنا كثيرًا فيما بيننا نتشوق لذلك اليوم الذي نكون فيه أسياد أنفسنا؟!أن نكبر ونعمل وننفرد بقرارنا؟

بعد التفكير يا رفاق.. لا أظن أنه عندما نكبر في السن قد كسبنا شيئًا فعلًا. فمع كل مكسب من تلك الأمور التي أردناها أتت مشاكل وهموم قد أتعبتنا كثيرًا. بعد كل شيء ربما (بيتر بان) كان محقًا.. ربما كان في النضوج لعنة فعًلا.. ربما.. وربما لا، كل ما أعرفه أني أحببت الأمر أكثر آن ذاك عندما كنا أنا وجاري نبحث عن كيفية صناعة سلاح الدمار الشامل ونتحسر على صغر سننا!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.