شعار قسم مدونات

الفلسفة التي أَضاعت نفسها

blogs - فلسفة
الفلسفة مصطلح يوناني مؤلف من شقين الأول "فيلو" ويعني "الحبّ"، و الثاني "سوفيا" ويعني الحكمة، ليصبح مصطلح فلسفة يعني "حب الحكمة"، وما جاءت الفلسفة إلا لتملأ فراغاً فكرياً و توعويا وكذا لمساعدةٍ في الشروحات والاستفاضة في الحديث وربما للتعبير عن تصورات ذهنية عقلية صعبة الشرح، إلى آخره…


لكن مع تحولها إلى ثقافة مجتمع وإخراجها من دائرة كونها علم أو أسلوب محدد منطقي وجرها إلى "السفسطائية" التي هي أشبه بتطرف عنيف للجدال والذي ندعوه اصطلاحاً ب "المناطحة" بدأت الفلسفة بالانحدار وبدأت تُضَيِّعُ المضمون، وتسقط المنطق وتُضَيِّعُ الرُؤى والبوصلة والفكر.

وأخذت جانبها العكسي وصَارت ضرراً لا نفعاً على الشعوب وعلى المنطق والحديث والحوار، وصارت سلاحاً يُقحِمُ الحمقى في الحوارات فيحرفون بِهِ الحديث ويحيدونه وينقلونه إلى مضمار لسباق "مارثون" لا يفوز فيه إلا التيوس فقط. (الثيران).
 

وصارت الفسلفة المعاصرة عبئا على الحضارة ككل، وهي بواقعها الحالي السفسطائي نموذجٌ فاشلٌ للفكر والحديث العلمي أو النظري الهام أو الهادف أو غيره، يُشابه نموذج البيروقراطية في الإدارة أو الحكم، إذ أنَ البيروقراطية هي النقيض الموازي للديموقراطية في الحكم، والنقيض للمؤسساتية في العمل أو الإدارة.
 

لاتزال الفلسفة تغوص في أعماق محيط السفسطائية التي أضاعت ماهيتها وبدأت تخفيها في أعماقها وتضيع تكوينها وتأخذ مكانها، ولا يوجد ما يستطيع به العالم إبعاد الجاهل المجادل عن الخوض فيه.

وقد عانى العرب على الأخص والعالم أجمع بالعموم وبنسب متفاوتة من جحيم الفلسفة بعد حرف مسارها وتحيدها عنما جاءت من أجله التي تتناسب طرداً مع الزمن، فقد قال الإمام "الشافعي" ثالث الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة والتي تعتبر طائفة من طوائف المسلمين: ما ناقشت عالما إلا وغلبته وما ناقشت جاهلاً إلا وغلبني.

وقد قال "أدولف هتلر" رئيس ألمانيا في الفترة ما بين عامي 1933 و 1945 : لا تجادل الأحمق، فقد يخطئ الناس في التفريق بينكما، كما قال "مارك توين" (كاتب أمريكي ساخر): لا تناقش السفهاء فسيستدرجونك إلى مستواهم ثم يغلبونك، بخبرتهم في النقاش السفيه.

لاتزال الفلسفة في تغوص في أعماق محيط السفسطائية التي أضاعت ماهيتها وبدأت تخفيها في أعماقها وتضيع تكوينها وتأخذ مكانها، ولا يوجد موضوع كما ذكرت سابقا لا يستطيع به العالم إبعاد الجاهل المجادل عن الخوض فيه وإعطاء النظريات البعيدة أو المغلوطة وبأساليب مستفزة أو غير أخلاقية.
 

يرافق كل هذا السرد المنمق، سؤال مهم، كم يمكن أن يطول المقال لو استُفيضَ فيه في شرح التفاصيل الغير هامة وتلك التي لن تمُتُ له بصلة، وكم يمكن أن يطول هذا السؤال بتعقيبات وكلمات وحروف لن تزيد سوى من وقت القراءة وتُنقص من عمر القارئ نفسه.

وكم يستطيع المرء الغوص في السفسطائية إلى مالا نهايات الجنون والشتات والضياع الفكري وضياع الأفق والمعنى، غوصا نحو نهاية الجدال والتي ربما هي تشوه في الزمكان وثقب أسود دودي للمنطق يأكل كل شيء ولا يُخرج منه، حيث لا ينتهي الحديث ولا يحده عدد الأشخاص ويستطيع به المرء محاورة نفسه، إلى الأبدية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.