شعار قسم مدونات

دونية التصنيف.. الأدب الإسلامي نموذجا

blogs - books
حسنا.. ما هو الأدب الإسلامي؟ ما التعريف الجامع المانع لهذا النوع من الأدب في نظر المؤيدين له والرافضين على حد سواء، وأيضا كل على حدة؟ هل هو الأدب الذي ينتمي إلى حقبة تاريخية ساد فيها الحكم الإسلامي، فنعتبر كل أدب أنتج في ظل تلك الفترة الزمنية أدبا إسلاميا؟ أم هو المنتمي إلى حيز جغرافي يعتنق معظم سكانه الدين الاسلامي، فيدخل في حكم الأدب الإسلامي كل أدب ينتج في ذلك الحيز الجغرافي بغض النظر عن زمانه أو موضوعه أو الدين الذي يعتنقه منتجه؟

 

هناك خيارات أخرى يمكن أن يفكر بها المرء وهو يحاول تعريف ذلك الأدب، كأن يكون هو الأدب الذي يكتبه أدباء الذين يدينون بالإسلام مثلا، ومرة أخرى بغض النظر عن موضوعاته أو زمانه أو مكانه، أو هو الأدب الذي يتناول يتخذ من الدين الإسلامي وشريعته وتعاليمه الأخلاقية وشخصياته المكرسة دينيا موضوعا له!

 

تعريفات منوعة، وأحيانا متناقضة، وضعها كثيرون لهذا المصطلح الشائع نسبيا، لم أستطع أن أتبين تعريفا واحدا منها يمكن أن يكون جامعا ومانعا أو علميا وموضوعيا. لكن اللافت أنه مصطلح حديث جدا، ولا نكاد نقرأه في كتب الأقدمين نهائيا. وربما نستطيع القول أنه يعود إلى خمسينيات القرن العشرين وحسب، حيث ظهر في كتابات للشيخ أبو الحسن علي الندوي الذي دعا للعناية بما أسماه الأدب الإسلامي وخصوصا عندما اختير عضوا مراسلا في مجمع اللغة العربية في دمشق كأول هندي يختار في هذا المجمع، حيث يبدو أن رأى في مصطلح كهذا بوابة "شرعية" يدلف بها إلى حديقة الأدب العربي بغض النظر عن انتمائه العرقي أو الجغرافي ما دام مسلما وحسب.

 

إن معظم الإلتزامات هي مما يقلل من قيمة ذلك الأدب الذي يعرف بأنه إسلامي لأنه يحد من حرية المبدع في إنتاج نصه الإبداعي بدواع أخلاقية ومعايير دينية وحسب

كما ظهر المصطلح، قبل ذلك بقليل، أو ربما بعده بقليل، في بعض مؤلفات د. سيد قطب ثم مؤلفات شقيقه محمد قطب الذي أصدر كتابا بعنوان "منهج الفن الإسلامي"، حيث تناولاه في إطار الترويج لنهجهما السياسي المتكئ على فكرة دينية معينة، وهو نهج جماعة الإخوان المسلمين! وبعدها انفتح الباب واسعا أمام بعض الكتاب والنقاد والمؤرخين ليتوسعوا في الكتابة عن هذا المصطلح وفي فضائه أيضا.

 

من الواضح أن هناك أسبابا، غير موضوعية، على وجاهتها النسبية، ساهمت في بذر فكرة هذا المصطلح لدى هؤلاء، منها الأسباب الدينية الخالصة ومنها الأسباب السياسية الخالصة، لكن ليس من بينها سببا فنيا يتعلق بطبيعة الأدب نفسه. حتى وإن وضع بعض هؤلاء وغيرهم لاحقا شروطا والتزامات يلتزم بها الأديب الذي يوصف بالإسلامي في ذلك الإطار. بل أن معظم تلك الإلتزامات هي مما يقلل من قيمة ذلك الأدب الذي يعرف بأنه إسلامي لأنه يحد من حرية المبدع في إنتاج نصه الإبداعي بدواع أخلاقية ومعايير دينية وحسب.

 

وفيما أثير مؤخرا، تعليقا على نتائج مسابقة جائزة كتارا لشاعر الرسول صلى الله عليه وسلم في موسمها الثاني (2017)، نموذجا للنقاشات التي ما انفكت تدور حول هذا المصطلح الغائم منذ ظهوره وانتشاره حتى الآن، حيث رأى كثيرون وأنا منهم أن لجنة التحكيم في المسابقة، بشقها الفصيح، انحازت لقصائد انتجت في ظل مفهوم الأدب الإسلامي كما يعرفه أهله، على حساب الإبداع الشعري الحقيقي، مما يشير إلى بعض ما يمكن أن يسببه المصطلح الذي يدخل في دائرة التصنيف من دونية ذوقية لكل ما يندرج تحته من أدب!

 

وفي رصد للآراء المختلفة التي كتبت على هذا الصعيد، وأعادت القضية للواجهة مجددا، نكتشف أن هناك خلطا واضحا لدى الجمهور المتلقي ما بين الأدب الإسلامي كمصطلح وما بين الأدب الذي ينتجه أدباء حقيقيون مسلمون مؤمنون بتعاليم الإسلام، بشكل إبداعي حر بالضرورة. وقد استفاد النقاد والشعراء الذين يتبنون المصطلح من هذا الخلط العفوي بطريقة دنيئة لا تليق بشرف النقاشات ولا بجمالية الأدب ولا بالمعايير الأخلاقية في الإسلام أساسا، حيث تصور بعضهم أن من يرفض مصطلح "الأدب الإسلامي"، إنما يرفض الإسلام وأخلاقياته وتعاليمه، ورأى بعض آخر أن المنادين بتحرير الأدب من ربقة الشعارات الخارجية ذات النمط العقائدي كالدينية والوطنية والعرقية وغيرها إنما يريدون الانفلات الأخلاقي بعيدا عن أي معايير، مدخلين المسألة الإبداعية برمتها في بئر عميقة ومظلمة لا تناسب تحليقها الافتراضي الحر نحو الأعلى!

 

أن يختطف الأدب العربي، وصفا لثقافته اللغوية، بتلك الحجج الدينية، ويحاكم منتجوه على أساسها ويذبح مبدعوه بمقصلتها فهذا مما سيسهم حتما في قتل الإبداع.. وعندها لم ينفعه ولن ينفعنا أن يوصف بالإسلامي أو بالمسيحي أو باليهودي أو بالبوذي أو حتى بالكافر!

الغريب أن هناك من جعل ما أسماه بالأدب الإسلامي معادلا موضوعيا لكل ما يمكن أن ينتج في فضاء الحداثة الإبداعية وفي هذا ظلم كبير لنصوص كثيرة أنتجها مبدعون مسلمون بمواصفات فنية رفيعة يمكن أن يدرجها أصحاب مصطلح الأدب الإسلامي في حدود مصطلحهم، مما يخرجها من كل إطار نقدي آخر! فيتم الحكم عليها مسبقا بأنها مجرد "أدب إسلامي" وتحرم من كل اجتهادات نقدية متخيلة وجديدة خارج هذا الإطار الضيق!

 

أما أغرب الدفاعات التي تبناها بعض المروجين لمصطلح الأدب الإسلامي فتعتمد على القول بأن عدم اعترافنا بالأدب الإسلامي يعني عدم اعترافنا بالأدب الجاهلي، وآداب العصور الأخرى كالأدب العباسي والأدب الأموي والأدب الأندلسي، وغيرها من الأداب التي تنتمي لحقب زمنية أو جغرافية كما عرفت في كتب التأريخ الأدبي العربي، وفي هذا "الدفاع" مغالطة واضحة، فكل هذه التسميات إذا نظرنا لها كمصطلحات فنية نعني بها الأداب التي أنتجت في ظل حقبة زمنية معينة، كحقبة ما قبل الإسلام، وما بعده على تنوعها وتتابعها، بالإضافة إلى الفضاءات الجغرافية بدلالاتها التاريخية كحقبة الأدب الأندلسي وحقبة الأدب المملوكي على سبيل المثال. أما أن يختطف الأدب العربي، وصفا لثقافته اللغوية، بتلك الحجج الدينية، ويحاكم منتجوه على أساسها ويذبح مبدعوه بمقصلتها فهذا مما سيسهم حتما في قتل الإبداع.. وعندها لم ينفعه ولن ينفعنا أن يوصف بالإسلامي أو بالمسيحي أو باليهودي أو بالبوذي أو حتى بالكافر!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.