شعار قسم مدونات

انتخابات إيران.. ما بين عمامتي “السيد” و“الشيخ”

blogs - إيران روحاني
في مصلى الإمام الخميني في طهران يحتشد الآلاف في التجمع الانتخابي الذي أعلن فيه قاليباف انسحابه لصالح المرشح الأصولي إبراهيم رئيسي. كانت الجموع ذات التوجه الواضح تهتف بشعارات كثيره جلها غاضب من روحاني، فيما أحدها كان يتردد كثيرا: "آخر هفته روحاني رفته" (مع آخر الأسبوع سيغادر روحاني).
 
في اليوم التالي كان أنصار روحاني يحتشدون بواحد من مقراته الانتخابية في شارع علي شريعتي وشعارات كثيرة أيضا، تعكس هاجس الخوف من الإقصاء، وتتعلق بأمل فوز مجدد لروحاني يلخصه شعار: "دوباره إيران.. دوباره روحاني" (مرة أخرى إيران… مرة أخرى روحاني).
وما بين المكان وملامح المؤيدين والشعارات فروق واضحة تعكس انقسام المجتمع الإيراني تجاه المرشحين لانتخابات الرئاسة الإيرانية وتعكس في الوقت ذاته خلافا حاداً حول الشكل الذي يريده كل طرف لإيران.

في "مصلي الإمام" الأقرب مكانياً من جنوب طهران، كانت ملامح التدين غالبة وواضحة بين صفوف مؤيدي رئيسي، فيما شكل الحجاب بين النساء المحتشدات يعطي صبغة واضحة عن المشهد. وحضر كثير من أنصار أحمدي نجاد ورفعوا لافتات كان الفقر والبطالة عنوانها الأبرز. وحضر في المشهد أيضا أناس صوتوا لروحاني في الدورة السابقة "لكنه خذلهم فقرروا أن يعاقبوه" ويمنحوا أصواتهم لرئيسي.

أستمع إلى الجيل الجديد من الإصلاحيين فأسمع حديثا عن الحريات لا أظن أن روحاني يقره أو يمكنه الاقتراب من هامشه، لكن هذا القطاع  يدعم روحاني من باب خيار المضطر.

في المقر الانتخابي لروحاني الأقرب مكانيا إلى شمال طهران، كان الشباب والنساء يشكلون غالبية الحضور، فيما تحدث المشهد عن مستوى اجتماعي وطبقة اجتماعية لا تشبه تلك التي تواجدت في مصلى الإمام في اليوم الذي سبقه. كان لباس النساء ينبئ بامتعاظ شديد من الحجاب ومحاولات للتحرر منه، فيما وجوه الشابات في الغالب، من تلك الوجوه التي وجدت عمليات التجميل طريقها إليها.

وإن كان الفقر وأخته البطالة قد شكلت جل لافتات الشباب المؤيدين لرئيسي، فإن "الحريات" وربما "الحريات الشخصية" قد شكلت هاجس الفريق الآخر، وواضح أن روحاني قرأ ذلك بدقة فرفع شعاراً عريضا: "آمده براى آزاده بیشتر در این سرزمین؛ (قادم من أجل مزيد من الحريات في هذا الوطن).

ويبدو هذا العنوان العريض الذي يطرحه روحاني مراوغاً، حيث لا يوجد تعريف أو تفسير للحريات من الممكن أن يجمع عليه روحاني ومؤيده، وهذا الاقتراب الفضفاض والانتخابي المحض هو الذي جعل الرجل يستبق حملته الانتخابية وينشر صورة له في الجبال مع شابات يرتدين شكلاً من الحجاب لا تقبله قوانين الجمهورية الإسلامية، فيما خلع روحاني لباسه الديني وارتدى ما يليق بـ"متسلق جبال". تكمن المفارقة في أن روحاني نفسه يباهي في واحد من كتبه أنه "صاحب الفضل في فرض الحجاب على النساء في الجيش والمؤسسات الرسمية" قبل أن يصبح مفروضاً على الجميع.

أستمع إلى الجيل الجديد من الإصلاحيين" شباب الاصلاحيين" فأسمع حديثا عن الحريات لا أظن أن روحاني يقره أو يمكنه الاقتراب من هامشه، لكن هذا القطاع من الإصلاحيين يدعم روحاني من باب خيار المضطر.

ما بين هم المعيشة وهم الحريات تتسع الشقة، ويتصارع الفريقان على وجه إيران، في انتخابات يبدو عنوان السياسة الخارجية فيها باهتا، وإن كانت التجمعات المؤيدة لرئيسي ما زالت تهتف بـ"الموت لأميركا".

وإن كان ليس من شك في أن إبراهيم رئيسي (السيد صاحب العمامة السوداء)، أصولي يمثل بصورة كلاسيكية التيار الأصولي، فإن القول بأن روحاني (الشيخ صاحب العمامة البيضاء)، إصلاحي يمثل التيار الإصلاحي وفق الطرح والتنظير الذي قام عليه هذا التيار لا يعدو أن يكون مغالطة، فدعم الإصلاحيين لروحاني لا يجعل منه إصلاحياً، والتيار الذي يقوده روحاني اليوم وأخذ اسم تيار الاعتدال هو امتداد لبرنامج السياسي الإيراني الراحل آية الله هاشمي رفسنجاني، وما يطرحه روحاني على صعيد الاقتصاد والعلاقات مع الغرب لا يعدو أن يكون إعادة تدوير لما سبق أن طرحه فريق رفسنجاني الاقتصادي.

وإن كان روحاني يجامل قطاعا واسعا من الشباب بشأن مسألة الحريات، فإن رئيسي لا يجامل ويبدو أكثر وضوحاً في مقاربته وفهمه لهذه المسألة وهو فهم لا يلتقي ولو بهامش بسيط مع ما يريده شباب الإصلاحيين على سبيل المثال.

وما بين هم المعيشة وهم الحريات الشخصية تتسع الشقة بين الفريقين، ويتصارعان على وجه إيران وشكلها، في انتخابات يبدو عنوان السياسة الخارجية فيها باهتا، ومتواضعا، وإن كانت التجمعات المؤيدة لرئيسي ما زالت تهتف بـ"الموت لأميركا" و"الموت لإسرائيل".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.