شعار قسم مدونات

الفروق الجوهرية بين "الرقص" و"الرعش"

مدونات - الرقص
عاودت الدكتورة "منى البرنس"، أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة السويس، "وصلات" الرقص، التي تنشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فالمذكورة تناضل من أجل الشهرة، لكن وكما قال حكيم "وادي حوف": "قيراط حظ ولا فدان شطارة"، والمتابع لفواصلها الراقصة سيكتشف أن الحظ يعاندها بشكل كبير!

فقد حققت "البرنس" أحلامها العريضة، بانتقال مشكلتها مع الجامعة إلى أحد البرامج التلفزيونية، وكادت تصبح في شهرة "سما المصري"، لكن حدث تفجير كنيستي "الغربية" و"الإسكندرية" فغطت التفجيرات على قضيتها، ثم عادت مجددا تنشر فيديوهات لمحاولاتها البدائية بالرقص، لكن تصادف أن جاء بابا الفاتيكان إلى القاهرة. ولأن الإعلام نصب لقدومه مهرجانا عظيما؛ فقد صرف هذا الأنظار عنها، فلم يهتم أحد بالفيديوهات الجديدة لـ "البرنس"، مع أنها لم ترقص هذه المرة بجلابية "نانسي عجرم" الشهيرة، ولكن كان رقصها بملابس ساخنة، لعل وعسى!

لم ينتبه أحد لفيديوهات الدكتورة البرنس، سواء وهي ترقص، أو بصورها وهي بملابس البحر، قبل أن يستضيفها "وائل الإبرشي" في برنامجه على قناة "دريم"، ولأني لم أشاهد الحلقة على الهواء، فقد راعني هذا الاحتشاد الجماهيري العريض، على مواقع التواصل الاجتماعي، دفاعا عن حق الأستاذة الجامعية في الرقص، وباعتباره من الحقوق اللصيقة بالإنسان؛ ومنها حقه في أن يرقص "على واحدة ونص"!

لأن المراكز التي تدربت "البرنس" فيها على الرقص كانت في إسبانيا وأمريكا، وتتملكها "عقدة الخواجة"، فقد ظنت أنها تخرجت في السوربون، ومن المؤكد أنها وقعت ضحية هواة أفهموها أنها تجيد الرقص فعلا.

كثيرون، وللدقة، كثيرات لم يشاهدن الحلقة، وإنما وجدن قضية للنضال المجاني غير المكلِف؛ فانطلقن يدافعن عن حق "البرنس" في أن ترقص في المناسبات العائلية، وأن المشكلة تقع على من قام بتسريب هذه الفيديوهات وعلى المذيع الذي يتدخل في حياة الناس الشخصية، وبعضهن قمنا بتقويل "وائل الأبرشي" ما لم يقله، فقد نُقل على لسانه وصفه لرقصها بالسفالة، وكيف له أن يصف فنا رفيعا كالرقص الشرقي بالسفالة إلا إذا كان رجعيا، لا يعرف قيمة الرقص في حياة الشعوب، ودوره في التنمية البشرية المستدامة. إحداهن قالت إنها ترقص في المناسبات العائلية ولم تجد في هذا ما يعني أنها امرأة منحلة.. حاشا لله!

حملة دفاع تذكرنا بالقصة التي تُروى عن أحد المحامين القدامى، الذي كان يندفع للدفاع في قضايا لم يطالعها، وذات يوم وكان موكله متهما بسرقة "عجلة"، فانتصب مدافعا عن أن موكله لم يسرق "العجلة"، لكنه كان يركب حماره ويحمل عليه البرسيم، ودخل به بيته ولم ينتبه إلى أن "العِجلة" تسير خلفه، إلى أن دخلت البيت معه، فجاء من يتهمه بأنه سرق "العجلة" وقام بإخفائها في بيته. فقال له القاضي بعد هذا الشرح الوافي، إنها ليست "عِجلة" من صغار الأبقار، فالمسروق هو "عَجلة" أي دراجة! فلا "وائل" وصف رقصها بالسفالة، ولا الفيديوهات جرى تسريبها من محفل خاص، فقد قامت هي بنشر الفيديوهات بنفسها على صفحتها على "الفيس بوك"!

من الكلام الذي قيل دفاعا عن الدكتورة "منى البرنس"، كيف للجامعة أن تحيلها للتحقيق وكل ما فعلته أنها مارست حريتها في "الرقص" في حين أن الجامعة تسكت على انهيار المستوى التعليمي، وعن المخالفات الكثيرة المرتبطة بالعملية التعليمية ويطلق عليه "الفساد الجامعي"؟، وعند اطلاعي على حلقة قناة "دريم" وجدت "البرنس" قد كررت هذا الكلام، لتذهب بالموضوع بعيدا، قبل أن تحدث المفاجأة بتدخل مسؤولين بالجامعة، وذكروا الأسباب الحقيقية لإحالتها للتحقيق، فالدكتورة تم توقيع جزاءات عليها قبل حصولها على الدكتوراه وبعد حصولها عليها ومع تغير رؤساء الجامعة!

كما أنها لم تتقدم للترقية للأستاذية وبقيت في موقعها الوظيفي لمدة (12) سنة في حين أن الترقية يتم التقدم لها خلال سنتين، وأن مستوى نتائجها متدني جدا، وليست ملتزمة بأيام الحضور، وتخرج في محاضراتها عن السياق العلمي! لعله رئيس الجامعة الذي ذكر أنها تُخِل بواجباتها كما هو منصوص عليه في قانون الجامعات، لعدم تمسكها بالقيم والتقاليد التي يحتم القانون على عضو هيئة التدريس الالتزام بها.

مما قيل أن "البرنس" سافرت في مهمتين علميتين إلى الولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا، وذلك بعد أن أعلنت أنها في أمريكا وإسبانيا حصلت على "كورسات" في الرقص الشرقي، على النحو الذي جعلها على قناعة بأنها "بترقص حلو" وأنها ترى في نفسها فنانة شاملة.. فهل فعلا "ترقص حلو"؟!
الشاهد، أن من انطلق دفاعا عن حق أستاذة الأدب الانجليزي في أن تمارس حقوقها الدستورية في الرقص، وحملن على الجامعة، وعلى مقدم البرنامج الذي تدخل في الحياة الخاصة للناس، كان كـ "شاهد ما شفش حاجة"!

في المسرحية التي تحمل هذا الاسم: "شاهد ما شفش حاجة"، قال الفنان عادل إمام في وصفه لمهنة القتيلة أنها كانت تعمل "رعاشة"، قبل أن يتمكن من ذكر المهنة الحقيقية: "رقاصة"، وفي تعريفه لهذه المهنة قال إنها "رقاصة وبترقص" فشكره القاضي على هذه الإضافة!

لقد نفروا خفافا وثقالا دفاعا عن حق "منى البرنس" في ممارسة مهنة لا تجيدها وهي "الرقص" في وقت سكتوا فيه على انتهاك أعراض النساء في السجون، وعلى تكميم الأفواه، وسجن المرضى والشيوخ!

وعليه، وما دامت "نسوة المدينة"، ترين أن الرقص حرية شخصية، ولا يجوز لأحد أن يتدخل في الحرية الخاصة للناس، فإن لدينا ملاحظات ينبغي أن تذكر في هذا السياق، ومن خلال إقرارنا بأن ممارسة الرقص من الحقوق اللصيقة بالإنسان:

أولا: أن السيدة "البرنس" لم تمارس الرقص، ولكنها مارست "الرعش"، على نحو يجعلها تسيء لهذه المهنة العظيمة وهي مهنة الرقص الشرقي وتُخِل بقيمها المتوارثة، وعليه فإن وقفها عن هذا التشويه، هو سلطة المجتمع المتحضر، الذي يقر أن لكل فن خصائصه وتقاليده.

ثانياً: أن "البرنس"، وقد وصلت إلى مرحلة القواعد من النساء، اللاتي يئسن من المحيض، فهي في مرحلة الاعتزال ولو كانت راقصة محترفة، احتراما للجسد الإنساني من أن يكون مثارا للسخرية أو باعثا على الرثاء، لأن الرقص في هذه السن المتقدمة يدخل في باب التمثيل بالجثمان، وكل الراقصات اللاتي في سن "البرنس" قد اعتزلن الرقص، وليس في هذا جور على حقوق الإنسان، فماذا لو قرر "الخطيب" مثلاً في هذا السن أن يعود للملاعب، فهل يدخل هذا في باب حقوقه الدستورية، في أن يلعب؟!

ثالثا: كما أن هناك فارق جوهري بين "الرقص" الذي تمارسه "فيفي عبده" مثلا، و"الرعش" الذي تمارسه "منى البرنس"، فهناك فارق بين "الحياة الخاصة" و"العامة"، وكون المذكورة خرجت بممارستها للرقص للعلن، فإنها تصبح قد تجاوزت الخاص، ليصبح تقييمها كراقصة من سلطة الرأي العام.

رابعا: أن ممارسة الحرية الشخصية تكون في إطار القيم والتقاليد، فلا يجوز للمرء أن يذهب إلى عمله مثلا بملابس البحر، كما لا يجوز للطيار مثلا أن يقود طائرته بالجلباب ومتحللا من الزي الذي تفرضه شركة الطيران، باعتبار أن نوع الملابس يدخل في نطاق الحرية الشخصية المكفولة بحكم الدستور!

خامسا: أن كل مهنة لها تقاليدها، ولها القوانين الحاكمة لمن يمارسها، وعلى "البرنس" أن تتقدم باستقالتها لتمارس حظها في مجال الرقص، لاسيما وأنها تعتبر نفسها "فنانة شاملة" وأن رقصها "حلو" بعد حصولها على "كورسات" في إسبانيا وأمريكا، ولتجرب حظها في مهنة الرقص. ومن المؤكد أنها ستتحول إلى متسولة، لأن من سيوقفها عن العمل هى نقابة المهن الموسيقية لأنها لا تجيد الرقص فعلا، ولا تمتلك أية مواهب جمالية وإن ارتدت جلباب "نانسي عجرم"، واستدعت "طشتها"!

قال الشيخ الغزالي ساخرا ممن قال له إن عفريتا يركبني: "ولماذا لم تركبه أنت"؟! فبدلا من أن تلبس "منى البرنس" العفريت، فإذا بالعفريت يلبسها، وإذا كان الرقص الشرقي فنا، فإن منتج عملية "اللبس" كاشف عن حالة مرضية تستدعي العلاج.

سادسا: أن أزمة أستاذة الأدب الانجليزي أنها لا تعلم أن الرقص الشرقي كفن، موطنه مصر، وليس "إسبانيا" أو "أمريكا"، وبعض المصريين وبمنطق فهلوي بحث، أسسوا في الغرب مراكز لتعليم الرقص الشرقي ويبدو أن "البرنس" كانت ضحية لهؤلاء، فلأن المراكز التي تدربت فيها كانت في إسبانيا وأمريكا، وتتملكها "عقدة الخواجة"، فقد ظنت أنها تخرجت في السوربون، ومن المؤكد أنها وقعت ضحية هواة أفهموها أنها تجيد الرقص فعلا، فخرجت تقول أن رقصها "حلو" وأنها فنانة شاملة ومتنوعة!
ما علينا..

من يشاهد هذا التدافع دفاعا عن حق أستاذة الأدب الإنجليزي في الرقص، يظن أننا في بلد فيه حقوق الإنسان مصونة، وخال من المعتقلين السياسيين، ولا يوجد فيه من هو محروم من الحق في الحياة، وكأن السجون ليس فيها الآلاف من ضحايا الاستبداد والطغيان!

لقد نفروا خفافا وثقالا دفاعا عن حق "منى البرنس" في ممارسة مهنة لا تجيدها وهي "الرقص" في وقت سكتوا فيه على انتهاك أعراض النساء في السجون، وعلى تكميم الأفواه، وسجن المرضى والشيوخ! إنه نضال أوقات الفراغ، وجهاد نسوة اختلطت في أذهانهن المشوهة الأمور، فلم يعرفن الفارق بين الحرية والابتذال، وبين "الحب" و"الدعارة"، وبين "الرقص" و"الرعش"، فصاحبتهم ليست أكثر من "ملبوسة"!

وقد قال الشيخ الغزالي ساخرا ممن قال له إن عفريتا يركبني: "ولماذا لم تركبه أنت"؟! فبدلا من أن تلبس "منى البرنس" العفريت، فإذا بالعفريت يلبسها، وإذا كان الرقص الشرقي فنا، فإن منتج عملية "اللبس" كاشف عن حالة مرضية تستدعي العلاج، إما عن طريق طبيب نفسي أو عبر شيخ تخصص في إخراج الجان من الجسد الملبوس!

نتمنى أن نرى أدعياء الثقافة في مصر، في معارك الحرية الحقيقية، مع إدراكي أن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.