شعار قسم مدونات

إنت روخ تفتيش

blogs - معبر رفح
إني أراها! ها هي فلسطين! بعد طول غياب، وأحلام يقظة دامت سنوات، وشوق عارم ومشاعر مختلطة أنتظر أن أتعرف عليها وأعيشها حاضراً بعد أن كانت تلازمني أياماً طويلة، اقتربت لحظة اللقاء… وتتسارع ضربات القلب..
 
أمتارٌ قليلة تبعدني عن حبيبة قلبي وعن نسيمها المنتظر. ها أنا أنتظر دوري بشغف بين العشرات من البشر على معبر الكرامة الحدودي المكتظ بالمسافرين بين الأردن وفلسطين كالغريبة. سألتقي بها أخيراً.. أعانقها.. أُقبِّل تربها.. وأشمّ عبيرها.. وأستظل بسماءها. أحقاً تفصلني خطوات لأكون في ربوعها؟

جعلت أراقب من حولي عن كثب لعل أحدهم يجيب على تساؤلاتي الكثيرة لأجد وجوهاً شاحبة قد أهلكتها المشقة والطقس الحار. وها أنا أدرس كل زاوية وكل صوت أسمعه كي لا يفوتني شيء… مرتفع صوت الطفل الصغير ذاك الذي يسأل والدته "ايمتى حنروح عند تيتا وسيدو؟" ويعاود السؤال كل بضعة دقائق. وبين الفينة والفينة يعم الصمت بين الناس وتصبح نظرات العيون متأهبة تلاحق بعضها بعضاً وها هم أصحابها ينتظرون عبور المعبر بفارغ الصبر.

وقعت عيناي على أول جندية إسرائيلية أراها. إلتفت إليها وجعلت أراقبها وأراقب كل تصرفاتها. وكلما اقتربت منها ازددت غيظاً.

وهناك بجانبي أنا وعائلتي مجموعة كبيرة من الفلسطينيين الذين قد أتوا للتو من بعد انتهائهم من أداء مناسك العمرة وقد لفتت وجوههم الجميلة انتباهي لأنها ممتلئة بالحب والراحة والنور رغم مشقة السفر والصيام. إحدى المسافرات المعتمرات الكبيرات بالسن ترتعش تجاعيدها التي تخبئ العديد من القصص والذكريات من التعب وها أنا أتمعن تجاعيدها لعلها تروي لي بعضاً من الحكايات.

كم هي ملابسهم البيضاء جميلة الشكل ملفتة للانتباه تعكس نقاء قلوبهم وصفاء أرواحهم. سأستمع إلى أحاديثهم الجميلة المكللة بالأمل والصمود والتحدي. كم هي لهجتهم الفلاحية جميلة، يا ليتني أستطيع أن أتقنها، ربما يوماً ما أستطيع ممارستها بطلاقة.

ما زال الجميع ينتظر، وما زلت أنتظر معهم، ومازلت أجول بناظري هناك وهناك، وشدّتني تلك الصور المعلقة على الجدران؟ صور قيادات الاحتلال على أرضي؟ يعتزون بها ويفخرون بهذه النماذج من القتلة والمرتزقة الذي عاثوا في أرضنا الفساد، يرسخون مشروعهم الصهيوني على أرضي، ويبثون السم في عقول البشر ضمن محاولاتهم البائسة لتغيير هوية وطني ورموزه.

ها قد اقتربنا من تلك النافذة الصغيرة التي تطل علينا لتقديم أوراقنا للمحتل للسماح لنا بالدخول وكأنه صاحب الأرض ونحن الغرباء والزوار. وهنا وقعت عيناي على أول جندية إسرائيلية أراها. إلتفت إليها وجعلت أراقبها وأراقب كل تصرفاتها. وكلما اقتربت منها ازددت غيظاً وامتلأت كرها لها لسوء معاملتها معنا أصحاب الأرض.

شدّتني تلك الصور المعلقة على الجدران!صور قيادات الاحتلال على أرضي! يعتزون بها ويفخرون بهذه النماذج من القتلة والمرتزقة الذي عاثوا في أرضنا الفساد.

وإن كنت أتوقع ذلك من قتلة سرقوا واغتصبوا أرضاً ليست بأرضهم وهجّروا أصحابها، لكن الأمر كان فوق التوقع والتحمل. لم أستطع تمالك نفسي ووجدت عينايَ تعاقبها وتهاجمها من غير أن أدرك ذلك. ها قد جاء دورنا وهاهي تتحدث بعنجهية المحتل مع والدتي وتفحص أوراقنا، وإذ بها تشير بإصبعها اتجاهي، وبصيغة النداء للمذكر "أنتَ تعال هون".

أجابتها والدتي أن أوراقي معها ضمن باقي الأوراق ولكنها لم تكترث أو تهتم. تريدني أنا.. فتقدمت خطوتين ووضعت حقيبة السفر جانباً لأقترب من النافذة الصغيرة. وما أن اقتربت منها حتى تقول لي "لف" بعربيتها المكسرة (أي أن عليّ أن أستدير). لم أستوعب ما الذي تقوله لي في البداية ثم أدركت طلبها ودرت حول نفسي وإذ بالمنتظرين خلفي يراقبوننا بكل إستغراب.

نظرت لي مباشرةً وعيناها تعج بالشر والشرر وقالت لي بصوت مرتفع بكل صلفٍ وحقد وغضب "إنتَ روخ تفتيش!" فما كان مني إلا أن ابتسم في وجهها ابتسامة صفراوية زادتها غيظاً وحنقاً. لم أستطع أن أخفي مشاعري تجاهها، لكنني شعرت أنني بنظراتي انتصرت عليها وأعلنت لها أن هذه أرضي وأن المحتل سيرحل لا محالة.. وأننا عائدون عائدون. ولن تكون أرضي المقدسة لكم أبداً. وتم اقتيادي للتفتيش والتحقيق… بتهمة الرشق بالنظرات على المستعمر…

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.