شعار قسم مدونات

لدي حلم

blogs حلم

لدي حلم I have a Dream
ألقى مارتن لوثر كنغ الناشط الأمريكي الأسود خطبة تاريخية – صُنفت من أكثر الخطب تأثيرا في القرن الماضي – وذلك فوق منصة تذكار إبراهيم لنكولن في ٢٨ من أغسطس عام ١٩٦٣ م، في سبيل تنشيط همم وعقول بني جلدته ليتحرروا من سلك العبودية والإزداء الذي عانوا منه طوال عقود . 

ويعرف مارتن لوثر بأن هناك مشاكل كثيرة تواجههم في مسيرتهم، وحتى لا يزرع اليأس في قلوب وعقول المتطلعين إلى الحرية ولا يثبطهم عن العمل والجدَّ والاجتهاد وركوب الصعاب لنيل المطالب لم يقل لهم "أنا لدي مشكلة" بل قال بصوت جهوري وخطبة مفعمة بالحيوية والأمل ورؤية النجاح كأنها ماثلة أمامه "أنا لدي حلم ". ومما قاله في خطبته المشهورة، أمام ألاف من مناصري الحركة المدنية الأمريكية: عندي حلم بأن أطفالي الأربعة سيعيشون بين أمة ومجتمع لا يتعامل معهم بسبب لونهم، بل بقدر ما يحملون ويتقنون من أفكار وأعمال تفيد الأمة.

وقال لدي حلم بأن هذه الأمة ستنهض يوما من الأيام وتعترف بحقيقتها بأن الناس خلقوا سواسية.  وقال عندي حلم بأن كل وطاء يرتفع، وكل جبل وأكمة ينخفض، ويصير المعوج مستقيماً.  قلت: هذه همم الرجال العظام الذين لا يقنعون ولا يتوقفون عند صغار الأمور، كما قال المتنبي:

عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِمُ.. وَتأتي علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارمُ
وَتَعْظُمُ في عَينِ الصّغيرِ صغارُها.. وَتَصْغُرُ في عَين العَظيمِ العَظائِمُ


كل إنسان عنده أحلام يريد تحقيقها ولو كلفته كل ما يملك، فالطفل الصغير يحلم بحياة سعيدة بعد كبره، والطالب يحلم بالنجاح الباهر، والطبيب يحلم بذيوع سمعته والتقاطر على عيادته

وعندما يقول أنا لدي حلم ولا يقول لدي مشكلة، وهو يشاهد بأن المشاكل والمآسي تحيط به من كل مكان، لا يريد بأن يفتتح طريق نجاحه بسرد المشكلات، لأن التوقف عند ذكر المشاكل فقط من غير استحضار المستقبل والحذر من منعطفات الماضي، يفتح باب الفشل على مصراعيه، ويكون الإنسان حبيس نفسه بالماضي ولا يقدر تحقيق شيء. 

فيطالعنا التاريخ الإسلامي الغابر أن عددا من أهل الهمم العالية من شبان المسلمين أظهروا حلمهم وأمنياتهم العظيمة، ومنهم عبد الله بن الزبير وأخويه مصعب وعروة وعبد الملك بن مروان، فقال أحدهم ليتمنى كل منا على الله ما يُحب.

فقال عبد الله بن الزبير: أمنيتى أن أملك الحجاز وأنال الخلافة وقال أخوه مصعب: أما أنا فأتمنى أن أملك العراقين فلا ينازعني فيهما منازع. وأما عبد الملك بن مروان فقال: إذا كنتما تقنعان بذلك فأنا لا أقنع إلا بأن أملك الأرض كلها وأن أنال الخلافة بعد معاوية. وسكت عروة بن الزبير فلم يقل شيئا، فالتفتوا إليه وقالوا: وأنت ماذا تتمنى يا عروة؟ فقال بارك الله لكم فيما تمنيتم من أمر دنياكم، أما أنا فأتمنى أن أكون عالما عاملا يأخذ الناس عنى كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم وأحكام دينهم وأن أفوز في الآخرة برضى الله وأحظى بجنته. 

وبسبب هذه الهمة العالية وهذا التطلع اللامحدود يكون الإنسان قد جرًّ إلى نفسه المتاعب وأرهق جسمه بالأثقال. وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام. فكل إنسان عنده أحلام يريد تحقيقها ولو كلفته كل ما يملك، فالطفل الصغير يحلم بحياة سعيدة بعد كبره، والطالب يحلم بالنجاح الباهر، والطبيب يحلم بذيوع سمعته والتقاطر على عيادته، والوزير يحلم باستمرار منصبه، والرئيس يحلم بانتخابه مرات أخرى، ومعلم القرآن يحلم بازدياد عدد طلابه، وإمام المسجد يحلم بكثرة عدد مرتادي مسجده، والشيخ والداعية يحلم بأن يصبح ضيفا معززا ومكرما في الملتقيات العلمية والمؤتمرات الدعوية، أو يصبح الوجه الدائم على شاشات التلفزيون.  وتحلم الحركة الإسلامية بكل أطيافها وفسيفسائها بأن تجتاح الساحة ويشكل أتباعها السواد الأعظم من الأمة. 

 

لديَّ حلم بأن أرى الدعاة والعلماء الصوماليين قد تجاوزوا العقبات التي تحول بينهم وبين وحدتهم. ولديَّ حلم بأن أرى المراكز الإسلامية الصومالية في المهجر قد وثقت الصلة فيما بينها، ووضعت جانبا الخلافات الهامشية

وينبغي لكل واحد منا أن يحلم بما يشاء مادام يتحرك في الإطار المشروع والمعقول، وألا يربط حلمه وتطلعاته بإهدار حسنات وجهود الآخرين. 

وأنا لديَّ حلم، حلم بيني وبين ربِ العزة والجلال، أسأله تعالى بالتوفيق والسداد. وحلم آخر وهو أن أرى بلدي الصومال قد استعاد عافيته ومكانته بين الأمم. ولديَّ حلم بأن أري يوما من الأيام بأن كلمة الصَوْمَلة التي ترمز اليوم إلى التعاسة والبؤس وعدم الرشد والفوضى قد غادرت القاموس الإعلامي بدون رجعة. ولديَّ حلم بأن الشعب الصومالي سيتخلص من شؤم القبلية – التي قسمت بلاده إلى كنتونات طائفية – ويتحول إلى دولة المواطنة والمساواة.

ولديَّ حلم بأن أرى الدعاة والعلماء الصوماليين قد تجاوزوا العقبات التي تحول بينهم وبين وحدتهم. ولديَّ حلم بأن أرى المراكز الإسلامية الصومالية في المهجر قد وثقت الصلة فيما بينها، ووضعت جانبا الخلافات الهامشية.  ولديَّ حلم برؤية الدعاة الصومالين في كل مكان وهم يفرحون ويرحبون بكل من جاءهم من طلبة العلم من غير اعتبار لانتمائه الحركي أو الجهوي أو العرقي. ولديَّ حلم بأن الكفاءة ستحل محل الثقة في الوظائف العامة والخاصة. ولدي حلم بأننا سنحول مآسينا ومِحَنَنا إلى مِنَح ومَجد تليد. ولديَّ حلم بأن أبناء الشعب الصومالي سيتنافسون مع غيرهم في ميدان العلم والعمل والإنتاج وتقديم الخدمة النافعة للبشرية . وأخيرا أرجو بأن ينال هذا الحلم رضاكم .

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.