شعار قسم مدونات

رسالة من طالب إعلام إلى طلاب الطب والهندسة

مدونات - دراسة
هذه رسالة أوجهها إلى كل الطلبة وإلى معشر طلبة الطب والهندسة بشكل خاص.
وقبل أن أبدأ.. أريد أن أعتذر عن فظاظتي في عرض الكلمات القادمة التي قد يظنها بعضكم أنها موجهة بشكل مباشر لشخصه، لذلك أنوه أن فظاظتي تشتعل تجاه من أجبرني على كتابة هذه الكلمات بسبب قساوة كلماته الهازئة والمستخفة بطلبة الإعلام، أما باقي الطلبة فأريدكم أن تطَّلعوا على هذه الرسالة حتى تتجنبوا التفكير السلبي تجاهنا والفكرة التي لربما تطورت من صورة ذهنية إلى نمطية عن طالب الإعلام.

يؤسفني جدًا أن يكون الإعلام عند البعض هو تخصص الهروب من صعوبة التخصصات العلمية وأشباهها؛ لظن من هرب أن هذا التخصص سهل، واجتيازه بمعدل جيد لا يحتاج إلى جد واجتهاد.. وأنا أوافق على ذلك إذا كان الأمر مجرد شهادة ومعدل، و"لكن" -وأضع خطين باللون الأحمر تحت "لكن"- الإعلام ليس شهادة كالطب والهندسة، وليس كتابًا علميًا أحفظه لأسعف حالة مرضية، وليس مسألة حسابية أفك رموزها لأتمكن من وضع أساسات صحيحة لهذا المبنى الذي أريد أن أبنيه، وليس مجموعة من الأدوية أحفظها كي أصفها لمريض زكام أو صداع..

طالب الإعلام الطامح حتى يصل إلى مبتغاه من هذه المهنة لا بد أن يسلك ذلك الطريق الشاق الذي سلكه مَن قبله، وأبرز ما ينبغي عليه فعله القراءة المستمرة؛ حتى ينال أكبر قدر من الثقافة.

الإعلام ثقافة عامة تكبُرُ بها، هو علم السياسة والاقتصاد والاجتماع والتاريخ والجغرافيا، هو أن تحلل وتقابل وتكتب وتصوِّر، هو الفكرة، هو الضمير، هو أن تجازف بجسدك لتصل إلى الحقيقة، هو أن تتعرض للقتل أمام الكاميرا أثناء نقلك لخبر، هو أن تُسجن أو تُجرّم لأنك نطقت بما لم يرض البعض.. هذا هو الإعلام الحقيقي، الإعلام الذي لا يدرّس في الجامعات، ومن لم يدرسه لن يصبح إعلاميًا، فالجامعة لا تصنع إعلاميين. قد تكون الجامعة مثل الإسمنت بين اللبِنات، تساعد قليلا على تكوين هذا الرجل الإعلامي الطموح.
 

فلا تجعل أفكارك السطحية توهمك بأن تخصص الإعلام وحده هو من يخرج هؤلاء الإعلاميين، وأنا أؤكد لك أنهم شقّوا طريقًا أوعر من طريقك حتى وصلوا إلى ما هم عليه، أما هؤلاء الذين اقتحموا الإعلام لمجرد الحصول على شهادة، فأؤكد لك أنهم لن ينالوا غيرها، وسيعملون كما يعمل الأميون.

طالب الإعلام الطامح حتى يصل إلى مبتغاه من هذه المهنة لا بد أن يسلك ذلك الطريق الشاق الذي سلكه مَن قبله، وأبرز ما ينبغي عليه فعله القراءة المستمرة؛ حتى ينال أكبر قدر من الثقافة، فلا إعلامي بدون ثقافة، وأعرف من أهل هذه الصنعة من استغنى عن معظم "الطشّات" لبناء هذه الثقافة غير المحدودة، فما إن ينتهي من كتاب حتى يبدأ في آخر؛ فهو يخشى أن يسبقه أحد بعلمه وثقافته، فيتعطش لقراءة المزيد والمزيد.

وعلى الإعلامي أيضا أن يتقن الكتابة بمختلف أنواعها الصحفية والأدبية والقصصية وغيرها، فهو يريد أن يوظف تلك الثقافة بنقلها للجمهور عبر تلك الأشكال من الكتابة.

عندما يسألني أحدهم من أصدفائي الذين يدرسون الطب: "كيف الجامعة معك؟" وأجيبه "الحمد لله تمام"، يرد مستهزئا "والله لو أدخل كلية الإعلام ستجد اسمي على لوحة الشرف".. مع العلم أنه "راسب "بمعظم مواد تخصصه.

استحضرتني هنا قصة قصيرة لأحد الإعلاميين الناجحين كنت قد جلست معه خلال المرحلة الثانوية، وكان يريد أن ينقل لنا تجربته مع الإعلام، قال: الإعلام هو المهنة الوحيدة التي لا يحدها ساعات عمل محددة، فالدكتور ينتهي دوامه الساعة الرابعة مثلا بعد أن يجري عمليات جراحية، والمهندس ينهي دوامه الساعة الثالثة بعد أن ينتهى من الإشراف على الوضع الصحيح للطوب أثناء عملية البناء، بينما الإعلامي يرجع الساعة الرابعة إلى بيته ليقرأ الأخبار الجديدة ويبدأ بكتابة مادته لليوم التالي ويرسل بريدًا لهذا وآخر لذاك، ويستمر بالقراءة اليومية التي بدأها منذ صغره؛ يجب أن يستمر في بناء ثقافته حتى يهرم، فهو بذلك يكبر ويحمي نفسه من خيانة الكلمات أو غياب الثقافة عن جانب معين في إحدى الحوارات.

وأذكُر الكثير من المواقف مع أصدقائي الذين يدرسون الطب والهندسة؛ فعندما يسألني أحدهم "كيف الجامعة معك" وأجيبه "الحمد لله تمام"، يرد مستهزئا "والله لو أدخل كلية الإعلام ستجد اسمي على لوحة الشرف".. مع العلم أنه "راسب "بمعظم مواد تخصصه.. ولكنها أصبحت حُجة من لا حُجة له.

في نهاية رسالتي.. أنا لا أقلل من صعوبة تخصصيّ الطب والهندسة، ولكني أؤكد صعوبة الإعلام وأني أسعى لتغيير هذه "الصورة النمطية" عبر هذه الرسالة الهجومية التي كتبتها من غلٍ وثوْرةِ غضب على أصحاب هذه السطحية، ولأقول لهم: كفاكم تسخيفًا لطالب الإعلام.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.