شعار قسم مدونات

فشار فكري.. مع فيلم The Book of Eli

blogs - فيلم كتاب إيلاي
يدور فيلم الخيال الأمريكي The Book of Eli حول شخصية إيلاي الذي أخذ على عاتقه مهمة إيصال كتاب مجهول إلى مكان آمن في الساحل الغربي للولايات المتحدة، بعدما انهارت الحضارة البشرية وفقدت مكتسباتها، إثر حدث مرعب هائل، ربما انفجار نووي أو عقاب إلهي.. فصارت الأرض في حالة شبه ميتة..
 
يقول إيلاي عن الكتاب بأنه الوحيد الباقي من جميع نسخه، بعدما احترق جميع النسخ أو أبيد بيد أناس قالوا إن هذا الكتاب وأمثاله هو سبب الحروب والدمار.. ويقول إن صوتاً من داخله أرشده إلى مكان الكتاب، وأمره بأن يأخذه إلى المكان المقرر..

أثناء سيره نحو الغرب الأمريكي، يلتقي بشخصية كارنيجي الذي كان يحكم قرية متداعية، ويحلم في بناء المزيد من المدن والسيطرة على الناس، عن طريق استخدام هذا الكتاب، الذي يقول عنه بأنه يستطيع من خلاله أن يؤثر في الناس فيذعنوا له ويطيعوه، لأنه أكثر قدرة وفاعلية في إخضاع الناس من القوة والعنف والأسلحة!

يستطيع كارنيجي أن يحصل على الكتاب من إيلاي، لكنه يكتشف أنه مكتوب بلغة العميان برايل، فينهار كارنيجي وتنهار معه قريته وأحلامه! بينما يواصل إيلاي سيره دون الكتاب، وعندما يصل إلى المكان المقرر يُسمح له بالدخول عندما يعلن أن بحوزته نسخة إنجيل الملك جيمس.. ولكن.. يكتشفون أنه لا يحمل النسخة، بل يطلب من لومباردي القيّم على المكان أن يأتي بالأوراق والأقلام وأن يكتب..
يقوم إيلاي بإملاء الكتاب المقدس من ذاكرته!

المسيح عليه السلام كان قد حذر تلاميذه من الخروج إلى الأمم خارج حدود إسرائيل، قائلاً: لا تقصدوا أرضاً وثنية ولا تدخلوا مدينة سّامرية، بل اذهبوا إلى الخراف الضالة من بني إسرائيل. لكن بولس أراد لهم أن يخرجوا، ليختلطوا بالوثنيين.

يطرح هذا الفيلم مجموعة من القضايا الجوهرية..
القضية الأولى : كيف وجد إيلاي الكتاب المقدس الوحيد؟
يقول: إن صوتاً من داخله أمره أن يذهب إلى مكان الكتاب ويتجه به نحو الغرب الأمريكي.. وقصة الصوت هذه ليست جديدة، بل لها سوابق من أمثالها، وأخطرها كانت قصة سماع شاؤل بولس الرسول صوت المسيح على طريق دمشق.. هذا الصوت الذي كان حصان طروادة الذي تذرع به بولس ليحوّل ديانة المسيح عليه السلام من التوحيد إلى الوثنية.. ومع أن روايات قصة الصوت هذه مضطربة متضاربة.. وبينما هو يقترب من دمشق، سطع حوله بغتة نور من السماء، فوقع على الأرض، وسمع صوتاً يقول له: شاول، شاول، لماذا تضطهدني؟ فقال شاول: من أنت يا رب؟ فأجابه الصوت: أنا يسوع الذي أنت تضطهده… وأما رفاق شاول فوقفوا حائرين يسمعون الصوت ولا يشاهدون أحداً. أعمال (9: 3 ـ 7).

وبينما اقترب من دمشق، سطع فجأة حولي عند الظهر نور باهر من السماء، فوقعت إلى الأرض، وسمعت صوتاً يقول لي: شاول، شاول، لماذا تضطهدني؟ فأجبت: من أنت يا رب؟ قال: أنا يسوع الناصري الذي تضطهده. وكان الذين معي يرون النور ولا يسمعون صوت من يخاطبني. أعمال (22: 6 ـ 9).

فسافرت إلى دمشق وبيدي سلطة وتفويض من رؤساء الكهنة. وفي الطريق عند الظهر، رأيت أيها الملك نوراً من السماء أبهى من شعاع الشمس يسطع حولي وحول المسافرين معي، فوقعنا كلنا على الأرض، وسمعت صوتاً يقول لي بالعبرية: شاول، شاول! لماذا تضطهدني؟ أعمال (26: 12 ـ 14).

أقول: وعلى الرغم من أن هذه الروايات متضاربة، فقد أصبح بولس منذ ذلك اليوم مسيحياً، وفوق ذلك نصب نفسه رسولاً من رسل المسيح! 1، وخلق بينه وبين المسيح صلة مباشرة ما كانت للتلاميذ أنفسهم، ووضع نفسه في هالة قدسية على أنه الوحيد المؤتمن على المسيحية، يقول ولكل من يخالف التعليم الصحيح الذي يوافق البشارة التي ائتمنت عليها، بشارة الله المبارك، له المجد. تينوثاوس الأولى (1: 10 ـ 11). وصار يلعن كل من يخالفه فلو بشرناكم نحن أو بشركم ملاك من السماء ببشارة غير التي بشرناكم بها، فليكن ملعوناً. قلنا لكم قبلاً وأقول الآن: إذا بشركم أحد ببشارة غير التي قبلتموها منا، فاللعنة عليه. غلاطية (1: 8 ـ 9).

كما أن قصة الصوت هذه تتكرر في حالة أخرى مهمة.. وهي أن المسيح عليه السلام كان قد حذر تلاميذه من الخروج إلى الأمم خارج حدود إسرائيل، قائلاً: لا تقصدوا أرضاً وثنية ولا تدخلوا مدينة سّامرية، بل اذهبوا إلى الخراف الضالة من بني إسرائيل. متى (10: 5 ـ 6). لكن بولس أراد لهم أن يخرجوا، ليختلطوا بالوثنيين، وقد جعل لهم سلفاً إلهاً يشتركون به معهم عقيدة التثليث..

نجد قصة اعتناق الإمبراطور قسطنطين للنصرانية، حيث إن تنصّره كان لرؤيته صليباً في الهواء، أثناء تجهيزه لإحدى معاركه، وقال: لقد كنت عدة الرب التي اختارها، وقدر صلاحها لإنقاذ مشيئته. أنا أسقف نصبني الرب على جميع شؤون الكنيسة الخارجية.

وكان هذا الخروج للمسيحيين من أورشليم القدس سببه أيضاً صوت يحذرهم من الثورة، كما قال جون لوريمر في كتابه تاريخ الكنيسة: إن المسيحيين تركوا مدينة أورشليم، عندما بدأت ثورة اليهود، وأن صوتاً إلهياً حذرهم من أن الثورة ستبدأ وأنهم يجب أن يلجأوا إلى بيلا، ليحتموا فيها 2، وهكذا.. بحيلة الصوت.. أخرج بولس المسيحيين من القدس إلى الأمم الوثنية، كما جعل لهم المسيح إلهاً بسماعه صوتاً أيضاً.. فما أمكر العقل الذي يضرب عصفورين بحجر واحد!

ويمكن هنا إضافة قصة أخرى مشابهة لقصة الصوت، وهي قصة اعتناق الإمبراطور قسطنطين للنصرانية، حيث إن تنصّره كان لرؤيته صليباً في الهواء، أثناء تجهيزه لإحدى معاركه، وقال: لقد كنت عدة الرب التي اختارها، وقدر صلاحها لإنقاذ مشيئته. أنا أسقف نصبني الرب على جميع شؤون الكنيسة الخارجية 3.

والحقيقة أن تنصّره كان حركة سياسية لا قناعة دينية.. يقول ول ديورانت: ترى هل كان قسطنطين حين اعتنق المسيحية مخلصاً في عمله هذا؟ وهل أقدم عليه عن عقيدة دينية، أو هل كان ذلك العمل حركة بارعة أملتها عليه حكمته السياسية؟ أكبر الظن أن الرأي الأخير هو الصواب 4. ويقول آرنولد توينبي: لقد امتصت المسيحية أكثر مما دمرت.. وقد ترتب على انتشار المسيحية، أن تاريخ البشرية اتخذ منعطفاً جديداً 5.

__________________________________________
هامش:
1- أصبح من رسل المسيح، لكنه لم ير المسيح في حياته كلها! يقول كوستاف لوبون: ورسائل بولس هي كما يبدو أقل الوثائق عدم صحة في تمثيل أزمنة النصرانية الأولى، ولكن بولس إذ لم يعرف يسوع لم يستطع إن يتكلم عنه إلا سيراً مع العنعنات والخيال. ينظر: حياة الحقائق، ص62. ويقول الكاردينال دانيلو: ولما لم يكن ـ أي شاؤل ـ قد عرف المسيح في حياته فقد برز لشرعية رسالته بان أكد أن المسيح بعد قيامته قد ظهر له على طريق دمشق. ينظر: القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم، موريس بوكاي، ص73.
2- بيلا هي إحدى القرى الهلينية على طريق الأمم. المسيح الدجال "قراءة سياسية في أصول الديانات الكبرى"، سعيد أيوب، ص47.
3- المسيح الدجال، سعيد أيوب ، ص54. ينظر: قصة الحضارة، مج6، ص384.
4- قصة الحضارة، مج6، ص387.
5- تاريخ البشرية، ارنولد توينبي، ج1، ص378.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.