شعار قسم مدونات

لا تتزوج أجنبية

مدونات - زواج

قال محدثي: ولدت في بيئة قروية تعتمد على الرعي والزراعة، وترى الزواج المبكر من أولوياتها، لأن الأسرة تحتاج وتعتمد على سواعد أبنائها في إدارة الحياة، ولأجل ذلك تحافظ على تماسك الأُسَرة وتنميتها وزيادتها وتكثيرها، حتى يتسنى لها مواجهة الأخطار في المجتمع القروي، ولذلك كانت جدتي تحاول تزويجي في وقت مبكّر من حياتي، قبل أن أنهي الإعدادية، ولكن كنت أتطلع إلى مواصلة الدراسة حتى انتهي من الثانوية، ثم الجامعة، لأن الحياة في القرية لم يعد لها مكان لكثير من الشباب، ثم إن عددا من أقراني تزوجوا مبكرا، ولكن كثيراً من هذه الزيجات لم يكتب لها الاستمرار لظروف وأسباب كثيرة لا يتسع المجال لذكرها.
 

ولما لم تستطع جدتي الفاضلة إقناعي برأيها المغلف بالحب الجارف، ولمعرفتها الآثار المترتبة إذا ما اختار الشاب فتاة لا تتلاءم مع الأسرة وتقاليدها وعلاقتها الداخلية المبنية على السرية والصبر معا، وحل مشاكلها بدون تدخل خارجي، قالت لي: يا ولدي أخاف أن تأتيني "بأجنبية " تتأفف مني!! انتهي.
 

اختلف أنظار الناس وأفكارهم عند الاختيار والبحث عن شريكة الحياة، فمنهم من يرى بأن زواج الأقارب أفضل من الأباعد حتى قالوا "ابنة العم أرحم وأصبر".

قلت: الزواج بالأجنبية حديث ذو شجون، ولكل حكايته وتجربته الخاصة، ولكن ينبغي أولا أن نحرر بكلمة ( الأجنبي والأجنبية )، حتى يستقيم كلامنا.
قلت: تطلق الأجنبية ويراد منها إحدى ثلاث معانٍ:
– الأجنبية بالاصطلاح الشرعي: هي كل امرأة من غير محارمك ويجوز الزواج منها سواء كانت من أقرب الناس إليك كبنت العم وبنت العمة والخالة أم من غيرهم.
– الأجنبية بالعرف القبلي: وهي كل امرأة ليست من قبيلتك وعشيرتك القريبة أو البعيدة.
– الأجنبية بالقانون: وهي كل امرأة لا تحمل البطاقة أو الهوية الوطنية في البلد الذي تنتسب إليه وتحمل جنسيته.

والزواج عقد شرعي بين الرجل والمرأة، فإذا تحققت فيه الشروط وانتفت الموانع يصبح ساريا وصحيحا من دون اعتبار لكل التعريفات التي سبقت إشارتها. ويكتنف مسيرة الزواج كثير من المطبات والمشاكل، ويعتقد كثير من الناس بأنه حظ ونصيب، وصاحبه كَحاطب ليل، يمكن أن تصل يده إلى شجرة العود، التي يفوح منها نسيم الربيع، وتعطر كل من اقترب منها، ويصل عرفها إلى كل شخص، فتورث سعادة وهناء، ويحمد عقباها.

وإما أن تمتد يده إلى أفعى تحمل في أحشائها سما زعافا، تزكم الأنوف، وتقتل الأنفس، وتأكل صاحبها قبل غيره، فلا تبقي أهلا، ولا تبني مجدا، قربها مرض، وبُعْدها همّ وحزن، فصاحبها لا يقر له قرار، ولا يهنأ له معاش، يأنس إلى العزلة، ويأنف عن الألفة، يكثر البعد عن الدار، ويطيل المكث في النادي، وكأن لسان حاله يقول: أُطَوِّف مَا أُطَوِّفُ ثُمَّ آوِي إلَى بَيتٍ قَعِيدَتُهُ لَكَاعِ.

فلسفة الإسلام في الزواج لا تقتصر فقط في قضاء الوطر وإشباع الغريزة الفطرية بل تتعداه إلى أعظم من ذلك من تكثير النسل وتعمير الأرض لإيجاد جيل صالح يملأ الأرض إيمانا وإسلاما، لذا اعتبر واشترط وعلق النجاح والديمومة والعيش الهادي في الزواج المبني على الديانة والخلق السوي، وما عدا ذلك فمآله إلى الأسى والحزن وضياع الأولاد والتشتت.
 

وتختلف أنظار الناس وأفكارهم عند الاختيار والبحث عن شريكة الحياة، فمنهم من يرى بأن زواج الأقارب أفضل من الأباعد حتى قالوا "ابنة العم أرحم واصبر"، ولأن حل المشاكل بين الأقرباء أسهل، ثم إن صلة الرحم تتقوى أكثر كلما كثر التزاوج بين الأقرباء.

في الغرب تزوج كثير من المسلمين العرب والأفارقة بمثيلاتهم من المسلمين من شبه القارة الهندية أو الأوروبيات المسلمات وغير المسلمات من أهل الكتاب، فغالبية هذه الزيجات انتهت بالطلاق أو الفشل وضياع الأطفال!

ومنهم من يري أن الزواج من الأقارب يكتنفه كثير من المتاعب والمشاكل، خاصة إذا لم يحالفه التوافق بين الزوجين، فيكون سببا للتدابر والتقاطع بين الأهل إذا ما ناصر كل طرف أحد الزوجين، وأن الأقارب عقارب، ولأجل البعد عن هذه المشاكل يحبذون الزواج من الأجنبية -على مفهومها القبلية والقانونية-، استنادا بالمقولة الشائعة بين الناس بأن "ابنة الغريب أنجب".

قلت: وأيا كان الأمر، فنجاح الحياة الزوجية لا تتعلق بكون أحدهما قريبا أو أجنبيا، بل يعود إلى التفاهم والاحترام المتبادل بين الشريكين ومواجهة الحياة بحقيقتها مع الصبر والتحمل، فقد ينجح الزواج من الأجنبية ويفشل من القريبة وكذا العكس صحيح.

وفي الغرب تزوج كثير من المسلمين العرب والأفارقة بمثيلاتهم من المسلمين من شبه القارة الهندية أو الأوروبيات المسلمات وغير المسلمات من أهل الكتاب، فغالبية هذه الزيجات انتهت بالطلاق أو الفشل وضياع الأطفال، حيث اختلاف الموروث الثقافي العشائري والقبلي أو البيئي والتقليدي، أو هيمنة الدور الذكوري الطاغي على طبائع الشرقيين، أو وجهات النظر المختلفة في التعامل مع الأطفال وتربيتهم، أو عدم الجدية في الزواج بل اعتباره محطة التنفيس الجسدي العابر، أو الزواج من أجل حصول الأوراق الرسمية في البلد، وغير ذلك من الأسباب أصبح الزواج بالأجنبي من المشاكل التي تؤرق الجالية المسلمة في الغرب.

وأخيرا، يحتاج هذا الموضوع إلى كثير من البحث والنقاش بين المجتمع كله، وإبراز محاسنه ومفاسده، حتى لا يبقى ضحية لأفكار وحكايات وأساطير ليس لها سند صحيح.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.