شعار قسم مدونات

الثقافة ولغة الشارع

blogs - مكتبة وقراء
لقد ثبتَ لنا خلال الأعوام الماضية أنّ ثمّة فجوةً عميقةً تفصل بين مجموعات المُثقّفين _إنْ صحَّ التعبير_ وبين عامّة الناس، كما أظهرَتِ الأحداث أنّ تأثير هذه المجموعات لا يتعدّى الأوساط الثقافيّة، ويكادُ يكونُ مَعدُومًا في بيئات الشعب المختلفة، وكأنَّنا أمامَ عالَميْن مُنفصلَيْن لا يجمع بينهما سوى الجغرافيا المكانيّة.

هذه الفجوة آخِذةٌ في التوسّع معَ الزمن، وتدهور الأوضاع التعليميّة والمعيشيّة، وانشغال جلّ المجتمعات العربيّة بتأمين الخُبز، في زَمَنٍ بدأَتْ فيه الطبقة الوُسطى بالانزلاق إلى حافّة الفقر؛ ما يستدعي وقفةً تأمُّليّة في الحالة الثقافيّة العامّة ومُستقبلها.

وبتأمُّل المرحلة السابقة بكلّ تعقيداتها وصراعاتها، فإنّ مِن الواضح أنّ مَن خَرَجَ منها مُنتصِرًا هو مَن امتلَكَ لُغة التأثير في الشارع، وهو مَن استطاع الوصول للناس بادِّعائه أنّه مِنهم ولهم _حتّى وإنْ كانَ كاذبًا_، وهو مَن استطاع تحريك مشاعرهم وفَهْم نفسيَّتهم التي تغلُب عليها العاطفة، وهو مَن امتلكَ أدواتِ اللغة البسيطةَ السهلةَ، وطبعًا المنصّات التي يبثّ مِن خلالها أفكاره وآراءه.

ليست هذه دعوةً لتسطيح الفكر أو مجاراةِ السخف لا سَمَحَ الله، بل إنّها دعوةٌ لتقديم فِكْرٍ عميق في قالَب مُبسّط، يفهَمُه عامّة الناس، ماذا سيُضيف النصّ إنْ لم يُقرَأْ؟! وما فائدة الفكرة إنْ لم تصِلْ ولم يكُنْ لها تأثير؟!

نَمُرُّ بمرحلة صعبة مِن الضياع قد يعقُبُها قَفزةٌ فكريّةٌ وثقافيّة إنِ استطعْنا الوُصول لأكبر عددٍ مِن الناس، وإذا امتلَكْنا أدواتِ التأثير اللازمة، مرحلة تستلزم علينا الكتابة للناس، للمُوظَّف والعامل ورَبِّةِ البيت، التي يتعدّى تأثيرُها الفرد ليشمل أجيالًا بأكملها،

علينا أنْ نُوجّهَ كلّ طاقاتنا نَحْوَ تثقيف الفرد والمجتمع، فكلّ فرْدٍ فيه هو هدفنا وإلّا فإنّنا لنْ نخرُجَ أبدًا مِن دائرة الجهل التي نمكُثُ فيها منذ عقُود والتي باتَتْ تُشكِّلُ خطرًا على وُجُودنا ومُستقبَلنا.

يقول علي الوردي: "المرأة في الواقع هي المدرسة الأولى التي تتكون فيها شخصية الإنسان، والمجتمع الذي يترك أطفاله في أحضان امرأة جاهلة لا يمكنه أن ينتظر من أفراده خدمة صحيحة أو نظراً سديدا".

أما الأطفال فيجب أن تتوجه كل الإمكانات نحوهم، يجب أن نُحفزّهم على القراءة بتقديم المفيد السهل الجذّاب، آخذين بعين الاعتبار الثورة التكنولوجية التي وإن كان لها إيجابياتها، إلا أنه لا يمكن إنكار دورها في عزوف الأطفال والمراهقين عن اللغة العربية والاتجاه للغة الإنجليزية.

لهؤلاء يجبُ أنْ نكتُبَ، يجبُ أنْ نلمَس احتياجاتِهم، وأنْ نجدَ مدخلًا لجَذْبِهم لعوالِمِ الفكر والثقافة، يجبُ أنْ نستغلَّ الثورة التكنولوجيّة التي أتاحَتْ منصّاتٍ جديدةً للتأثير لم تكُنْ مُتواجدة سابقًا، وبالتأكيد يجبُ ألّا نترُكَ هذه المساحاتِ خاليةً ليملأها السطحيّون أو المتطرّفون.

يجبُ أنْ نستقطِبَ كلّ فئات المجتمع لعالَم جديد، وذلك بتشجيعهم على التفكُّر والتثقُّف والخروج مِن دائرة الفِكر الواحد؛ بهدف تطوير حياتِهم والنهوض بها.

على المُثقّف أنْ يعِيَ أنّ فِكرته لا تُساوي شيئًا إنْ لم تُؤثِّر وتُغيِّر وتُطوِّر إلى الأفضل، عليه أنْ يتوقَّفَ عن الصعود على منصّات ليخطب في كَراسٍ فارغةٍ إلّا مِن أصدقائه وزملائه الذين هم ليسوا بحاجة لخطبته، عليْنا جميعًا أنْ نُعيدَ تعريف الأدب والفِكر والفنّ، وأنْ نُوجّهَ كلّ طاقاتنا نَحْوَ تثقيف الفرد والمجتمع، فكلّ فرْدٍ فيه هو هدفنا وإلّا فإنّنا لنْ نخرُجَ أبدًا مِن دائرة الجهل التي نمكُثُ فيها منذ عقُود والتي باتَتْ تُشكِّلُ خطرًا على وُجُودنا ومُستقبَلنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.