شعار قسم مدونات

وثيقة حماس.. ثبات رغم اهتزاز الصورة

blogs وثيقة حماس
ثلاثون عاما مضت على تأسيس حركة المقاومة الإسلامية حماس في فلسطين خاضت خلالها الحركة عديد التجارب السياسية والعسكرية والنضالية جعلت منها حركة ذات وزن ثقيل في الساحة الفلسطينية الأمر الذي جعل منها تباعا حركة تشكل ثقلا لدى الرأي العام العربي والدولي أيضا.

بداية حماس كانت كحركة اجتماعية فلسطينية تعنى بالتربية والإصلاح وتهتم بالعمل الخيري عن طريق المساجد والجمعيات والمؤسسات ذات الصبغة الإسلامية، نشطت بعد ذلك في المجال الطلابي عقب تأسيس الجامعة الإسلامية التي تبعها تأسيس الذراع الطلابي للحركة باسم الكتلة الإسلامية عام 1978م، في حين بدأت الحركة نشاطها العسكري العلني مع تفجر الإنتفاضة الفلسطينية الأولى في ديسمبر من العام 1987م وما تلاها من سنوات الإنتفاضة بتنفيذ عدد من العمليات الفدائية المتفاوتة من محاولات الكر والفر إلى خطف الجنود.

مما زاد الطين بلة هو تسريب -وصفته حماس بأنه عمل غير مهني- لمسودة أولية عن الوثيقة النهائية للحركة، ما أسفر عن ورود وانتشار بضع شبهات أظهر صدور الوثيقة النهائية افتقار هذه الشبهات للموضوعية أو افتقارها للمصداقية بالمجمل.

النشاط الاجتماعي والسياسي والطلابي والنقابي والمؤسساتي والبلدي وحتى الحكومي بعد العام 2006م وفوزها في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني، بالإضافة للعلاقات الدولية والأذرع الممتدة في المحيط أعطى حماس هيبة إجبارية فُرضَت على كل من أراد أن يتحكم بقرار الشعب الفلسطيني أو أن يحدد مصيره، كما إن نجاح الحركة متلحفة بحاضنتها الشعبية الفلسطينية من الدفاع عن أرض غزة في ثلاث مناسبات قاسية بالإضافة لحسم حماس معركة التفاوض مع الاحتلال في صفقة شاليط وإشعار الشعب الفلسطيني بالفرق الشاسع بين مفاوضات القوة ومفاوضات العبث والتنازل جعل من حركة حماس رقما صعبا في معادلة الشرق الأوسط وتحديدا في قضيته المركزية وهي قضية فلسطين.

كل ذلك الذي سبق حري بأن يدفع حماس إلى تجديد ميثاق التأسيس المترهل والمتآكل والغير رسمي حتى، والذي لا يليق بحركة وطنية فلسطينية لها وزنها السياسي فلسطينيا وعربيا وربما دوليا، فكان بالفعل القرار بوضع وثيقة سياسية بصيغة توافقية تحافظ فيها على مبادئ التأسيس وثوابت الشعب وتسمح لها بتقديم نفسها للعالم بصورتها الحقيقية لا بالصورة التي يرسمها اللوبي الصهيوني العالمي عنها، أي أن حماس ستتمكن من أن تصنف نفسها بنفسها مغلقة كل الأبواب أمام محاولات زجها في خانات ليست منها ولا فيها مثل محاولة إسرائيل الأخيرة للمساواة بين حماس وداعش.

يأتي هذا في ظروف فلسطينية هشة سياسيا تنعدم فيها ثقة الشارع في الفصائل الفلسطينية ولا يأمن فيها المواطن الفلسطيني أن تتم المتاجرة بقضيته مجددا، فآخر وثيقة وطنية فلسطينية تم إقرارها قبل وثيقة حماس كانت الميثاق الوطني الفلسطيني لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي تم اعتماد التعديل الثاني عليه عام 1998م بعد تعديله الأول الذي جرى عام 1968م لتغيير العنوان وبنود أخرى من صيغة القومية العربية إلى الوطنية الفلسطينية. المفارقة بين إقرار ميثاق حماس بعد حوالي 30 عاما من تأسيسها وتعديل ميثاق المنظمة بعد حوالي 30 سنة من اعتماده الأخير كانت أن تعديل الميثاق قد جرى بحضور الرئيس الأمريكي آنذاك "بيل كلينتون" وجاء التعديل بهدف تمرير اتفاقية أوسلو التي تتعارض كليا مع الميثاق القديم، وإنهاء حقبة الثورة الفلسطينية المسلحة واستبدالها بمسلسل التنازلات الذي يستمر حتى اليوم.

أبرز تعديلات الميثاق كانت حذف 10 بنود مهمة شكلت نقطة التحول في مسار المنظمة كان أهمها حذف البند التاسع الذي تحدث عن الكفاح المسلح كوسيلة لتحرير فلسطين والبند الثلاثون الذي اعتبر حملة السلاح هم نواة الجيش الشعبي لتحرير فلسطين وحذف البندين الثاني والثالث بعد العشرين اللذان يعرفان الحركة الصهيونية على أنها حركة استعمارية استيطانية غير شرعية بالإضافة لحذف البند السادس الذي يقر بمواطنة اليهود الذين عاشوا في فلسطين قبل الغزو (فقط) وأخيرا حذف البند العشرون الذي يعتبر وعد بلفور وصك الانتداب وما بني عليهما باطلا.

إن مثل هذه السوابق أدت لاهتزاز الصورة كليا حين إعلان حماس عن نيتها عرض وثيقة سياسية خاصة بها فبدت صورة هذا الحدث مشوشة قليلا بعد أن أعملت فيها الشائعات والتحليلات والتكهنات ما أعملت، ومما زاد الطين بلة هو تسريب -وصفته حماس بأنه عمل غير مهني- لمسودة أولية عن الوثيقة النهائية للحركة، ما أسفر عن ورود وانتشار بضع شبهات أظهر صدور الوثيقة النهائية افتقار هذه الشبهات للموضوعية أو افتقارها للمصداقية بالمجمل.

أبرز الشبهات التي تعرضت لها وثيقة حماس هي تلك التي تتحدث أن الحركة ترغب بتقديم تنازلات للاحتلال أو للغرب لتنال الرضا الدولي على حساب ثوابت الشعب الفلسطيني على غرار منظمة التحرير وما فعلته بميثاقها، فكان التخوف من قبول حماس بحل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967م أو بكلمات أخرى يمكن أن نقول إن شبهة البند العشرين قد ظهرت.

شبهة طرح حماس لنفسها كبديل عن منظمة التحرير فقد جاء الرد عليها صريحا في البند التاسع والعشرون الذي وضح موقف حماس من المنظمة باعتبارها مجرد إطار وطني فلسطيني يجب المحافظة عليه مع أهمية اشتماله على كافة فصائل ومكونات الشعب الفلسطيني بتمثيل حقيقي.

الغريب حقا أن حل الدولتين المذكور في الوثيقة هو نفس الحد الأدنى المتعارف عليه عند سياسيي حماس وعلى رأسهم الشيخ ياسين لما تحدث به قبل سنوات من استشهاده وهو إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس على حدود 1967م مع عدم الاعتراف "بإسرائيل" ولا بأحقية استيطانهم لفلسطين. ولعل كل فلسطيني يعرف أبعاد "كمال السيادة" على صعيد حرية امتلاك السلاح ومشروعية الإعداد للمقاومة، ويعرف كذلك أبعاد "عدم الاعتراف" بالحفاظ على حقوق الأرض -بحدودها- والإنسان الفلسطيني -بعودته-.

من جهة أخرى فإن الإمعان في النظر تجاه الجزء المهزوز من الصورة والمشوه إعلاميا دون العودة لبقية الصورة لتفسير هذا الجزء يعد ضربا من التحامل واللاموضوعية في النقد، فالواقع يقول إن أي دولة فلسطينية تأتي ضمن حل الدولتين ويختل فيها أي من شروط الحفاظ على الأرض والإنسان الفلسطيني فإنها تتعارض تلقائيا مع البند الثاني الذي يحدد دولة فلسطين، وتتعارض مع البند الرابع الذي يحدد المواطن الذي يملك الحق بين هذه الحدود، وكذا البند الثاني عشر الذي يذكر نصا عودة اللاجئين لأراضيهم المحتلة عام 1948م والبند الثالث عشر الذي يرفض كل حل بديل عن العودة، كما يتعارض مع البند التاسع عشر في عدم شرعنة أي صورة من صور الكيان الصهيوني كما البند الثاني والعشرين الذي يرفض أي تسوية تصفي القضية الفلسطينية وتنعى بإنهاء الصراع قبل التحرير.

أما عن شبهة طرح حماس لنفسها كبديل عن منظمة التحرير فقد جاء الرد عليها صريحا في البند التاسع والعشرون الذي وضح موقف حماس من المنظمة باعتبارها مجرد إطار وطني فلسطيني يجب المحافظة عليه مع أهمية اشتماله على كافة فصائل ومكونات الشعب الفلسطيني بتمثيل حقيقي، دون التطرق للإقرار بأن هذا الجسم هو الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين ذلك لأنه في حقيقة الأمر لا يمثل خاصة بميثاقه الحالي إلا الفصائل المندرجة تحته أو المستفيدة من مخصصاته.

بالتالي يمكن الإجمال بأن وثيقة حماس جاءت لتحافظ على حقوق وثوابت الشعب الفلسطيني ولتأكيد تمسك حماس بهذه الحقوق والثوابت الوطنية وتأكيد انتمائها للشعب الفلسطيني وحده والمحافظة على العمق العربي والإسلامي والدولي بما يضمن مصالح القضية الفلسطينية دون الانجرار نحو متاهات تحرف البوصلة عن فلسطين وفلسطين وحدها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.