شعار قسم مدونات

واحد أنت أم اثنان؟

Blogs - توأم

لم تكن الأمريكية "ليديا فيرشايلد" تعلم بأن لجوءها للقضاء للمطالبة بحق أبناءها الثلاثة في النفقة بعد انفصالها عن زوجها، سيعود عليها بحكم طبي ينفي نسب أطفالها إليها!

 

تعود القصة لعام 2002 عندنا انفصلت الزوجة والأم لثلاثة أطفال والحامل في طفلها الرابع عن زوجها، فتوجهت للمحكمة المختصة لمطالبة طليقها بحقها وحق أبنائها في النفقات المادية، لتطلب منها المحكمة الخضوع لبعض تحاليل الحمض النووي الروتينية لإثبات نسب الأطفال لهما، لتأتي نتائج التحاليل مؤكدة انتفاء نسب الأطفال الثلاثة لأمهم صاحبة القضية.

 

وما زاد الموقف تعقيدًا هو تأكيد سجلات المستشفى التي تمت فيها الولادات الثلاث لدخول هذه السيدة للولادة في تواريخ ميلاد الأطفال بالفعل، فقررت المحكمة تعيين فريق مختص لمتابعة سير عملية ولادة الطفل الرابع وإجراء تحاليل الحمض النووي ذاتها للتعرف على نسبه، لتظهر النتائج مؤكدة أن "ليديا" ليست أمّ الطفل المولود من رحمها منذ سويعات!

 

وهنا بدأت رحلة من فحوصات الحمض النووي لخلايا متعددة في جسد "ليديا" في محاولة لإيجاد تفسير لهذه الحالة الطبية غير المفهومة، فأُخذت عينات متباينة من خلايا جلدها، شعرها، وبعض الغدد والتي انتهت جميعها لنفس النتائج الغريبة السابقة، حتى جاءت عينة واحدة من عنق الرحم بنتيجة مختلفة، جاءت لتثبت أن "ليديا" عبارة عن أثنين في واحد، أو "كيميرا".

 

"الكيميرا" هو مخلوق شهير في الأساطير اليونانية القديمة، مكوّن من ثلاثة حيوانات، رأس أسد وجسم ماعز وذيل حية.. و"الكيميرا" أيضًا هي حالة طبية، تحدث في النبات والحيوان والإنسان.

 

يحدث في الحالات الطبيعية في البشر، أن ينطلق من مبيض الأنثى بتطلع بويضة واحدة كل شهر ليتم تخصيبها بحيوان منوي واحد من ضمن ملايين الحيوانات المنوية التي ينتجها الذكر، يتم التخصيب ويتكون جنين، يمتلك هذا الجنين حمضه النووي "المادة الوراثية" الخاص به والمتشكّل باجتماع نصف المادة الوراثية التي تحملها البويضة ونصف المادة الوراثية التي يحملها الحيوان المنوي.

 

وفي بعض الأحيان يُنتج مبيض الأنثى بويضيتان في شهر واحد، وبذات الطريقة يتم تخصيبهما بحيوانين منويين ضمن ملايين الحيوانات المنوية التي ينتجها الذكر، فيتكون أثنان من الأجنة المبكرة ولنموهما عدة احتمالات:

يقول الأطباء إن مرة من كل ثمان مرات حمل تبدأ كحمل متعدد.. أي بدأ بأكثر من جنين مبكر واحد، قد تكون أنت في حد ذاتك شخص ناتج عن اندماج خلايا جنينين دون أن تعلم ولن تعلم يومًا إن لم تضطرك الظروف للخضوع لاختبارات الكشف عن الحمض النووي

الاحتمال الأول هو أن يستمرا في النمو كجنينين منفصلين تمامًا ليصبحا أخين توأم غير متطابقين، أما الاحتمال الثاني فهو أن يتم امتصاص خلايا أحدمها عن طريق رحم الأم فيختفي تمامًا قبل أن تعلم الأم بوجوده أصلًا أو تشعر بأية أعراض مرضية أو غير طبيعية فيما يعرف بمتلازمة التوأم المتلاشي.

 

أما الاحتمال الثالث فهو أن يندمج  الجنينين معًا ،يلتحمان ليصبحا جنينًا واحدًا يسمى بالـ(كيميرا)، لتبدأ خلاياه في النمو والانقسام  والتشكل .. وهي الخلايا المكونة من اندماج خلايا جنينين اثنين يحملان تركيبين متباينين من الحمض النووي، فقد تحمل خلايا الشعر تركيب الحمض النووي الخاص بجنين و تحمل خلايا الكبد تركيب الحمض النووي الخاص بالجنين الآخر، و قد يتشكّل دمه من فصيلتين مختلفتين في ذات الوقت.

يقول الأطباء إن مرة من كل ثمان مرات حمل تبدأ كحمل متعدد.. أي بدأ بأكثر من جنين مبكر واحد،
قد تكون أنت في حد ذاتك شخص ناتج عن اندماج خلايا جنينين دون أن تعلم ولن تعلم يومًا إن لم تضطرك الظروف للخضوع لاختبارات الكشف عن الحمض النووي، وحتى ما إذا حدث وخضعت لاختبار حمض نووي لأي أسباب فإنك لن تعلم بحقيقة الأمر إلا بفحص عينات متعددة من خلايا جسدك حتى يتم العثور على خليتين متباينتين في تركيب الحمض النووي.

 

لا تتسبب ظاهرة الكايميرا في ارتباك نتائج قضايا إثبات أو نفي الأبوة والبنوة وحسب وإنما قد تتسبب أيضًا في مشاكل طبية خطيرة.. ففي عام 2003 سُجلت حالة انحلال دم حاد بعد نقل كيس من الدم لمريض يبلغ من العمر 61 عامًا عقب خضوعه لعملية جراحية معقدة.

 

وهو رد فعل معروف في المجال الطبي، يقع عندما تختلف فصيلة دم المتبرع عن فصيلة دم المريض المُستقبل فتقوم خلايا مناعة المستقبل للدماء بمهاجمة خلايا دماء المتبرع وتكسيرها.

 

أما في حالة هذا المريض فقد ظهرت أعراض انحلال الدم الحاد بعد نقل الدم رغم تطابق فصيلة دم المريض مع دم المتبرع، وذلك حسب التحاليل التي أجريت قبل نقل الدم وحسبما اعتقده الأطباء. ولكن عندما اضطر الأطباء لإعادة الفحوص مرة أخرى وبشكل أكثر دقة اتضح أن المتبرع عبارة عن كايميرا.. يحمل فصيلتين دم مختلفتين  O بنسبة 95% وB بنسبة 5%  و هذه النسبة الصغيرة للفصيلة B  هي التي لم تكن مطابقة مع فصيلة دم المريض وسببت رد الفعل السابق.

 

عيوب تخليق القلب والجهاز العصبي، وعدم التماثل الموجود في وجوهنا وفتحتي الأنف وأنصاف أجسادنا غير المتطابقة؟ وهل يمكن اعتبار المصاب بهذه الحالة روحًا واحدة كما تم اعتباره جسدًا واحدًا؟

وتحكي بعض النظريات الطبية أنه قد تحتوي أعضاء بعض المتبرعين بالأعضاء على بقايا مِن مَن كانوا توائمهم داخل الرحم و قبل حدوث الإندماج وتكوين الجنين الواحد، ورغم عمل اختبارات التوافق اللازمة قبل العمليات الجراحية عن طريق أخذ عينات من جسد الشخص المتبرع بالعضو وعينات من خلايا الشخص المستقبل للعضو إلا أنه قد يصدف أن تكون هذه العينات من نوع واحد من نوعي الخلايا المكونَين للجسد، بالتالي لا يظهر خلال الفحوصات وجود خلايا أخرى والتي قد تكون غير متوافقة مع جسد المريض المستقبل للعضو.

ويُعتقد ان يكون هذا هو سبب فشل كثير من حالات نقل الأعضاء حيث تتعرف أجهزة المناعة في أجساد المستقبلين على الخلايا الغير مطابقة في أعضاء المتبرعين فيتم مهاجمتها ورفضها، مما يؤدي لتدهور حالة العضو المنقول وتهديد حياة المريض.

 

والأعجب، إذا ما قمنا بتخيل وجود أشخاص على قيد الحياة يحملون ضمن أجسادهم خلايا توائمهم الغير مطابقين، حينها ستتعرف أجهزة المناعة على هذا الخلايا المختلفة وتقوم بمهاجمتها.. وقد يكون ذلك تفسيرًا لأمراض المناعة الذاتية – كمرض الذئبة الحمراء وروماتويد المفاصل ووهن العضلات – والتي تقوم فيها خلايا المناعة بمهاجمة بعض أعضاء صاحبها، والتي لا يوجد لها تفسير معروف حتى هذه اللحظة في المجال الطبي.

 

على الرغم من تسجيل مائة (100) حالة فقط للكايميرا في تاريخ الطب البشري بالكامل، إلا أنه وحسب دراسة دانماركية فإن أكثر من ثلث البشر (33%) عبارة عن كايميرا، وبشكل عام فإن وجود حالة كايميرا واحدة فقط كافية لفتح باب التساؤلات الطبية والفلسفية.

 

هل يمكن أن تكون الكايميرا هي سبب وجود عيوب خلقية وشكلية في أعضاء بعض المرضى؟ عيوب تخليق القلب والجهاز العصبي، وعدم التماثل الموجود في وجوهنا وفتحتي الأنف وأنصاف أجسادنا غير المتطابقة؟ وهل يمكن اعتبار المصاب بهذه الحالة روحًا واحدة كما تم اعتباره جسدًا واحدًا؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.