شعار قسم مدونات

أركان الثورة

blogs ثورة

بدأتْ شرارةُ ثورتِنا بصيحاتِهم التي رفعوها للسماء بلا خوفٍ أو جبنٍ ولا عناء، لم يبالوا بالقصصِ الحزينة  التي حدثت بالمعتقلاتِ الأليمة بل أصروا وانتهجوا نهجاً قويماً، نقلوا أصواتَنا أنصتوا لآهاتِنا أسمَّعوا صيحاتِنا للعالمِ بأسرِه، حاكوا المنطقةَ بالأخرى بخيوطِ أخبارِهم، واجتمعتِ الناسُ على كلماتِهم، اعتدنا على بشائرِهم في كل انتصارٍ وتعريض أرواحهم للهلاكِ عند كل حصارٍ صرخاتُهم التي كانوا يطلِّقونها عندَ كلِّ خسارةٍ وتراجعٍ خشيةَ الوهنِ والضعف.

دماءُ أهلهم وذويهم التي سالت لا يبغون بها شهرةً ولا تشريف بل صبرٌ واصطبار واحتسابٌ عند رب الأرباب، أحزانهم آلامهم التي كانوا يدارونها خلف العدسةِ ووراء المذياع، يخفونها بعيداً جداً في زوايا أفئدتهم التي فاضت بالوحشةِ والغربةِ واللا أمان، ليظهروا لنا مُسرفين بالتفاؤل مُكثرين من الآمال بكل مهنيةٍ واحتراف، ليثبتوا للعالمِ أجمع بأنهم الدارسون في أكاديمية الثورة حيث الإبداع والعطاء والمثاليةُ بالإقدامِ والثبات.

كلُّ ذلك كان كافٍ ليكونوا رموزاً وأركان لثورة الشام فقد استعملهم الله وأحسنوا الصنيع نراهم الآن أحدُهم مصابٌ والآخر جريح وثانيهما خلف القُضبان سجين. السؤال الذي يطرح لماذا يريدون قتل رموزنا؟ …لماذا يُلفقون التُّهم ويكتمون الأصوات وينتزعون الحناجر ويبكمون الأفواه؟ أويظن الظالمون الحاقدون أن صوت الحق يُصفد؟! أم يحسبون أن النداء الخالد يُقتل؟! عبساً يحاولون لا فناء لأرواحٍ ظفرتْ بالأبديةِ بمواقف مشرفة اتخذتها فخطت عناوين دامية في صفحاتِ التاريخ.

إن حِدنا وابتعدنا عن المنهج الرباني والرسالة السماوية فستكون الدنيا للظالمين المجرمين يتغنون بحقوق المساكين ويتقارعون كؤوس دماء البائسين، ولن يأبه أصحابُ القضية فحياتهم لا تكون هنا حيث لا حُرية إلا حُرية البنادق والدماء ولا موطن إلا موطن الظُّلم والظلمات

عقدوا البيعة مع الله ومضوا لا يخشون فيه لومة لائم، ذلك العهد والميثاق الذي يكرر نفسه في كل زمان ومكان لا يمكن أن ينتهي أبدا فالعلاقة مع الله تأبى أن تخضع لقوانين العمر والمسافة والزمن فالمهمة الملقاة اليوم على أعاتق الصادقين الصابرين من نقل للحقائق وبلاغ للناس عما يصيب المسلمين وإظهار الزيف والباطل لأذناب الظالمين  هي نفسها تلك المهمة التي أوكلها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى (مصعب الخير) في أن يكون سفيره إلى المدينة يُفقِّه الأنصار الذين آمنوا وبايعوا الرسول صلوات الله عليه عند العقبة ويُدخل غيرهم في دين الله ويُعِدُّ المدينة ليوم الهجرة العظيم.

 

لقد اختار رسولنا مصعب بن عمير وهو يعلم أنه يكلُّ إليه بأخطر قضايا الساعة ويلقي بين يديه بمصير الإسلام في المدينة التي ستكون دار الهجرة، و منطلق الدعوة والدعاة، والمبشرين والغزاة، بعد حين من الزمان قريب وحمل مصعب الأمانة مستعيناً بما أنعم الله عليه من عقل راجح وخلق كريم فغزا أفئدة أهل المدينة بإخلاصه وزهده وترفعه فقد فهم مصعب بن عمير رضي الله عنه وأرضاه رسالته تماماً ووقف عند حدودها عرف أنه داعية إلى الله ومبشر بدينه الذي يدعو الناس إلى الهدى وأنه ليس عليه إلا البلاغ، وقد نجح أول سفراء رسول الله صلى الله عليه وسلم نجاحاً منقطع النظير نجاحاً هو له أهل وبه جدير …

إن تلك الأصوات التي صدحت بحقنا وأخرجتنا من بوابة ضيقة إلى مرأى العلم ومسمعه لتدينه أمام التاريخ والإنسانية جمعاء بأنه ولسبع سنين عجاف وقف مكتوف الأيدي مشلول الحركات هو نفس الصوت الذي منحه الله لجعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه المتحدِّث اللبقُ المتنعم بذكاء القلب وإشراق العقل وفطانة النفس وفصاحة اللسان فإن يوم المحاورة التي أجراها أمام النجاشي بالحبشة كان يوماً فذاً ومشهداً عِجاباً حيث ألقى جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه بكلماتٍ مُسفرةٍ كضوء الفجر فملأت نفس النجاشي روعةً وإحساساً.

ومضى جعفر رضي الله عنه يتلو آيات كريمةٍ من سورة مريم بأداء عذبٍ وخشوعٍ آسر فبكى النجاشي وبكى معه أساقفته جميعاً انفض الجمع وقد نصر الله عباده وآزرهم وخرج المسلمون بزعامة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه ليستأنفوا حياتهم الآمنة في الحبشة لابثين فيها كما قالوا (بخير دار مع خير جار) حتى يأذن الله لهم بالعودة إلى رسولهم وإخوانهم وديارهم وعند اللقاء أُفعِم قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقدم جعفر عليه غبطةً وسعادةً وبشراً فعانقه وقال (لا أدري بأيهما أنا أسرُّ بفتح خيبر أم بقدوم جعفر).

نعم، لقد نال مكانةً عالية ومرتبةً مشرفة في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد نصر المسلمين بلسانه قبل أن ينصرهم بدمائه، فإن الانتصار لأمة ثكلى ولشعب مستضعف يكون في كل أوجهه وأشكاله محموداً مشكوراً ولا يحقرُّ من المعروف شيئا، ولكل مقام مقال فإن انتصار إعلامي ثورتنا المكلومة لشعبنا بإثبات مجزرة أو نقل أخرى لا يقلُّ أهمية عن رد العدو والإثخان به، فإن قوة الحجة التي يؤتيها الله لمن يشاء هي نفسها التي وهبها الله عز وجل لحسان بن ثابت رضي الله عنه وأرضاه حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اهج قريشاً فإنه أشد عليهم من رشق النبل) فقال حسان بن ثابت رضي الله عنه وأرضاه قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه ثم أدلع لسانه فجعل يحرِّكه وقال والذي بعثك بالحق لأفرينهم بلساني فري الأديم فأجابه رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه (إن روح القدس معك لاتزال تؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله).

كائناً من يكون من يحاول حرق الصروح فقد راهن على خسارته فلا ضير يقع عليهم ولا أذى يصيبهم لأنهم بلابل الثورة وصقورها إذا ما حمي الوطيس ودقت النواقيس وقلت النفوس النفيسة فكفوا أيديكم عنهم.. أبعدوا أكاذيبكم الزائفة عن طريقهم

ولنا في قول رسول الله عبر ودروس وعظات قد أوكل رسول الله صلى الله عليه وسلم لروح القدس جبريل عليه السلام أقوى الملائكة وأكثرها جبروتاً تأييد حسان بن ثابت رضي الله عنه وحمايته مادام يدفع السوء ويرد الأذى عن دين الله.. فإن الحكمة النبوية التي اقتضت باستخدام مكنونات الإنسان واستخراج أحسن ما فيه ودعمه وحمايته هي التي أقامت دولة عظمى لم يعرف التاريخ مثلها وأورثت حُكماً تضرب الأمثال بعدله الذي ليس له نظير.

 

فإن حِدنا وابتعدنا عن المنهج الرباني والرسالة السماوية فستكون الدنيا للظالمين المجرمين  يتغنون بحقوق المساكين ويتقارعون كؤوس دماء البائسين، ولن يأبه أصحابُ القضية فحياتهم لا تكون هنا حيث لا حُرية إلا حُرية البنادق والدماء ولا موطن إلا موطن الظُّلم والظلمات، حياتهم من المحال أن تكون هنا بل تبدأ حيث تَخلِد كلماتهم وتفوح ذكراهم وتحرِّك شعاراتهم نفوساً تخلُفُهم فيما كانوا عليه.

فكائناً من يكون من يحاول حرق الصروح فقد راهن على خسارته فلا ضير يقع عليهم ولا أذى يصيبهم لأنهم بلابل الثورة وصقورها إذا ما حمي الوطيس ودقت النواقيس وقلت النفوس النفيسة فكفوا أيديكم عنهم.. أبعدوا أكاذيبكم الزائفة عن طريقهم الذي حفته المخاطر على تباينها وحوّطته الخصوم على اختلاف مقاصدهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.