شعار قسم مدونات

عمرو سمير عاطف ينضم بكفر دلهاب لرواد فن الرعب

blogs - يوسف الشريف كفر دلهاب

في المرحلة الإعدادية، وحين ينشغل كل اصدقائي بقراءة السلاسل الأدبية الرومانسية مثل زهور وعبير؛ اكتشفت نوع جديد من الأدب؛ يتحسس طريقه باستحياء بين أرفف الكتب بالمكتبات. كانت البداية عندما لفت نظري كتيب صغير بعنوان رأس ميدوسا؛ وفي ذاك الوقت؛ قبل دخول «الانترنت»؛ كان على شراء هذا الكتيب لأشبع فضولي تجاه هذا الاسم الغريب، وصورة الغلاف الأغرب؛ والتي هي عبارة عن رأس امرأة خصلات شعرها عبارة عن ثعابين.

 

هذا الكتيب كان عدد من سلسلة تحمل اسم ما وراء الطبيعة؛ للكاتب الدكتور أحمد خالد توفيق، وكانت سلسلة فريدة من نوعها لأنها تنتمي إلى فن الرعب؛ ولكن اختار الكاتب طريقة سرد ساخرة؛ ليجمع بين نقيضين هما الكوميديا السوداء والقصص المرعبة؛ في مبادرة فريدة من نوعها في مصر.

 

منذ ذاك الحين؛ وعلى الرغم من كوني شخص من السهل أن يشعر بالخوف؛ تعلقت بشدة بتلك السلسلة وبحثت في جميع المكتبات؛ لأنها كانت تمنحني كم معقول من الإثارة؛ دون الشعور بالخوف عندما أخلد للنوم بعد قراءتها؛ بل وأحيانا كنت اقرأها قبل النوم دون نتائج مخيفة في أحلامي.

 

بعد ظهور الإنترنت؛ وانتشر تنزيل الأفلام التي تقدم هذا النوع من الرعب والإثارة؛ ولكن كل الانتاجات التي تنتمي لهذا النوع من الرعب؛ كانت أجنبية؛ ولذلك ظلت سلسلة ما وراء الطبيعة تحتل مكانة خاصة في قلبي؛ ولم أتوقف عن قراءتها.

 

 بعد مرور الكثير من الأعوام؛ وجدت غايتي في مسلسل تم إنتاج الجزء الأول منه فقط؛ ولم يخرج الجزء الثاني للحياة حتى الآن؛ وهو مسلسل أبواب الخوف؛ الذي قام ببطولته الممثل المصري عمرو واكد، وقام بالإشراف على ورشة كتابته السيناريست محمود دسوقي؛ بينما أخرجه المخرج الشاب أحمد خالد؛ ومن وجهة نظري؛ كان هذا المسلسل تجربة ناجحة ومميزة في تاريخ فن الرعب بمصر؛ حيث استخدم فريق العمل بعض الأيقونات المخيفة التي تنتمي إلى الثقافة المصرية؛ الأمر الذي منح المسلسل طابع خاص؛ يصعب على الناقدين اتهامه بالنسخ من أحد الأعمال المرعبة الأجنبية.

 

نفس الحالة كانت تنطبق على سلسلة ما وراء الطبيعة؛ خاصة وأن نسبة كبيرة من الموضوعات التي ارتكزت عليها السلسلة كانت من التراث المصري مثل النداهة؛ الأمر الذي حققه فريق أبواب الخوف عندما قدموا قصة مميزة عن الأعمال السحرية التي يتم وضعها في فم الميت قبل دفنه.

 

وعلى الرغم من النجاح الذي حققه هذا المسلسل؛ وأن نهاية الحلقة الأخيرة من الجزء الأول كانت مشوقة ومتروكة دون الإجابة على أسئلة تعلق بها المشاهد؛ إلا أن فريق العمل لم يقدم الجزء الثاني من هذا العمل المميز حتى الآن.

 

مرت أعوام أخرى؛ حتى وقتنا الحالي – عام 2017 – ليأتي السيناريست المميز جدًا عمرو سمير عاطف؛ ويقدم تجربة فريدة من نوعها مرة أخرى؛ خاصة في الدراما الرمضانية. حين شاهدت الحلقات الأولى حتى الخامسة من مسلسل كفر دلهاب؛ والذي يعرض على الشاشات العربية خلال شهر رمضان الحالي؛ تأكدت أنني أقف أمام عمل ينضم كاتبه بثقة إلى رواد فن الرعب في مصر.

 

مسلسل كفر دلهاب؛ يقوم ببطولته الفنان يوسف الشريف؛ بمشاركة مميزة لمجموعة من نجوم الدراما المصرية؛ سواء من الوجوه الجديدة؛ أو الممثلين المخضرمين. أختار عمرو سمير عاطف – بذكاء شديد- أن يبني كل أحداثه في كفر/ قرية صغيرة من نسج خياله؛ وهو كفر دلهاب؛ وعلى الرغم من أن ملابس الممثلين وديكورات المكان توحي بأن الأحداث تدور في زمن بعيد؛ إلا أن سمير عاطف منح أبطاله لغة حوار حديثة عامية؛ ليقدم مزيج نادر من تلك الصورة القديمة والروح الحديثة في التواصل بين الأبطال.

 

بالتنويه الذي وضعه فريق عمل المسلسل قبل كل حلقة؛ والذي يؤكدون من خلاله أن المكان والزمان والأحداث من نسج خيال الكاتب؛ استطاع المؤلف أن يناقش الكثير من القضايا التي يمر بها الوطن العربي – وإن لم يكن العالم بأكمله- دون أن يضع نفسه في مأزق تبرير توجهاته السياسية؛ وفي نفس الوقت تجنب أي انتقادات رقابية أو شعبية؛ والأمر الذي ساعده على ذلك؛ هو التضفير المميز الذي قدمه بين قضايا سياسية واقتصادية تخص كفر دلهاب، وتلك اللعنة التي حلت على كفر دلهاب بسبب قتلها واغتصابها  على يد 5 رجال من أهل الكفر؛ كل منهم له نفوذ سياسية واجتماعية؛ ويحاول الطبيب- والذي يقوم بدوره النجم يوسف الشريف- أن يساعد الروح المعذبة في تحقيق العدالة؛ حتى يحرر القرية من اللعنة.

 

استطاع عمرو من خلال كفر دلهاب أن ينضم لرواد فن الرعب في مصر؛ الأمر الذي لم أندهش منه؛ لأن المؤلف له تاريخ حافل مع الدراما التي تعتمد على الإثارة والتشويق؛ وربما يكون مسلسل رقم مجهول هو المثال المناسب لكلامنا هذا

من الأمور التي ساعدت على نجاح العمل؛ هو التعامل الحذر مع المشاهد التي تجسد الفتاة «الملبوسة» بالكفر من قِبل روح شريرة؛ والتي تتحدث بلغات غريبة؛ ويظهر عليها علامات المس الشيطاني؛ فلم يستهلك المؤلف تلك النوعية من المشاهد في المسلسل؛ ولم يغريه الأمر ليضعها بكل حلقة؛ واستطاع أن يخلق أجواء رائعة من الإثارة؛ وحين ظهرت الفتاة بعلامات المس الشيطاني للمرة الأولى؛ كان له أثر مرعب في نفوس الكثير من المشاهدين؛ ثم ترك المؤلف باقي الأمر على خيال المشاهد؛ وظل حتى الحلقة العشرين محتفظ بهذا الكارت الرابح؛ في حين ينتظر المشاهد أن يرى هذا المشهد مرة أخرى؛ على الرغم من شعوره بالخوف لمجرد التفكير في هذا الهاجس.

 

كأي عمل متميز؛ من الصعب نسب كب الجهد لطرف واحد من فريق العمل؛ لأن فريق عمل كفر دلهاب كاملًا قام بدور مميز للغاية؛ في الإضاءة كانت تليق بأجواء المسلسل بالكامل؛ والزمن البعيد ساعد في الإيحاء بأن الإضاءة المستخدمة في منازل الفكر هي النار فقط سواء عن طريق أعداد كبيرة من الشموع والمشاعل من النيران؛ وكان للملابس دور هام في وضع بصمة لروح المسلسل وتم توظيف اللون الأسود في ملابس الممثلين بشكل مميز جدًا؛ الأمر زاد من الغموض الذي يخيم على الكفر كاملًا.

 

ما قدمه عمرو سمير عاطف في هذا المسلسل؛ بالنسبة لي؛ استطاع من خلاله أن ينضم لرواد فن الرعب في مصر؛ الأمر الذي لم أندهش منه؛ لأن المؤلف له تاريخ حافل مع الدراما التي تعتمد على الإثارة والتشويق؛ وربما يكون مسلسل رقم مجهول هو المثال المناسب لكلامنا هذا؛ حيث استطاع عمرو سمير عاطف؛ أن يشد انتباه نسبة كبيرة جدا من المشاهدين؛ منتظرين بحماس معرفة صاحب الرقم المجهول.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.