شعار قسم مدونات

ليسوا ٦ مظاليم!

مدونات - الإخوان المسلمين
الرابعة صباحاً، البيت هادئ، والإضاءة الخفيفة التي تنبعث من مصابيح قليلة يتراكم عليها ناموس وأتربة تزيد من ضبابية المشهد، وكالعادة لا أحد مستيقظ سوى جيراننا هؤلاء، عائلة أحد متهمي قضية قتل الحارس الستة وهم :(خالد رفعت جاد عسكر، وإبراهيم يحيى عبد الفتاح عزب، وأحمد الوليد السيد الشاب، وعبد الرحمن محمد عبده عطية، وباسم محسن خريبى، ومحمود ممدوح وهبه) والذين اعتدت على رؤيتهم على هذا الحال منذ بداية رمضان.

عدت بذاكرتي لتاريخ ليس ببعيد يوم 21 أكتوبر/تشرين الأول عام 2015 حين وافق المفتي على إعدام المتهمين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و32 عاما، وهم محمد بكري محمد هارون، وهاني مصطفي أمين عامر، ومحمد علي عفيفي، وعبد الرحمن سيد رزق، وخالد فرج محمد، وإسلام سيد أحمد إبراهيم. لأجد أنه تقريبا قد مر عامين على تنفيذ حكم الإعدام بحقهم بعد إدانتهم في القضية التي عُرفت اعلامياً ب "عرب شركس".

إن كنت تعتقد أن هؤلاء المظاليم الستة لن يتبعهم مظاليم ستة آخرون فيؤسفني أن أخبرك أنك لم تفهم عقلية النظام الأمني المصري حتى الآن.

لم يضمد الجراح مرور الزمن، ولم تلتئم، فمن عرب شركس إلى خلية قتل الحارس ما لبث القلب أن يتعافى فلم يكن هؤلاء "المظاليم " بالأسعد حظا من سابقيهم، فهم الآخرون صدر بحقهم حكم الإعدام في جرائم تم تلفيقها لهم ولم تثبت حتى إدانتهم فيها. وسابقيهم لم يكونوا أسعد حظا من سابقيهم فالقائمة تطول. لم أجد مبررا لهؤلاء الذين ملأوا سماءنا حديثا عن حرية الرأي والتعبير ثم يقاطعون دولاً ويحجبون مواقع..! عن أي إرهاب يتحدث هؤلاء الناس؟!

كل القنوات التي تهتف كل صباح في مدحهم وتمجيد صنيعهم مقابلها الكثير من القنوات التي تم إغلاقها وصحف تم منعها، والجدير بالذكر أنه من السهل جدا على هؤلاء اختلاق آلاف الأعذار يبررون بها اقتطاع أراضي البلاد وتوزيعها قرابين لإعلان فروض الولاء والطاعة مقابل مساعدات مادية _حتما يجب علينا_ فإننا كما قال الحاكم "فقراء أوى" والآلاف الذين يملؤون غياهب السجون، أعمار الآلاف من الشباب التي تضيع كل يوم. لازلت لا أعلم عن إرهاب يتحدثون؟!

في الحقيقة هم ليسوا ب"٦ مظاليم" فقط! بل هم أكثر بكثير، نتحدث عما يزيد عن أربعين ألفاً على أقل تقدير يقبعون في برزخهم منسيين. إن كنت تعتقد أن هؤلاء المظاليم الستة لن يتبعهم مظاليم ستة آخرين فيؤسفني أن أخبرك أنك لم تفهم عقلية النظام الأمني حتى الآن. بات جلياً للجميع أن طريقة تعامل السلطات المصرية مع من يخالفها ثابتة، فمن المعروف أن الأجهزة الأمنية في مصر تقوم بسيناريو واحد ممنهج تتبعه مع جميع القضايا السياسية، وحتى التي تخص الاحتجاج أو الاعتراض.

تبدأ قوات الأمن باعتقال الشباب بشكل تعسفي من أماكن متفرقة، حيث يتم اقتيادهم جميعًا إلى أماكن غير معلومة، يتعرضون خلالها لجريمة الإخفاء القسري لمدد متفاوتة، يخضعون للتعذيب الشديد بمقر الأمن الوطني، لإجبارهم على الاعتراف بتهمٍ لم تقدم الأجهزة الأمنية أدلة تؤكد إدانة الشباب بها، ليظهر بعدها عدد منهم في مقاطع فيديو صورتها لهم وزارة الداخلية، بوجوه متورمة، ملابس ممزقة وجروح لم تبرأ بعد، ليدلوا باعترافات مغصوبة بارتكابهم جرائم عديدة. وهكذا يتم تلفيق القضايا و يتبعها في النهاية إصدار الأحكام.

لم يضمد الجراح مرور الزمن، ولم تلتئم، فمن عرب شركس إلى خلية قتل الحارس، ما لبث القلب أن يتعافى فلم يكن هؤلاء "المظاليم " بالأسعد حظا من سابقيهم.

فالإعدام في مصر يتم بأكثر من طريقة غير الأحكام النافذة، بالإهمال الطبي في السجون الذي يودي بحياة المعتقلين يعد إعداما، التعذيب الوحشي يعد أيضًا إعداما، وكذلك قتل المتظاهرين في الشوارع يعتبر حكما سريعا نافذا بالإعدام. والمعضلة ليست هنا بل في ماذا فعلنا لكل هؤلاء المظاليم؟ لماذا عليهم أن يدفعوا الثمن من أعمارهم وأرواحهم وأنفاسهم؟ ولازلت أتساءل لماذا يظل من يضحي هو من يضحي حتى النهاية ويدفع الثمن في الوقت الذى ينأى الجميع بأنفسهم خوفا من أن نفسد عليهم متعة الحياة.

جميعنا يعلم ذلك. نعم، لكن ماذا فعلنا نحن أصحاب الحق والمعنيون بهذه الجرائم أكثر مما نوجه لهم تهم الصمت والتخاذل والتواطؤ؟ أنعلم أنه في كل يوم قد يموت إهمالا أو يقتل معتقل في حوزة الأجهزة الأمنية؟ هل خذلنا أنفسنا أم كان المعتقلون أكثر من خذلناهم؟ هل نحن على دراية كاملة بظروفهم الآن؟ لا العدد يتفوق على الستة فعلياً، فمن منا الآن ليس لديه صديق أو قريب معتقل أو قُتل تحت ظروف من التعذيب والمرض؟

وماذا قدمنا لهؤلاء المنسيين في كبد الأرض؟ و هل لنا نصيب في ذنب دمائهم! أحيانا أقف في حيرة من أمرى أتساءل من نحن؟ وماذا فعلنا لنستحق هذا؟ ولأي هدف يُصنع هذا معنا؟ وما أهمية معاناتنا؟ لأي شيء يقتل أهلونا؟ ولأي شيء يموت الناس؟ وما فائدة هذا العذاب كله؟!هل استطعنا إنقاذ معتقل واحد من مصيره المحتوم؟ بماذا استطعنا مساعدة أهالي المعتقلين أو حتى توثيق آلامهم. من منا يتجرأ على القول إنه بذل استطاعته في سبيلهم؟

لحظات وتجمعت كل المآسي والأحزان في قلبي لأجد نفسي تائهة حزينة لا أعلم على من يجب أن أحزن على نفسي أم علي هؤلاء؟ تذكرت حينها حديث صديقتي بعد عودتها من زيارة أخيها في المعتقل أنها سئمت من الاستيقاظ على كوابيس مزعجة و تخيل أحداث مخيفة وسماع أحكام جائرة إزهاق أرواح بريئة بلا ذنب، كل يوم يمر بأربعة وعشرون ساعة يمر علينا بمئات الأعوام خوفا من صدور حكم أو رفض نقض أو تأجيل زيارة، لا أعلم ماذا حل بأحلامنا وأرواحنا؟ تناثرت ولم تعد بعد إلى أجسادنا.. منذ أعوام ونحن نعيش نفس حالة اليأس والأسى، ولازالت الصدمة مسيطره.. نعيش بنصف أجساد مرهقه ونصف أرواح بائسة ونصف عقول واعية.

متهمي قضية قتل الحارس الستة وهم:(خالد رفعت جاد عسكر، وإبراهيم يحيى عبد الفتاح عزب، وأحمد الوليد السيد الشاب، وعبد الرحمن محمد عبده عطية، وباسم محسن خريبى، ومحمود ممدوح وهبه).

الواقع الذى نعيش فيه الآن يدفعنا للجنون، لم يبقى في القلب رغبة للمحاولة، للنهوض، للدفاع، للمقاومة، كل يوم نفقد جزءا من أرواحنا المبعثرة، ويختفي جزءا من أحلامنا المتلاشية.. لم يعد هناك دافع حتى للحياة، صرنا أشبه ما نكون بالأموات، وجوه شاحبة، وطرق ظلماء كاحله. شعور"العجز" مؤلم، مؤلم للغاية يا صديقتي، يجعلك تلعنين نفسك في اليوم مئة مرة وتودين الموت مئات المرات، ويتبعه "الانتظار".

أنتظر منذ زمن، أنتظر كل يوم نفس المراد وهذا اقسى شعور يمكن للإنسان أن يمر به وحده، والأكثر إيلاما أن حياتنا صارت مسرحية هزلية كاذبة من مظاهر بلا روح، نحن مجبرون على المضي قدما في الحياة ومجاراة أمورها، واستكمال أشواط كثيرة كأن كل شيء علي ما يرام. وفي النهاية ختمت كلامها بسؤال يبحث عن إجابة "ما معنى الحياة وما مغزاها بهذه الحالة؟ وما الذى يجعل الإنسان إنسانا ، كيف سنحيا ونتماشى مع كل هذا الظلم الحالك السواد؟ كيف علينا التوافق مع كل هذه الدماء المسالة والتي لازالت تسيل، كيف نعيش وسط كل هذا العته ونخرج منه أسوياء!!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.