شعار قسم مدونات

لماذا تعد المسألة الخليجية مهمة لمشاريع التغيير؟

RIYADH, SAUDI ARABIA - MAY 21: In this handout photo provided by the Palestinian Press Office, U.S. President Donald Trump joins Saudi Arabia's King Salman bin Abdulaziz al-Saud and other Arab leaders at a summit meeting May 21, 2017 in Riyadh, Saudi Arabia. (Photo by Thaer Ghanaim/PPO via Getty Images)
انفجرت عاصفة في الخليج عقب محاولات حصار الحلف الإماراتي السعودي لدولة قطر تحت مزاعم "دعم الإرهاب"، في الوقت الذي يُطالب فيه التجمع المناوئ لسياسات الدوحة الإقليمية بمطالب سياسية بحتة تتعلق بالاستراتيجية القطرية الخارجية التي تتعارض مع سياستهم في المنطقة، ولا علاقة لها بمكافحة الإرهاب كما يزعمون، مستغلين حمى اليمين المتطرف التي تضرب الغرب لمساعدتهم في مآربهم المغلفة بحرب إعلامية.

تُحاول بعض الأطراف المنتسبة لمشاريع التغيير في المنطقة أن تنأى بنفسها عن المعركة، مسفهة من الاشتباك مع المسألة الخليجية برمتها، في محاولة للمساواة بين أطراف الأزمة، والتعامل معهم بمعايير مسطحة تنم عن اختزالية شديدة للأمور، يجعل هذا المنطق في التفكير وأربابه محل شك حينما ينطقون في السياسة.

لا شك وأن هذه الأفكار لا علاقة لها بالسياسة، فهي محض تخاريف أيديولوجية تحاول الهروب من أي مسائل شائكة تؤرق حالة الطهرانية الزائفة، في حين أن الواقع ينتصر بشكل واضح للمسألة الخليجية التي لم تعد أزمة إقليمية عابرة، وإنما تأتي في خضم مرحلة إعادة تشكيل للإقليم، ستكون هذه المرحلة حاسمة في عمر مشاريع التغيير التي انطلقت عقب الربيع العربي.

أحد أكبر أخطاء طلائع الثورات العربية، أنها لم تدرك البعد الإقليمي والدولي لتحركاتها، فقرارات الانقلاب على الربيع العربي كانت خارجية قبل أن تكون حالة داخلية.

لا يخفى على أحد الدور الذي لعبه الخليج بأطرافه في الربيع العربي في اندلاعه وفي الإجهاز عليه، وما تلاه من أحداث، ظهرت فيها القوة الخليجية الناعمة والخشنة كقوة مؤثرة في الإقليم، فبينما عولت دولة قطر في مصلحتها الإستراتيجية على شرارات الربيع العربي الأولى وما تمخض عنها من هبات وانتفاضات على الأنظمة التقليدية القديمة، كانت السعودية والإمارات وفي ذيلهما بقية الدول الخليجية من خلفهم تسعى لزرع نبتة الثورة المضادة في الإقليم من أول يوم، تلك النبتة التي ستكبر إلى أن تنجح فيما بعد في إعادة الأمور إلى نصابها وفق المصلحة السعودية الإماراتية.

فالمال والإعلام كانا عصب اللعبة منذ 2011، ولقد لعبت المحاور الخليجية المختلفة الدور الأكبر السلبي والإيجابي بهما أمام مشاريع التغيير، والبيت الخليجي نفسه عانى داخليًا بسبب الثورات العربية، بين محور حاولت صناعته قطر داخل البيت الخليجي لا يناصب الربيع العربي عداءً – ظلت قطر وحيدة فيه حتى النهاية – وبين محور رأى المواجهة المباشرة تزعمته السعودية والإمارات.

تجابهت سياسات هذه المحاور في أكثر من نقطة ساخنة في الإقليم، ورأى كل منهم أن يدعم تجارب مختلفة ومتضادة، فقد رأينا انتخابات نزيهة في مصر دعمتها قطر، في مقابل انقلاب عسكري دعمته ومولته السعودية والإمارات، وفي تونس رأينا تجربة شبيهة، وفي ليبيا لم يختلف الأمر كثيرًا، وفي اليمن تشكل الأمر على هيئة أخرى لكن الجوهر ظل واحدًا، وكانت لسوريا خصوصية لم تتجاهل مسألة التأثير الخليجي على الثورة السورية.

في النهاية يمكن رؤية الصراع داخل المسألة الخليجية صراع إرادات، محور داخل البيت الخليجي يشكل سياسات تخدم مصالحه ومآربه المتعدية للخليج قرر أن ينقض على دولة صغيرة كقطر، حاولت أن تبني خطًا مستقلًا عن هذا المحور، ولا علاقة مطلقًا للأمر بالإرهاب أو مكافحته.

السياسة تحتم أن نستقرئ الوضع الإقليمي، وننظر إلى موضع أقدمنا قبل أن نخطو أي خطوة مقبلة، لأن كل خطوة تجاه نكساتنا كانت لها إشارات إقليمية سابقة على الداخل.

قراءة المشهد والتيقن من التأثير الخليجي على الأوضاع في بلدان الربيع العربي، بل وبلدان المنطقة بأثرها يجعل مسألة الاشتباك مع الأزمة الأخيرة واجبًا على كل من يرى نفسه أحد أبناء مشاريع الثورات العربية، حتى وإن كانت هذه المشاريع "رمزية" إلى الآن، أو دم على ورق – ولا نستطيع أن نقول حبرًا بالطبع بل كانت دماء- ولم تتحول لواقع بعد.

إذ أنه أحد أكبر أخطاء طلائع الثورات العربية أنها لم تدرك البعد الإقليمي والدولي لتحركاتها، فقرارات الانقلاب على الربيع العربي كانت خارجية قبل أن تكون حالة داخلية، وإهمال هذه الحقيقة الهامة بعد قرابة 6 سنوات ينم عن مشكلة حقيقية في الإدراك، وتكرار لسياسة النأي بالنفس عن السياسة داخل مشاريع تغيير سياسية في الأصل، وهو أمر مضحك لا ريب.

لا يمكن الطلب من أحد الاصطفاف ،لأن هذا أمر راجع إلى كل شخص وكيان وتنظيم وفاعل، ولكن الاشتباك هو الواجب، وتحديد مصلحة مشاريع التغيير في خضم هذه الأزمات، والخروج برؤى وقراءات واضحة غير مشوهة ولا مشوشة هو الأصل، وكل محاولات الهروب من السياسة والتحالفات محض هراء، وادعاء لطهرانية زائفة.

نعم، هناك من وفر للثورات العربية مساحات تمدد، ومنصات إعلامية، ولا يهمنا سوى ذلك، والبحث في ما وراء الصورة يكون رفاهية لدى المنتصرين وليس المنهزمين الذين يُلملمون الأشلاء، وفي المقابل هناك من سعى لعودة مبارك في مصر على صورة السيسي، وزين العابدين بن علي في تونس على صور متعددة، والقذافي في ليبيا على صورة حفتر، وعلي عبد الله صالح في اليمن عبر الحوثيين، وثبت الأسد حتى لا يهتز من على كرسيه.

يمكن رؤية الصراع داخل المسألة الخليجية كصراع إرادات، فهنالك محور داخل البيت الخليجي يشكل سياسات تخدم مصالحه ومآربه المتعدية للخليج قرر أن ينقض على دولة صغيرة كقطر.

تلك حقائق لا تقبل الجدال، وتلك تحالفات بُنيت شئنا أم أبينا، والسياسة تحتم أن نستقرأ الوضع الإقليمي، وننظر إلى موضع أقدمنا قبل أن نخطو أي خطوة مقبلة، لأن كل خطوة تجاه نكساتنا كانت لها إشارات إقليمية سابقة على الداخل، والتغيرات القادمة في المنطقة لها إرهاصاتها.

لا ينفصل هذا الحديث عن قضية تيران وصنافير في مصر، ولا ينفك عن حصار غزة والحديث حول حرب إبادة وشيكة على القطاع بمباركة المحور الذي يقود الحملة على قطر الآن، ولا يمكن التغاضي عن الإشاعات الدائرة حول ما تحمله صفقة القرن للمنطقة وترتيبات وأد القضية الفلسطينية، كما أن مصير الثورة السورية والشعب السوري بات رهين لعبة توازنات إقليمية ودولية، والوضع في اليمن على صفيح ساخن، بل إن شرر ما يحدث في الخليج طال إفريقيا التي بدأت دولها في تحديد مواضع الأقدام في هذه الحرب.

ثم يأتي بعد هذا كله من يرى أن المسألة الخليجية ما هي إلا مجرد صراع عروش فارغ المضمون، لا يا صديقي، سياستك هي الفارغة، سئمنا هروبك من ممارسة السياسة إلى ممارسة الفراغ واللاشئ المتعالي على الواقع، ربما أقولها لك الآن: فشلت ثوراتنا بسببك، وستفشل تحركاتنا القادمة إذا استسلمنا للهروب الذي تدعونا إليه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.