شعار قسم مدونات

أركان الطغيان

blogs - stalin
كان وما يزال الطغيان أكثر ما يفسد حياة الناس الاجتماعية، ويحولها جحيما لا يمكن أن تستمر معه الحياة، فهو السبب الأبرز في النزاعات السياسية على السلطة والحكم بين الحاكم المحكوم، ومن أجل الخروج من طوق الطغيان ثارت الناس تطلب حريتها وتسعى لحياة يسودها العدل والإحسان والاحترام المتبادل بدل الطغيان والاستبداد.

ومن يقرأ التاريخ يجد أن الطغيان مهما طال عمره ومهما استحكمت حلقاته على رقاب الضعفاء والمساكين لا بد له أن ينتهي، ولابد لشمسه أن تغرب، لأن الباطل لا يدوم وإن كانت له جولة فللحق جولات. وللطغيان أركان لا بد من توفرها حتى تستكمل عملية الاستبداد والاستيلاء على حقوق الناس وسلب إرادتهم، وهذه الأركان لم تختلف على مر العصور والأزمنة مع اختلاف الطغاة والمستبدين، إنما تطورت أساليبهم وتطورت قدراتهم وأصبحت أكثر قدرة على إحكام حلقة الطغيان المقيتة على رقاب الشعوب الضعيفة.

وفي مقاربة مع أكثر حالة طغيان ذكرت في القرآن الكريم من الأمم السابقة مع الواقع الحالي الذي نعيش، ألا وهي طغيان فرعون على قومه، وصلت مرحلة الطغيان مرحلة متقدمة جرأته أن يدعي الألوهية وأنه ربهم الأعلى من دون الله. فنجد أركان الطغيان خمسة وهي:

1- الملك الجبار المتكبر

رجل الإعلام الذي يحرك الرأي العام لمصلحة الطغيان، فلا يغطي من الحقائق والأحداث إلا ما كان فيه مصلحة الطاغية، ويغض الطرف عما يريد الطغيان إخفاءه عن أعين الناس.

الذي يرى أنه يملك الأرض ومن عليها وما عليها، فهو المالك المتصرف الذي يحق له كل شيء، وليس هناك ما يردعه وما يمنعه من تنفيذ مراده ورغباته، ويمثله هنا في الحالة التاريخية فرعون وفي واقعنا المعاصر الأنظمة الشمولية التي تدعي القيادة الرشيدة للدولة والمجتمع ممثلة برأس هرم قيادتها الذي بيده مفاتيح السلطة كلها.

2- الوزير المنافق المتسلق
الذي يتزلف للملك الجبار أو الحاكم المتسلط ويلبي كل رغباته وأوامره دون اعتراض أو مناقشة ويمثله هامان وزير فرعون وفي واقعنا وزراء ومجالس للشعب ليس لها إلا التأييد والتصفيق ووصف قرارات القيادة بالحكيمة والمدروسة.

3- رجل المال والأعمال
الذي يسخر ثروته وكل ما يملك ويريد إبقاء ما كان على ما كان خدمة لمصالحه وبناء أمجاده، ويمثله تاريخياً قارون، وفي زماننا أصحاب رؤوس الأموال المنتفعين من السطلة ومن بقائها ويتأثرون وتتهدم مصالحهم بزوالهم أو باختلال أركانها، ويعارضون أي تغيير من شأنه تغير السلطة وزوالها لأنهم يزولون معها ويسقطون بسقوطها.

4- رجل الدين
الذي يخسر علمه ومعرفته لتسويغ كل قرارات الحاكم العادل خليفة الله في أرضه كما يرى، والتبرير لها حتى قبل صدورها ويمثله سحرة فرعون قبل إسلامهم، ووقعنا يمتلئ بعلماء السلطان الذين ينسبون أنفسهم كذب وزورا للعلم وأهله، يجعلون من أنفسهم مطية للطغاة يبرون أفعالهم ويمجدونها بل يجعلون منها أنها الحكمة المطلقة التي لا يدخلها الباطل ولا تعتريها شبهة فهو أولوا الأمر الذين لا تجوز محاولة التفكير بمخالفتهم أو الاعتراض عليهم.

5- رجل الإعلام

في زماننا هذا، أصحاب رؤوس الأموال المنتفعين من السطلة ومن بقائها ويتأثرون وتتهدم مصالحهم بزوالها أو باختلال أركانها، لذلك يعارضون أي تغيير من شأنه تغير السلطة وزوالها.

الذي يحرك الرأي العام لمصلحة الطغيان فلا يغطي من الحقائق والأحداث إلا ما كان فيه مصلحة الطاغية، ويغض الطرف عما يريد الطغيان إخفاءه وإبعاده عن أعين الناس، ويمثله هنا الحاشرون الذين قالوا: (وقِيلَ لِلنَّاسِ هُلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ(39) لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُواْ هُمُ الغـلِبِينَ (40)سورة الشعراء) وإن كانوا غير غالبين لا يعطونهم، لأنهم يريدون صياغة الأفكار بما يخدم مصلحة الطغيان فقط، ويمثلهم في واقعنا إعلام مفضوح يستخف العقول ويبتعد عن أبسط قواعد المنطق وأخلاق المهنة يعمل ويقف بضغطة زر الطغيان.

فهذه الأركان الخمسة التي يقوم عليها بنيان الطغيان، وإذا فقد أحدها لم يقم لبنيانه أساس. كانت ولا تزال ثورات الربيع العربي آخر حلقة في مسلسل كسر قيد الطغيان والاستبداد السياسي والمجتمعي، لأن الشعوب دائما تبحث عن حريتها وما يصلح معيشتها ويضمن لها حياة الكرامة بعيد عن القمع والاستبداد، لأن الانسان حر بطبعه يأبى العبودية ولربما يقدم حياته ثمنا للحرية ليستفيد منها هو ويرضاها لمن بعده من أبناء شعبه ووطنه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.