شعار قسم مدونات

الشباب الحر والنائب المجرم

blogs - جبهىة الشباب الحر

في يناير المجيد عام 2011، كان لي الشرف أن أكون أحد القلائل الذين ذهبوا لميدان التحرير من قريتي الصغيرة والمشاركة في أعظم حدث مر على أرض هذه البلاد، وعقب خلع الديكتاتور الفاسد من فوق عرشه، قلت لنفسي إن البداية يجب أن تكون من القرى والنجوع والكفور، ودورنا يجب أن يخرج من القاهرة إلى أهلنا الذين لم يروا الثورة ولم تتح لهم الفرصة لمعرفة ما يدور في وطنهم، فعُدت إلى قريتي مُستلهماً روح التغيير ومتشبثاً بالحلم العظيم في بناء دولة عدل وعلم وكرامة، وقمت بتأسيس مجموعة سياسية من شباب صغير بعضهم في الجامعة والبعض الآخر كان لا يزال في الثانوية والإعدادية، وقمنا بتسميتها "جبهة الشباب الحُر"، تلك الجبهة التي كانت مثار تعجب أهل القرية وما حولها، وكان لها الفضل على بعض الناس الذين يتجبرون اليوم على بعض شبابها.

خلال الشهور القليلة التي أعقبت خلع مبارك عملت على تثقيف هؤلاء الشباب الحُر، فأقمنا عددا من الجلسات التثقيفية والسياسية تناقشنا فيها في كل الأمور العامة لتوضيح ما اختلط عليهم من أمور وما استصعب عليهم فهمه، واستقدمت عدد من النشطاء السياسيين ليتعرفوا عليهم ويستمعوا إلى تجاربهم، وبعدها أخذت الجبهة قرارا بالمشاركة الإيجابية في توعية أهل القرية، وكان القرار بالبدء في حملة توزيع أوراق تثقيف سياسي، وسهرنا ليالٍ في إعداد أول منشور سيتم توزيعه على الناس، جهد كبير في التفكير والكتابة وجمع ثمن الطباعة من بعضنا، حتى أصبحت المهمة جاهزة والأوراق صارت في أيدينا، أول ورقة للتوعية السياسية تعرفها قريتنا في تاريخها، واخترنا أن تكون لتعريف الناس حقوقهم في بلدهم وخيرها الذي كانت تسرقه السلطة منهم وواجباتها نحوها وحمل المنشور اسم "من حقك تعرف حقك"، ووقف الشباب أمام المساجد بعد صلاة الجمعة يوزعون الأوراق على الناس الذين تملكتهم الدهشة والاستغراب والتساؤل عن ماهية هذه الجبهة.

كان من أبرز راكبين تلك الدبابة ذلك الصحفي الصغير، الذي سُرعان ما أصبح أشد المؤيدين للسلطة الجديدة وأكثرهم استفادة منها على الإطلاق، مناصب ومكاسب وملايين من الداخل والخارج، حتى صار بيه من بهوات هذا الزمن العجيب، عضوية برلمان وحراسات ونفوذ أظهرت أصله وحقيقته.

وتبع ذلك المنشور منشورات أخرى عن الفروق والأدوار التي تلعبها المجالس البرلمانية والمجالس المحلية وأهمية كلٌ منهم وكيفية اختيار الممثلين والنواب، وعن الدستور وأهميته وغيرها من المواضيع السياسية التي رأينا أنه يجب توضيحها للناس، سنوات مرت على الجبهة وهي تنشر الثقافة والفن والسياسة، رسمت على الجدران عشرات الجرافيتي ووزعت مئات الأوراق، ثم قامت بتأجير مقر صغير يُجمع إيجاره من أعضائها الصغار، وعقدت داخله ندوات وجلسات تثقيفية -كان أهمها ندوة للدكتورة منى مينا، كما شهدت سنواتها الجميلة تلك الكثير من التشويه والحرب من الجاهلين برسالتها وهدفها أو خصوم سياسيين كانوا يرون في تثقيف الناس خطراً على قوتهم التي بنوها على تلال التجهيل، اتهامات بالتمويل والعمالة وغيرها، ولكنها كانت صامدة بقوة وثبات شبابها المتحمس الخلص.

حتى جاءت الانتخابات البرلمانية، واتخذنا قراراً بالمشاركة فيها ودعم المرشحين الذين يُمثلون حلمنا في الحرية والكرامة، وأخذنا نبحث بين الأسماء المرشحة والقوائم المطروحة، حتى استقر رأينا على دعم أحد القوائم الانتخابية التي رأينا أنها أقرب إلى روح الثورة والتغيير والأجدر بجهدنا، وكذلك دعم أحد الشباب المحترم الثوري، وبدأنا في تجهيز الحملة الانتخابية بطبع وتوزيع المنشورات لنُعرف الناس من نرى أنهم أحق بأصواتهم، ونحذرهم ممن أفسدوا البلاد وسرقوا حقوق العباد الذي عادوا من جديد، وكان رد الفعل إيجابياً للغاية، وبدأنا في التحضير لمؤتمرات جماهيرية، وتطوع صاحب الفراشة في القرية بتكاليف فراشة المؤتمرات، وتطوعنا بالتنظيم وتعليق البوسترات وطباعة وتعليق اللافتات وتوزيع منشورات الدعوة إلى الناس لحضور المؤتمرات، وخلالها تعرفنا عليه، كان أحد أقارب المرشح الذي اخترناه، صحفي صغير يعمل بأحد الجرائد المعارضة وينتمي للتيار الناصري، ولا ينتهي من الكلام الحماسي عن الوطن والحقوق والحريات والقومية والوطنية، وسرعان ما اندمج مع الشباب منبهراً بحماسهم كما أحبوه هم الآخرين.

قصة سيادة النائب الذي تسلق على تعب وجهد المخلصين، وانقلب عليهم وتجبر وتسلط عليهم لم تنتهِ ولن تنتهي هنا، ما زالت هناك فصول ستُكتب، وحقوق ستُرد، ووعد أيها المجرم لن تدوم لك، وسيأتي الوقت الذي تدفع فيه ثمن أفعالك أنت ومن هم على شاكلتك.

حتى انقضت الثورة المضادة على مصر، وجثمت الدبابة فوق جسدها، وكان من أبرز راكبين تلك الدبابة ذلك الصحفي الصغير، الذي سُرعان ما أصبح أشد المؤيدين للسلطة الجديدة وأكثرهم استفادة منها على الإطلاق، مناصب ومكاسب وملايين من الداخل والخارج، حتى صار بيه من بهوات هذا الزمن العجيب، عضوية برلمان وحراسات ونفوذ أظهرت أصله وحقيقته أمام الناس فتكبر وتجبر، وأول من نكل بهم هم أقرب الأقربين، وأبسط الناس، فقام بإخلاء سوق المدينة بتكسير عربات الناس ودهس أرزاقهم لإخلاء مكان لسيارته، وأصبح الناس يتداولون أخباره السيئة يوماً بعد يوم، اختطاف شاب معارض والاعتداء عليه، صفقة فاسدة للاستيلاء على أموال الدولة وصولاً للدفاع المستميت عن التفريط في جزيرتي تيران وصنافير، التي صوت لصالحه مفتخراً بذلك مما دفع أحد شباب الجبهة التي حملته فق أكتافها يوما بالكتابة على الفيس بوك يتهمه بالخيانة ويكيل له السباب تفريغاً لغضبه وألمه واستنكاراً من أن يُصبح مثل هذا ممثلاً ونائباً عن شباب كان أعظم أحلامه الموت في سبيل تراب الوطن الذي فرطوا فيه بكل وقاحة وخسة، فأرسل سيادة النائب لهذا الشاب عددا من بلطجيته وشبيحته الذين اعتدوا عليه وهددوه بالسجن هو وأهله وقطع رزقه، وأجبروه على الاعتذار له، حتى تملك الانكسار والحزن من هذا الشاب الوطني الصغير.

قصة سيادة النائب الذي تسلق على تعب وجهد المخلصين، وانقلب عليهم وتجبر وتسلط عليهم لم تنتهِ ولن تنتهي هنا، ما زالت هناك فصول ستُكتب، وحقوق ستُرد، ووعد أيها المجرم لن تدوم لك، وسيأتي الوقت الذي تدفع فيه ثمن أفعالك أنت ومن هم على شاكلتك من المرتزقة عديمي الشرف، وسيبقى المخلصون رافعي هامتهم في عزة وكرامة مهما بلغ التنكيل بهم.
فسلاماً على جبهة الشباب الحر

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.