شعار قسم مدونات

الأربعاء السوداء بالمحمّرة

Iran's Supreme Leader Ayatollah Ali Khamenei delivers a speech during a ceremony marking the death anniversary of the founder of the Islamic Republic Ayatollah Ruhollah Khomeini, in Tehran, Iran, June 4, 2017. TIMA via REUTERS ATTENTION EDITORS - THIS IMAGE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY. FOR EDITORIAL USE ONLY.

كغيرها من المدن الأحوازية، عانت مدينة المحمّرة-عاصمة إمارة عربستان- من ويلات الثورة الإيرانية، واختلطت دماء أهلها بأسعاف نخيلها العربية، وتسببت في تهجير المئات من سكان المدينة إلى المحافظات الفارسية.

ثمانية وثلاثون عامًا تمضي على مجزرة "الأربعاء السوداء" التي ارتكبها الخميني في 30 مايو/أيار 1979 في مدينة المحمّرة جنوب غربي البلاد، ومازالت المدينة وضواحيها تكتوي بجمر الماضي، حيث كانت مسرحًا لأبشع الجرائم والإبادة الجماعية من تقتيل وذبح وتنكيل وغيرها من الأعمال اللاإنسانية التي ارتكبتها قوات الحرس الثوري-باسداران آنذاك- وقوات التعبئة "الباسيج" بحق العرب الأحوازيين. حينها ذاق سكان المدينة والقرى المجاورة، مرارة العنف الذي بلغ مداه، بفعل الأعمال الإجرامية التي ارتكبتها جماعة الخميني وصارت تخطف الأرواح على الهوية وتقطف قنطارها من النخيل العربية، وخضبت المحمّرة يداها بدماء أبنائها.

يؤكد شعبنا العربي بأن الأمور التي تختص بإنشاء الجيش للدفاع عن حدود البلاد والبرامج الاقتصادية على المدى الطويل، والسياسة الخارجية والعملة والعقود الدولية من اختصاص الحكومة المركزية.

بعد أيام من انتصار الثورة الإيرانية، استبشر الأحوازيون خيرا بالنظام الإسلامي الجديد، فانتقل وفدٌ إحوازيٌ متشكلًا من 30 شخصية عربية في 23 مايو/أيار 1979، إلى طهران للقاء بالخميني، حاملين معهم 12 مطلبًا شعبيًا لكي يتم عرضها على أول حكومة إسلامية تشكلت آنذاك. وترأس الوفد رجل الدين الشيعي والمرجع العربي الشيخ "محمد طاهر آل شبير خاقاني" مذكرًا الخميني بوعوده التي قطعها بمنح الحقوق القومية للشعب العربي الأحوازي الذي لم تهدأ ثورته منذ احتلالها من قبل رضا شاه بهلوي وبتواطئي بريطاني في 20 أبريل/نيسان 1925.

فجاء في نص المطالب الذي قدمه الوفد العربي لحكومة مهدي بازركان أول رئيس وزراء إيران بعد انتصار الثورة: "يقدم وفد الشعب العربي المسلم في إيران مطالب جميع الطبقات الاجتماعية التي تظاهرت من أجلها في المدن والقرى. يجدر الإشارة إلى إنّ هذه المطالب تم تأييدها من قبل "أية الله العظمى شيخ محمد طاهر آل شبير خاقاني"، وتحتوي على الحقوق المشروعة للشعب العربي في إيران حول تقرير مصيره مع الحفاظ على وحدة أراضي جمهورية إيران الإسلامية.

ويؤكد شعبنا العربي بأن الأمور التي تختص بإنشاء الجيش للدفاع عن حدود البلاد والبرامج الاقتصادية على المدى الطويل، والسياسة الخارجية والعملة والعقود الدولية من اختصاص الحكومة المركزية. كما وأن شعبنا يدين جميع المؤامرات بما فيها الانفصال والانفصاليين في مختلف أنحاء إيران. وإنه يدين بشدة الإمبريالية والصهيونية والعنصرية والرجعية، ويرفض سياسة عدم الانحياز وجميع المعاهدات والتنازلات التي تضر بالسيادة الوطنية. ويعتبر شعبنا العربي، إقليم "عربستان" وهو الاسم التاريخي الصحيح لـ "خوزستان" منطقة الحكم الذاتي".

المطالب الأساسية للشعب العربي في إيران هي كما يلي:
1. "الاعتراف بالقومية العربية وبالأحواز كإقليم عربي ودرج ذلك في الدستور الإيراني".
2. "تشكيل برلمان محلي في منطقة الحكم الذاتي لتولي مسؤولية تشريع القوانين المحلية ورصد تنفيذ القوانين، ومشاركة الشعب العربي في الجمعية التأسيسية والجمعية الوطنية وكذلك المشاركة في مجلس الوزراء (الحكومة المركزية) بما يتناسب مع عدد سكانها".

3. "تشكيل محاكم عربية من أجل حل المشاكل التي يعاني منها الشعب العربي وفقا لقواعد نظام جمهورية إيران الإسلامية".
4. "اللغة العربية هي اللغة الرسمية في المناطق العربية، مع الحفاظ على اللغة الفارسية كلغة رسمية في إيران".

5. "تعليم اللغة العربية في المناطق العربية مع الحفاظ على اللغة الفارسية في المدارس والجامعات".
6. "تأسيس جامعات باللغة العربية في المناطق العربية لكي تلبي احتياجات الشعب العربي في إيران. بناء المدارس والمعاهد في جميع المدن والقرى العربية، بالإضافة إلى تخصيص بعثات دراسية خارج البلاد لأبناء الشعب العربي".

نهج واحد استمر عليه خليفة الخميني، علي خامنئي، ومازال يرتكب هو الآخر مجازر أخرى في عموم البلاد بحق الشعوب غير الفارسية كالأكراد والبلوش والآذريين الأتراك.

7. "حرية التعبير والنشر وطباعة الكتب والصحف والبرامج الإذاعية والتلفزيونية باللغة العربية منفصلتا عن التلفزيون الرسمي. في هذا المجال يرفض رفضا باتا التشويش على تلك القنوات".
8. "أولوية التوظيف في القطاعين العام والخاص مع الشعب العربي في إيران، في الخطوة التالية مع الأقليات القومية الأخرى التي ولدت وتعيش في منطقة الحكم الذاتي".
9. "تخصيص كمية كافية من عائدات النفط للتنمية البشرية والصناعية والزراعية والازدهار في المناطق العربية الخاضعة للحكم الذاتي".

10. "إعادة تسمية المدن والقرى والأحياء التاريخية إلى اللغة العربية بعدما تم تغيرها من قبل النظام الفاشي السابق".
11. "مشاركة أبناء الشعب العربي في الجيش والشرطة المحلية في المناطق العربية مع إمكانية ترقيتهم إلى مناصب أعلى في السلك العسكري الذي حرموا منها في النظام السابق".
12. "إعادة النظر في تقسيم الأراضي الزراعية بموجب قوانين الجمهورية الإسلامية، مع احترام الأرض هي ملك الشخص الذي يزرعها".

وعلى الرغم من أن تلك المطالب كانت مشروعة، إلا أن الخميني رفض تلك المطالب وقال جملته الشهيرة "اقتضت المصلحة الإسلامية بأن لا نعترف بتلك الحقوق"، ورفض الحديث مع الوفد العربي الأحوازي باللغة العربية رغم إتقانه لها، مفضلاً التمسك بلغته القومية الفارسية، فأمر باعتقال الشيخ "محمد طاهر آل شبير خاقاني" وفرض عليه الإقامة الجبرية في مدينة "قُم" ليغتال فيما بعد. وأدرك حينها الوفد العربي بأن النظام الجديد لا يختلف تماما مع النظام السابق، فبدأت المجزرة صباح يوم الأربعاء الموافق 30 مايو/أيار 1979، بأوامر مباشرة من المرشد الأعلى وزعيم الثورة، روح الله الخميني، بعدما كلف الأدميرال أحمد مدني وزير الدفاع الإيراني سابقاً الذي عينه رئيس وزراء إيران مهدي بازركان محافظاً للأحواز لارتكاب تلك المجزرة.

راح ضحية مجزرة "المحمرة" أكثر من 800 شهيد بين رجل وامرأة وطفل، وكانت هذه المجزرة فاتحة لسلسلة من المجازر دشن بها الخميني عهده الدموي ضد الشعوب غير الفارسية في جغرافية إيران الحديثة.

وبذلك بدأ الخميني بالإعلان عن ديكتاتورية الحزب الواحد، فانطلقت حملة الاغتيالات والتصفيات الجسدية للرموز الثورية، إذ شن الأدميرال أحمد مدني حملة شرسة على المراكز الثقافية العربية التي تأسست في المحمّرة بعد انتصار الثورة، وبدأت المداهمات والاعتقالات والاغتيالات في صفوف العرب، فضلًا عن تهجير أكثر من 870 أسرة عربية، إلى مدينة مشهد شمال شرقي البلاد. وبذلك، دفعت المحمّرة وقُراها نصيبًا من أبناءها لينضموا إلى قوافل الشهداء.

ويروي ناجون من تلك المجزرة البشعة أن هذه المجزرة قد استمرت ثلاثة أيام على أيدي قوات البحرية الإيرانية والباسيج والحرس الثوري لتفتح نيرانها على المواطنين فألقت بحممها على سكان المحمّرة وراح ضحيتها أكثر من 800 شهيد بين رجل وامرأة وطفل، وكانت هذه المجزرة فاتحة لسلسلة من المجازر دشن بها الخميني عهده الدموي ضد الشعوب غير الفارسية في جغرافية إيران الحديثة. ومنذ تلك المجزرة البشعة التي ارتكبها الخميني في المحمّرة والنظام الإيراني دأب على سياسة تكميم الأفواه وتصفية معارضيه العرب الأحوازيين من خلال الاعتقالات القسرية ومسلسل الإعدامات التي لم تتوقف يومًا، فضلًا عن سياسة التمييز العنصري والتجويع والتفقير والتهميش المتعمد، بشكل ممنهج وبغطاء مذهبي وقومي.

نهج واحد استمر عليه خليفة الخميني، علي خامنئي، ومازال يرتكب هو الآخر مجازر أخرى في عموم البلاد بحق الشعوب غير الفارسية كالأكراد والبلوش والآذريين الأتراك. فهل تتوقف تلك المجازر والانتهاكات وتحصل تلك الشعوب على حقوقها المشروعة؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.