شعار قسم مدونات

السّحرُ الحَلاَل

blogs الابتسامة

مَا أحوجَنَا اليّومَ لِقليلٍ من قطَراتِ الحبّ النّقيِ تَروي قلوبنَا، إلى لحظَاتِ فَرحٍ صَادقةٍ تَتخلّل يَومنَا، ولمَن يُربّتُ عَلى كتفِنَا بيَدٍ حَانية وسَط يومٍ عَصِيب، ولجُرعَاتِ من التّفاؤل تلوّنُ سَواد أيّامَنا فتحوّلُها إلى ألوانِ طيفٍ بهيّ وأحيَانًا ابتسَامَة هَادئة تبعَثُ في أروَاحنَا الكَثير من السّعَادة والأمَل.

فالابتسامة هي السّحر الحَلال هي شَفرة مودّة تُرسلُهَا للنّاس كافّة دون عَناء، حَركَة بسيطَة تُرخِي بهَا تقَاسيمَ وجهِكَ تقَع في قلوب النّاس فتُزيلُ منهَا رُكَام العَدَاوة والبغْضَاء وعلى صَخرة الحقدِ فتذيبُهَا. تلك الابتسامة الّتي حُفرت في قَلبِ جَرير بنُ عبدِ اللهِ البجلي رضي اللهُ عنهُ فتركَت فيهِ أطيَبَ أثرٍ واكتفى بهَا أثمن هديّة من خَير البشَر سيّدنَا محمّدٍ صلّى الله عليهِ وسلّم حيثُ قَال: "ما رآني رَسُول الله صَلّى الله عَليه وسَلّم إلاّ تَبَسّم في وَجْهِي" رواه البخاري. فتلكَ الابتسامة الجَميلة التي كَانت تعلُو محيَاه عليه السّلام جعَلَته محبوبًا بَينَ الخَلائِقِ، فإذا مَا قابلَ النّاس استمَالَت لَه قُلوبُهم وتهَافتت عَليه أروَاحُهُم. وإذا كَان نبيّنا سُليمَان عَليه السّلاَم قد تَبسّم لنملَة في وادٍ عندَمَا سمِعَهَا تحذّرُ قَومَهَا من جَيشِه فمَا يمنَعُكَ أنتَ من التبسّمُ في وجهِ أخيكَ في زمنٍ كثرُت فيهِ الفتَنُ وطَغَت عَليهِ المَادّة.

إنّ الجُودَ لَيسَ بالمَال فَحَسب فابتسامتك في وجهِ أخِيكَ لكَ صَدقَة يَستَطِيعُهَا الغَنيّ والفَقِيرُ على حَدٍ سَواء وهي في وجَهِ النّاسِ دَعوة، قالَ عَليه أفضَل الصّلاة والسّلام: " تبسّمُك في وجْهِ أخيكَ لكَ صَدقةٌ"

تجاوز رماديّتكَ بخُطوة وأنظر إلى العالم من ثقبٍ أبيض مغرَقٍ في الفرح، ابدأ يومَكَ بابتِسامَة وامحُ ذاكَ العبُوسَ عن وجهِك فنفسُكَ أحقُ بأن تدخِلَ عليهَا السُرور فتُشرِق رُوحكَ قبل الشّمس على البَسيطَة. قابِلِ الحَيَاة بابتسامة صَادقَةٍ مهمَا خذلَتكَ فلَنْ تجنِي شيئًا إن تَذَمّرتَ، ولاَ إِن يَئستَ واكتأبت فَلَن يُخَلّفَ ذلِكَ سوَى مَلامحٍ تعكِسُ مَدَى الجمُودِ الذِي أصَابَ دوَاخِلَكَ وتَضِيعُ الابتسامة مِنْك.. فالبَسمَةُ هِيَ دَليلُ رِضَا وإيمَانٍ بقَضَاء الله وقدَره فأجمَل شَيءٍ في الوُجُودِ ابتسَامَة تشقّ طَريقَها وسَط الدّمُوع، ابتَسم تَبتَسم لكَ الحَياة!

ثمّ إنّ الجُودَ لَيسَ بالمَال فَحَسب فابتسامتك في وجهِ أخِيكَ لكَ صَدقَة يَستَطِيعُهَا الغَنيّ والفَقِيرُ على حَدٍ سَواء وهي في وجَهِ النّاسِ دَعوة، قالَ عَليه أفضَل الصّلاة والسّلام: "تبسّمُك في وجْهِ أخيكَ لكَ صَدقةٌ". فلَو ابتسمت في وَجه شَخصٍ مُقطّبِ الجَبينِ عَابِسٍ لَلاَنَ وَجهُه، وفِي وَجهِ آخر تَعيسٍ تغمُرهُ الدّمُوع لخفّفتَ عنه، ولوِ ابتسم البائِعُ في وجهِ زبَائنهِ لغمَرتهُ رَحمَة الله وزَادَ رزقهُ، وقد تجِدُ عيَادة طَبيبٍ بَشوشٍ في وجهِ مرضَاه مكتظّة في حين قد تجدُ أخرى شبه خاوية فقط لأنّ طَبيبهَا لا يعَالجُ النّاس بابتسامته قبل الدّواء، ولَو ابتسم بعضُنَا في وجهِ بعضٍ في أوقاتِ الغضَبِ لَمَرّت تلكَ اللّحَظَات مُرورَ السّحَاب…

الابتسَامة النَقيّة الصّادقة هي سِرّ الجَمال، أنتَ جَميل وثَغركَ البَاسِم أجمَل. فإن قابَلتَ شخصًا فكُن جميلاً وابتسم قبلَ أن تمدّ يدكَ للمصَافحَة فهيَ جواز سَفرٍ للقُلوب وأقصَر الطّرقِ إليهَا، فلا دَاعِي لأن تمدّ يدَكَ إن لَم تَبتَسِم… ابتَسِم في وجهِ المارّة فلو راقبتهُم بعْد تلكَ الابتسامة للمَحتَ أثرَهَا عَليهِم لا محَاله، ولكَم تبسّم في وجهِي أُنَاسٌ! ورغمَ أنّي كُنتُ أبادِلُهُم إيّاها إلاّ أنّي كُنت في بدَاية الأمر أتعجّب لأَمرِهم وعن سَببِ تلكَ الابتسامة ومع الوَقت أدرَكتُ أنّ الابتسامة في وجُوه النّاس ليسَت مُقْتصرةً عَلَى مَن نَعرِف فقَط، بَل هِي ثقافَةٌ نتَعلّمُهَا ورسَالةٌ لا ينبَغي أن تتوقّف عندنَا.

ولكَم رَاقبتُ النّاسَ مِن حَولِي، فمثلاً إذا مَا التقى شَخصَان يتبَادلاَن التَحيّة بابتسامة ثمّ يَنصَرفَانِ كُلّ في طَريقهِ، أتسَاءلُ: كَم سَتدومُ تلك الابتسامة على وجهِهِمَا يا تُرَى؟ ومن خلالِ ذلكَ كنتُ أخمّنُ طبيعَة العلاَقةِ بينهُمَا فإن طَالَ تأثيرُهَا ولو لبِضْعَ خُطوَاتٍ أدرَكتُ أنّهَا صَادقة نَابعَةٌ من القَلبِ وإن زَالَت من فورِهَا سَاءنِي أن أدركَ زيفَهَا، هذا دُون التّعابير السيّئة التي تَلِي ذلكَ عَلى وجُوه آخرين.. ويمكِنُكَ أن تُجرّبَ الأمر بنَفسِكَ وتحكُم.

اجعَل لكَ عَمَلاً إنسَانيًا مختلِفًا ولو بَسِيطًا يدخلُ السّعَادة على غيرِكَ فلذّة العطَاء أعظَمُ من لذّة الأخذِ بكَثِير. مَثًلاً في إحدَى الجَامعَاتِ بمَاليزيَا مُنذُ حَوَالي ثَلاَثِ سَنَوَات، اشتَرطَ أستَاذٌ في مَادّة علمِ الاجتماع عَلى طلاَّبهِ الثلاثُون إسعَاد شَخصٍ وَاحد طِيلَة الفَصلِ للحُصُول عَلى العَلامةِ الكًاملة معَ تقديمِ دَليلٍ مرئي لذَلِك، وفي نهَاية الفَصل نجَحَ جَميعُ الطّلبة واخْتيرَت عَشر أفضَل مُبَادراتٍ بَعدَ عَمليّة تَصويت، كان أفضَلهَا شابٌ اختار إسعَاد زميلٍ له في السّكن الجَامِعي، وكان هذا الشَّاب هنديٌ مُسلم يدرسُ الطبّ لكنّه انطوائي يُمضي الوقت تعيسًا فلم يَرَهُ بَاسِمًا قَط.

 

أدخِل السّرُور عَلَى النّاس ولَو بفعلٍ بَسيط، ولَو بابتسامة نقيّة من القَلبِ فمَا خرجَ من القَلبِ لنْ يستقرَ سوَى فِي القَلب. ابتَسِم في وَجهِ مَن حَولِكَ، في وَجهِ زَوجتِكَ وأطفَالِك، وَالِدَيكَ وأصدقَائِك

بَدأ المُبادرة برسَالةٍ صَغيرة مُحفّزة وضَعهَا تَحتَ بَاب شقّته: "كنت أتطلع في صغري إلى أن أصبح طبيبًا مثلك، لكنّي ضعيفٌ في مواد العلوم، إن الله رزقكَ ذكاء سَتُسهم عَبره بإسعَاد البشريّة"، ثمّ قبّعة ماليزيّة كهديّة.. وهكذَا، وكان في كلّ مرة يراقبُ ردّة فعلِهِ وفعلاً نجَحَ في إسعَاده بل وجَعَل مِنهُ شخصًا اجتماعيا لأنّه كان ينشُرُ ما يتلقّاه من هَدايَا على حسَابهِ في الفَايسبوك، ممّا جعَل صَفحتَهُ تزدَحِمُ بالأَصدقَاء، يُتابعُونه بشغَفٍ ليَعرفُوا نوع الهديّة الجديدة.

 

حتّى أنّه تمّ دعوتُه بعد شَهرينِ مِن هَذَا إلى لقَاء اجتماعي معَ الطّلبة في الجَامعة ليروِي تجربتهُ معَ الهدَايَا حينَ صَرّح أنّ أوّل رسَالة تلقّاها كانت سببًا في متابعَته للدّراسة بعدمَا كَانَ قد قَرّرَ الانصراف عَنهَا والعَودَةَ إلى بَلَدِه، والقصّة لم تنتهِي هنَا… إنّ هَذَا شَابٌ أنقذَ مستقبَلَ زَمِيلِه بفعلٍ بسِيط فَاستَطَاع بذَلكَ أن يُنهِي دراسَتَهُ ليَكُونَ طبيبًا يٌساهِمُ في شِفَاءِ العَديدِ مِنَ المَرضَى، والأمثِلَةُ كثيرَةٌ فِي هَذا السيّاق.

أدخِل السّرُور عَلَى النّاس ولَو بفعلٍ بَسيط، ولَو بابتسامة نقيّة من القَلبِ فمَا خرجَ من القَلبِ لنْ يستقرَ سوَى فِي القَلب. ابتَسِم في وَجهِ مَن حَولِكَ، في وَجهِ زَوجتِكَ وأطفَالِك، وَالِدَيكَ وأصدقَائِك، في عَمَلكَ أو جَامِعَتك… اجعَلهَا الأثَر الطّيّبَ لكَ أينَمَا حَلَلَت، ولاَ تَترُك أحَدًا يَسبقُكَ إلى الله بابتسامة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.