شعار قسم مدونات

علمني ذاكر

blogs ذاكر نايك
"أي بني.. لقد حققتَ في أربعة أعوام ما استغرق مني أربعين عاما". أحمد ديدات رحمه الله
في ولاية مهاراشترا بالساحل الغربي للهند عاش د. عبد الكريم نايك حياة وادعة، في كنف أسرة مسلمة محافظة، يمارس مهنة الطب والتعليم بعيدا عن الأضواء، وبينما هو يخطو نحو الأربعين ازدانت الحياة بمولود جديد، فعم البشر أرجاء البيت السعيد، ولعمق معاني الإيمان والعاطفة الجياشة نودي السعد بـ"ذاكر"، فكان له الذكر الخالد في الدنيا، ونسأل الله له المقام الرفيع في الأخرى. درس "ذاكر" مراحله التعليمية الأولى مع صعوبات في التعلم، وعقد في النطق، وكانت كل أماني الأب الحنون أن يشاركه ابنه مهنة الطب، وهو ما حصل بالفعل، حيث تخرج في الطب والجراحة، ومارس المهنة عدة أعوام.

وفي أواخر عقد الثمانينيات من القرن الماضي زار مدينة مومباي الداعية الكبير ذو الأصل الهندي الشيخ أحمد ديدات رحمه الله، فكانت بداية طريق الدكتور "ذاكر" نحو النجومية والعالمية، حيث عكف على علم مقارنة الأديان، وعمّق معارفه عن الإسلام وشبهات خصومه، وما هي إلا سنوات حتى حاز صاحبنا قصب السبق، واستظهر كتب الديانات السماوية، والديانات الوثنية الأرضية، متفوقا على أستاذه ديدات، الذي وشحه قبل أن يسلم الروح إلى باريها بلقب "ديدات الأكبر"، وناوله الراية، راية المنافحة عن الدين وقمع المعاندين، ولم يخف مشاعره تجاه تلميذه النجيب، بل ناداه: "أي بني، لقد حققتَ في أربعة أعوام ما استغرق مني أربعين عاما، الحمد لله"، وبقي لواء هذا العلم الشريف خفاقا في سماء الهند، من "رحمة الله" صاحب "إظهار الحق" إلى ذاكر نايك داعية "السلام".

ومع بداية تسعينيات القرن الماضي بدأ الدكتور ذاكر يغادر مهنة الطب ويتجه للدعوة الإسلامية، حيث أنشأ مؤسسة البحوث الإسلامية (Islamic Research Foundation – IRF)، فانحلت عقد اللسان، وأضحى الشاب اليافع مالئ الدنيا وشاغل الناس، وتم تداول حواراته العلمية ومناظراته على نطاق واسع في قارات الدنيا، وأسلم على يديه خلق كثير، وبثت برامجه لأكثر من 100 دولة، وهزم عتاة القساوسة بالضربة القاضية، وتحدى بابا الفاتكان فلم يحر جوابا.

علمني ذاكر أن أصحاب المبادئ والدعوات بحاجة لعلم عميق، واطلاع واع على أدوات العصر ووسائله، وفهم للمدعوين ومد جسور التواصل معهم. علمني ذاكر أن العمل المؤسسي المنظم شرط للنجاح في عالم اليوم.

وذات ضحى من صيف 2002 حضرت في الدوحة لقاء علميا ضيفه ذاكر نايك، وكانت موجة من الفرح العارم تجتاح المكان، والكل ينتظر بفارغ الصبر إطلالة الضيف الكبير، الذي عرفته منابر الخليج محاضرا، لا تستوعب جمهوره غير الساحات ومدرجات الملاعب، وكنت أرسم في مخيلتي صورة لهذا العملاق الذي هزم الكبار، وأُلبسه من صفات القوة والصرامة ما تسعفني به الذاكرة.

وما هي إلا لحظات حتى دلف إلى القاعة، كان رجلا نحيل الجسم لم يصل بعد سن الأربعين، مشوبا بسمرة، عليه سكينة ووقار، دائم البشر باسم المحيا، جم التواضع، ملتزما بشعائر الإسلام الظاهرة دون تساهل، متوسطا في ملبسه، قليل الكلام، ينصت بتركيز واهتمام بالغ، قوي الشخصية في حياء وخفض جناح، ولم ينفضّ اللقاء إلا وقد تسلل حبه للقلوب دون استئذان.

وبعد هذا اللقاء كنت أتابع باهتمام جهود هذا الرجل الظاهرة، الذي علمني الكثير، وإن كنت لم أشرف بصحبته والجلوس بين يديه لتنائي الديار، فإن ميثاق الحب يصلني به، وبالغ الود يسري بي من شنقيط إلى مومباي، فتحية إجلال واحترام لفارس الكلمة النبيل، التقي النقي الطاهر الأستاذ الذاكر الكريم "ذاكر بن عبد الكريم".

لقد علمني الدكتور ذاكر أن العمل للدين ليس حكرا على الشرعيين، فليس للإسلام رجال دين، وإنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم، والميدان فسيح لأصحاب الهمم، وحسب كل امرئ ما يحسنه. علمني الدكتور ذاكر أن شرط الداعية الناجح: صلاح الظاهر وصلاح الباطن، والإيمان العميق بما يدعو إليه، والبعد عن الانهزامية والتردد، والمضاء في عزم وثبات. علمني الدكتور ذاكر كيف يواجه صاحب المبدأ ضغط الخصوم، دون أن يتنازل أو ينكر بعض دينه، أو يقبل جر دعوته إلى "قفص الاتهام"، معتمدا الهجوم وسيلة للدفاع.

علمني ذاكر أن أصحاب المبادئ والدعوات بحاجة لعلم عميق، واطلاع واع على أدوات العصر ووسائله، وفهم للمدعوين ومد جسور التواصل معهم. علمني ذاكر أن العمل المؤسسي المنظم شرط للنجاح في عالم اليوم، وذلك برصد كل الطاقات وتوظيفها نحو الهدف، لقد عمل الدكتور ذاكر من خلال فريق متكامل منسجم، بدأ بعائلته الصغيرة (فرحات، فريق، رشدة)، وانتقى مساعديه من طلبة العلم وخريجي الجامعات الإسلامية، يقدمون الخدمات المساندة والدعم اللازم للشيخ، ويتابعون المهتدين ويتعاهدونهم.

اتهم الشيخ ذاكر بالإرهاب! لمجرد أن أحد منفذي هجوم دكا متابع للشيخ في الواقع الافتراضي! متناسين أن الشيخ يتابعه الملايين مسلمين وغير مسلمين، وليركب الموجة حانقون من الهندوس والرافضة فيرصدون الجوائز لمن يغتال الشيخ.

علمني الدكتور ذاكر أن التوظيف الواعي للإعلام والاستثمار في التعليم ضرورة، لقد أنشأ الشيخ قناة السلام Peace TV، وكان كثير الحضور بوسائل الإعلام المختلفة، مع تأسيسه ورعايته عدة مشاريع تعليمية ودعوية. علمني ذاكر كيف يقدم الناجحون دعوتهم بيضاء نقية دون تفلسف أو تمييع، حتى استوى في فهم دعوة الشيخ الكبير والصغير والعالم والجاهل، لذا عم نورها الآفاق.

علمني الدكتور ذاكر أن الحوار والمناظرة مجرد وسيلة، والغاية الكبرى إيصال الخير للمدعوين، لقد كان حريصا في كل لقاءاته على تسجيل الأهداف، ولم يكن يهمه الاستعراض ولا التمريرات الساحرة. علمني ذاكر أن حضارة الطين تضيق ذرعا بقوة المنطق، ولا تفهم غير منطق القوة!، فرقي أسلوب الشيخ في الدعوة وتخصصه في مجال محدد لم يشفعا له، بل شُنت عليه حملات إعلامية جائرة في الغرب، ومنع من زيارة بعض الدول.

ولأن دول الشرق تابعة لهوى الغرب اتهم الشيخ بالإرهاب! لمجرد أن أحد منفذي هجوم دكا متابع للشيخ في الواقع الافتراضي! متناسين أن الشيخ يتابعه الملايين مسلمين وغير مسلمين، وليركب الموجة حانقون من الهندوس والرافضة فيرصدون الجوائز لمن يغتال الشيخ. وفي لمح البصر أدرج العالم المنافق اسم الدكتور في قوائم المطلوبين للأنتربول، مما أثار موجة عارمة من الغضب استنكارا لهذا القرار الجائر، فحقق ذلك نصرا للشيخ، وأعاد الاهتمام به وبدعوته، فزادت مشاهدات برامجه، وصدق الشاعر:
وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت أتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار فيما جاورت ما كان يعرف طيب عرف العود
إن هذا الحدث الجلل والاستهداف المباشر للدين وحملته، لا يجوز أن يمر دون موقف صارم شجاع على كافة الصعد، وعلى أهل الذكر والفكر أن يشكلوا جبهة تقود حراك صد العدوان وترشده.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.