شعار قسم مدونات

المتشيعون بلا مهدي

blogs علامة النصر

أحداث الخلافات الخليجية البينية تستدعي أسئلة الثورة والإصلاح والتغيير دائمًا، لأن التاريخ القريب لبدء تلك اللحظات كان مع انطلاق ثورات الربيع العربي الموؤدة، لتتمايز الجبهات الآن بعد 6 سنوات من الثورة والحرب والدماء بين معسكر اصطف لوأد الثورات العربية وبجانبها أي أمل في مسألة التغيير والإصلاح في مقابل "جناح التغيير" الثوري منه مع الإصلاحي، وبجانبه أية دول أو كيانات خالفت إجماع الخريف المضاد ولو بالتعاطف مع ربيع الثورات.

 

لكن فيما أعتقد أن هذه التقلبات الإقليمية ليست جديدة على المنطقة أو تحالفاتها، فتلك دول تتعامل بأساليبها واستراتيجياتها، وتجيد كل منها الدفاع عن مصالحها، هذا بالإضافة أن قوى الاستبداد وعروش الديكتاتورية قديمة في المنطقة، والربيع العربي هو الاستثناء، وإدراك ذلك لا يحتاج إلى خبراء، لذا على قوى الربيع العربي بكافة مكوناتها وخرائطها المعقدة أن تتعرض للسؤال الحقيقي وهو "أين دورها مما يحدث في الإقليم والعالم؟".

 

هذا السؤال الذي يهرب منه الكثيرون خلف شعارات الاصطفاف والتحليل والقراءة، هربًا من سؤال الفعل والتأثير، جناح التغيير في المنطقة بثورييه وإصلاحييه وأشياعهم، لم يجيبوا للشعوب حتى الآن عن هذا السؤال المحير.

 

الطامة الكبرى أن أنصاف السياسيين، وأنصاف الموهوبين، وأنصاف كل شيء مع كل هذا التغيير الذي يحدث من حولهم لا زالوا محتفظين بمواقعهم وأوهاهم وتكلسهم، ويثقون بأنفسهم ثقة عمياء لا مثيل لها، بالرغم من أنهم خسروا كل المعارك التي خاضوها باسم الثورة

بالنظر إلى ظروف المنظومة الدولية سنجد هذه الماكينة العملاقة في مأزق، وبالتبعية ندرك مأزق منطقتنا كون هذه المنظومة هي صاحبة التأثير الأكبر على القرار في منطقة الشرق الأوسط، وما تعانيه من تقلبات وتقلصات ينعكس علينا بشكل مباشر، من صعود لليمين المتطرف في مختلف البلدان الغربية، مصاحبًا لذلك صعود نغمة الإسلاموفوبيا مشفوعة بـ "مكافحة الإرهاب"، وتردد القوى الدولية في نزاعاتها المتعلقة ببلدان الشرق الأوسط.

 

بالعودة إلى جناح التغيير في المنطقة مع كل هذه المعطيات، نرى جليًا تقلص مساحات الهوامش لفعل هذا الجناح بشتى ألوانه، والذي قررت أنظمة عربية الإجهاز عليه أو "بقاياه" وداعميه من الدول مهما كلفها ذلك الأمر، مدعومين من سعار المنظومة الدولية الجديد، ومستغلين لهذه اللحظة التي سيمارسون فيها هوياتهم الاستبدادية دون صداع حقوق الإنسان الغربي.

 

هذه الظروف وبلا شك كانت ولا زالت تحتاج من أشياع الربيع العربي وقادة التنظيمات التي خاضت تجربته -سواء من الإسلاميين أو العلمانيين أو غيرهم من النخب التي بقيت تؤمن برماد هذا الربيع الذي يمكن أن يشتعل في أي لحظة أخرى- أن تكون على مستوى هذه التغيرات التاريخية، وأن تحترف السياسة التي تخلق هوامش وتستفيد من الداعمين، وتنفذ من بين المتناقضات الإقليمية والدولية لصالح صناعة حالة إنقاذ لـ "مشروع التغيير" ضد ما يجتاح المنطقة من جنون، ولو على أقل تقدير إبقاء المشروع على قيد الحياة باستخدام أساليب سياسة محترفة.

 

لكن واقع الحال يقول أن هذه القوى أدمنت أن يخوض الغير معاركها، وأن ينتصر لها أو يتفاوض باسمها، أو يناور لها، فيما تكتفي بموقع المشاهد والضحية، مع ممارسة بعض من طقوس المظلومية ذات التأثير على الأتباع.

 

سنظل في مقاعد المتفرجين على مباريات العملاقة، حتى وإن تشكلت قواعد جديدة للعبة وخرائط أخرى ألف مرة، سيظل من يفعل هو القادر على أن يكون في الصورة التي تتشكل، أما الغارقين في مظلومياتهم ورومانسيتهم فلا

لم يدرك هؤلاء بعد أننا غادرنا حقبة اندلاع الربيع العربي وما قبله من سنوات سمحت فيها المنظومة الدولية بهوامش حركة بغرض الموازنة، تلك الهوامش التي استغلتها الحركات السياسية المعارضة في البلدان العربية وفي مقدمتها الحركات الإسلامية، ومن هنا أنتج هذا العهد هذه الوجوه النخبوية التي تصدرت الربيع العربي حتى وأدته بسذاجتها وتواطئها، ولم تنتقل حتى اللحظة إلى أرض المعركة، وظلت هائمة في لحظات رومانسية الثورات.

 

الطامة الأكبر أن هؤلاء أنفسهم أنصاف السياسيين، وأنصاف الموهوبين، وأنصاف كل شيء مع كل هذا التغيير الذي يحدث من حولهم لا زالوا محتفظين بمواقعهم وأوهاهم وتكلسهم، ويثقون بأنفسهم ثقة عمياء لا مثيل لها، بالرغم من أنهم خسروا كل المعارك التي خاضوها باسم الثورة، فلا ثورات أنقذوا ولا في سياسة فلحوا. هؤلاء هم الذين يريدون أن يكونوا طحين في المعركة من قبل أن تبدأ، المظلومين فقط في الحياة، الطرف الخاسر دائمًا، المنتظرين للمخلص، المتعبدين بانتظار مهديهم الذي لا يخرج أبدا، حتى تحولوا إلى متشيعين بلا مهدي.

 

طالما نهرب من سؤال أين نحن من كل هذه الأحداث، سنظل في مقاعد المتفرجين على مباريات العملاقة، حتى وإن تشكلت قواعد جديدة للعبة وخرائط أخرى ألف مرة، سيظل من يفعل هو القادر على أن يكون في الصورة التي تتشكل، أما الغارقين في مظلومياتهم ورومانسيتهم فلا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.