شعار قسم مدونات

الحبل الأخير..

blogs إطعام الطيور

على الفيس بوك، يسن ذلك "البابليك فيج" أسنانه، يخوض في عرض هذه، ويذم في هذا، يسب هؤلاء ويعيب على هؤلاء، لم؟ لأنهم اختاروا منهجًا غير منهجه، وطريقًا غير طريقه، لكن كيف يجرؤون؟ كيف يخرجون عن طاعته؟ وكيف يفكرون بغير عقله؟

 

إنه الانتقام… ألسنة حداد يسلقون بها المسلمين ويخوضون في أعراض الفتيات، لا لكفر والعياذ بالله، ولا خروج عن الدين، ولكنه دين القرية لا يطيق دين المدينة، ودين المدينة لا يطيق دين القرية، رغم أن الأصول واحدة والجذور واحدة، إلا أن الفروع تختلف وتتفرع بما يناسب كل بيئة وبما يناسب المكان والزمان فلماذا نصر على تقليم الشجر ليكون هيئة واحدة؟ بلا مراعاة لخلقة الله وللوظيفة وللمكان والإمكان والزمان..

 

عندما قدمت إلى اسطنبول، كنت أشعر بالغضب عندما أرى النساء، فعلى الرغم من الحجاب الرائع كان يغيظني منظر الجيبات والبناطيل القصيرة، فيظهر جزء من القدم، أقول "يعني جت على الكام سنتي دول؟" ظللت أشعر بالغضب حتى جاء شتائي الأول، كنت في الجامعة وأنهيت فصلي متأخرًا خرجت لأفاجئ بعاصفة ثلجية ومطر شديد ومشيت فقط حتى مواقف السيارات، عندما وصلت كانت ملابسي قد ابتلت حتى ركبتي وتجمدت بفعل الثلج، أما كف قدمي فتحول للون الأزرق وظللت في منزلي عدة أيام أعالج ما حدث لقدمي، وفي نفس الفترة عالجت طريقة تفكيري وفهمت أن "أهل اسطنبول أدرى بصقيعها ومطرها"..

 

بعض الناس تسعى لله من إطار العلم الشرعي، بعضهم يسعى من إطار العلم الدنيوي، بل إني رأيت بعض الناس يعرفون ويسعون لله من زراعتهم للنباتات ووضع الماء للعصافير، كل يسعى بحسب ما يستطيع، وما يفهم، ما يدركه عقله وروحه وقلبه

وهكذا تعلمت من كل بلد أزورها، أن ديني فعلًا صالح لكل زمان ومكان، لأن أصوله ثابته، لأنه لا يخلعهم من ثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم خلا ما فارق التوحيد وعاداه، بل يصبغ هذه العادات والتقاليد بصبغة الإسلام، دين لا يستعمر معتنقيه ولا يطلب منهم أن يحولوا وجوههم لبشر ويتبعوهم بل يطلب منهم أن يرفعوا وجوههم للسماء ولا يتبعوا إلا ما أنزل الله على رسوله..

 

في زمننا هذا يتكسر كل شيء، فلا تعليم لا ديني ولا غيره، يصبح الرعاع والخونة هم رعاة الدين وحماته، والباقي في السجون أو القبور، يعلم الفسقة الناس أمور دينهم، يفعلون كما قال ابن القيم في مقدمة كتابه "مدارج السالكين": "أنزلوا النصوص منزلة الخليفة في هذا الزمان. تمسكوا بأعجاز لا صدور لها، فخانتهم أحرص ما كانوا عليها، وتقطعت بهم أسبابها أحوج ما كانوا إليها. حتى إذا بعثر ما في القبور، وحصل ما في الصدور، وتميز لكل قوم حاصلهم الذي حصلوه، انكشفت لهم حقيقة ما يعتقدون…" ولا أعرف ما كان يقول لو كان في زماننا، زمان تنقض فيه عرى الإسلام عروة عروة، وتصبح علاقة الناس فيه شديدة الهشاشة فلا يستقيم لهم أمر دينهم ولا دنياهم، فيخرج الدين من إطار الممارسات التعبدية إلى إطار آخر مهتز ومتأزم، فيسعي بعضهم للوصول، ولهذا السعي ألف باب وباب..

 

بعض الناس تسعى لله من إطار العلم الشرعي، بعضهم يسعى من إطار العلم الدنيوي، أو المدح النبوي، أو التأمل في خلق الله، أو العمل الجدي بإخلاص، أو مساعدة الفقراء، أو نشر العلم، بل إني رأيت بعض الناس يعرفون ويسعون لله من زراعتهم للنباتات ووضع الماء للعصافير، كل يسعى بحسب ما يستطيع، وما يفهم، ما يدركه عقله وروحه وقلبه..

 

يجب أن يتيح الناس مساحة للبشر في الاختلاف والتنوع بما يناسب ثقافتهم وعاداتهم، وأن يدركوا أن شهادة ألا إله إلا الله والعمل بها هي أسمى ما يمكن للإنسان أن يسعى إليه، وأن يدركوا أن المسلمين قد زحزوا عن دينهم وأن الفتنة أكبر مما نستطيع احتماله

في هذا السعي وهذا الكد في هذه الدنيا وهذه الظروف قد يكون هذا السعي وهذا الباب هو آخر الأبواب، وآخر الحبال نتعلق بها وندق أبوابها لعل الله يفتح علينا أبواب الإيمان به، ومعرفته، وحسن القرب منه، بعض الناس المذكورين في بداية المقال يتقنون تقطيع الحبال وكأن الشيطان قد مضى معهم عقود احتراف بإخراج الناس من دين الله لسواه، بالسخرية والتنمر والسباب لأنهم اتخذوا طريقًا آخر، ربما يكون هو الأنسب لهم ولحياتهم ولربما كان هو طريقهم للجنة.. ولو أن الناس انشغلوا بما يكتب في صحائفهم عما يكتب في صحائف الآخرين لفازوا فوزًا عظيمًا..

 

ولا يعني هذا أن يتخلى الناس عن شعيرة الإسلام "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" بل أن يتيحوا مساحة للبشر في الاختلاف والتنوع بما يناسب ثقافتهم وعاداتهم، وأن يدرك الناس أن شهادة ألا إله إلا الله والعمل بها هي أسمى ما يمكن للإنسان أن يسعى إليه، وأن يدركوا أن المسلمين قد زحزوا عن دينهم وأن الفتنة أكبر مما نستطيع احتماله وأن يتذكروا دائمًا "ويمسي كافرًا" ونعوذ بالله أن نكون سببًا أو طريقًا يودي بالمسلمين إلى غير الجنة..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.