شعار قسم مدونات

احذر.. كافكا قد يقتلك

blogs - كافكا
لاحظت زوجتي التوتر والقلق الذي لازمني طوال الأسبوع الفائت، كذلك لاحظت أنا، فمنذ بداية الأسبوع وأفكاري مضطربة وأصابتني حالة اكتئاب غريبة، ظننتها في البداية من إحدى حالات الاكتئاب الدورية التي تصيبني عادة لكنها لم تكن كذلك، حاولت معالجة هذا القلق بداية كما أفعل دائما بأن أقرأ أكثر وأكثر، لكنني اكتشفت أنني في هذا الأسبوع بالذات كلما قرأت كلما ازداد اضطرابي، فتوصلت أخيرا إلى أن سبب حالة الاكتئاب القاتلة هذه ما هي إلا نتيجة حتمية للكتاب الذي كنت أقرأه، والذي لم يكن إلا “أعمال كافكا الكاملة“. 

هي ثلاثة أجزاء كل جزء يحوي مجموعة من قصص وخواطر الكاتب كافكا الذي لم يحالفه الحظ – أو ربما لم يحالفنا نحن الحظ – ليعيش أكثر من أربعين عاما، أربعون عاما تنازعته فيها ثلاثة وحوش شكلت شخصيته وجعلته يعيش حياة سوداوية كابوسية حولها لقصص وروايات أصبحت من أعظم ما كتب في القرن العشرين، أما الوحوش الثلاثة فلم تكن إلا والده ووظيفته ومرضه. والده المتسلط الذي تسبب في ضعف شخصية فرانز ومن خوفه وقلقه المستمرين ووظيفته الروتينية التي كرهها من أعماق قلبه والتي سرقت منه ساعات حياته التي تمنى لو قضاها فيما كان يحب، ومرضه الذي سلب حياته.

قراءة قصص وكتابات كافكا بشكل عام صعبة جدا، فهي مليئة بالرموز والإيحاءات الصعبة والتي أشغلت مئات الأكاديميين في كل أنحاء العالم في محاولات فك طلاسمها وفهم مغزى كافكا منها، عدا عن أن جزءا ليس بقليل منها لم ينهه كافكا بشكل يرضيه هو، فظلت بذلك نهاياتها غير مكتملة تثير الرعب والقلق في نفس قارئها.

الصعوبة في الترجمة جعلت قراءة وفهم بعض قصص كافكا مستحلية، فيكفي أن نعرف أن قصة كافكا “المسخ“ قد أحدثت خلافا كبيرة بين المترجمين العرب لمجرد إيجاد الكلمة الصحيحة لعنوان القصة.

من أكثر ما جذبني في مجموعته قصة العرين، وتحكي قصة مخلوق غريب حفر له عرين تحت الأرض ليحتمي فيه من أعداء وهميين، وسخر هذا المخلوق حياته بأكملها في صيانة هذا العرين وإصلاحه وانتظار هجمات مرتقبة وتغيير خططه في كل مرة يسمع فيها صوت حسيس صادر من أعماق الأرض، قصة مرعبة حقيقة تصور حالة الإنسان الذي قد يصاب بهوس أو اضطراب ما يسرق عمره في محاولات فهمه والحفاظ عليه.

قصة أخرى ليست بأقل أهمية هي قصة فنان الجوع وهو شخص يهوى تجويع نفسه مما جعله يشارك في العروض المسرحية وعروض السيرك ليشاهده الناس وهو ممتنع عن الطعام لعشرات الأيام. تمر الأيام وينسى الجميع فنان الجوع الذي غاص من التعب في كومة القش في القفص الذي كان يقيم فيه فيظنه الجميع قد مات، لكن حين يحاولون إزالة جثته ليضعوا مكانها نمر إفريقي مرقط يستيقظ ويفتح عينيه بصعوبة ويقول لمن يحيطون به “أتدرون لماذا كنت أحرم نفسي الطعام طوال حياتي؟ لأني لم أجد الطعام الذي أرغب فيه“.

كتب كافكا كتاباته بلغة قديمة وصعبة جدا مما زاد عملية ترجمتها صعوبة وحساسية، فكاتب القصص الرمزية تجده يواري أفكاره خلف المصطلحات التي ينتقيها بعناية من لغته الأم، فمن يقرأ على سبيل المثال رواية أولاد حارتنا يجد أن نجيب محفوظ لم يختر أسماء الشخصيات اعتباطا وإنما بشكل ذكي للغاية يتناسب ومعناها باللغة العربية مع دورها في الرواية. هذه الصعوبة في الترجمة جعلت قراءة وفهم بعض قصص كافكا مستحلية، فيكفي أن نعرف أن قصة كافكا “المسخ“ قد أحدثت خلافا كبيرة بين المترجمين العرب لمجرد إيجاد الكلمة الصحيحة لعنوان القصة.  ختاما أقول إن قصص كافكا كالحبوب المهدئة، واحدة منها ستهدئك أما جميعها فستقتلك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.