شعار قسم مدونات

فقاعات وأوهام.. 30 يونيو لم تكن موجة يسارية حمراء

BLOGS - الجيش المصري
تأبى أن تمر هذه الذكريات سيئة السمعة دون اشتباك، ذكريات أنهار الدماء والهزائم، والفشل الاجتماعي والسياسي، وبداية فصل جديد من قصة العسكرتارية الحاكمة في مصر، على هامش كل هذا تبقى الأسئلة مزدوجة الإجابات، وتظل بعضها بلا إجابات من الأصل، في حين لا يزال السؤال المطروح: من أطفأ الأنوار على الثورة؟

لا يعنيني هنا تحديدًا التلاوم والتلاسن الحادث، بقدر ما أعني بعدم تلبيس تاريخ ما حدث بفقاعات وأوهام تمنعنا من قراءة "الهزيمة" بشكل صحيح ربما يفيدنا في معركة مستقبلية، فكما ينظر بعض الإسلاميين للحظة 30 يونيو وما بعدها طوال 4 سنوات بسذاجة وسطحية وبحث عن الإجابات المباشرة السهلة لسؤال ماذا حدث؟ يطل علينا الآن من أقصى اليسار المحاولين إلباس اللحظة الرداء الأحمر عنوةً.

كما أسلفت في عدة مواضع أخرى أن هناك محاولات لغسيل اليد والسمعة مما حدث في 30 يونيو وما تلاه من انقلاب عسكري ومجازر بظهير مدني من قوى معارضة الإخوان، منها ما هو دائر مؤخرًا حول مدى شعبية وشعبوية 30 يونيو وانقلاب 3 يوليو، وصعود الجنرال المملوك إلى سدة الحكم.

هذه اللحظة التي تهربون منها، أطلق عليها بعض رفاقكم مصطلح "انقلاب عسكري مكتمل الأركان" من أول وهلة، وهؤلاء للأسف لن تستطيعوا تصنيفهم على الإسلاميين، لأن هناك أوهامًا في أذهانكم قولبت كل من رفض 30 يونيو على أنه من الإسلاميين ودوائرهم.

إن محاولة غسيل اليد والسمعة التي تحدث بالقول إن 30 يونيو والانقلاب وصعود السيسي للحكم، لحظة شعبية خالصة، هو محض تدليس متعمد، ومحاولة لنزع كافة السياقات الأخرى من الحدث، لصالح إثبات براءة مجموعات مدنية ويسارية من تبعات تحالفهم اللحظي مع عسكرتارية يوليو، تحت شعار "التخلص من الإسلاميين".

هنا لحظة إنكار وليست لحظة فهم، والدليل يمكننا القول بأنه لا ينكر عاقل تشكل جبهة شعبية رافضة للإخوان بالفعل على وقع عام متخبط من الحكم، ناهيك عن العدوات الأيديولوجية التقليدية، ورفض جسد الدولة العميقة إلى أي مكون إخواني ولفظه، وتحشيد إعلامي مع أو ضد، وفشل إخواني صريح في إيجاد مخرج ثوري أو إصلاحي سياسي تفاوضي، ودور غير خفي للأجهزة السيادية في المعركة.

هذه سياقات متشابكة ومعقدة، ومن ينتقي منها واحدًا دون الآخر فهو مدلس متعمد التدليس، يستوي في ذلك من يقول من داخل الإسلاميين أن ما حدث كان "فقط" نتاج محاولات الإفشال التي تعرضوا لها طوال عام، في إنكارٍ تام لبديهية محاولات الإفشال في بلد بتاريخ مصر وحتميتها وفشلهم في التعامل معها، وفي إهمالٍ تام لأهمية اللحظة الثورية التي حملتهم إلى الحكم بعدها.

ويستوي في ذلك أيضًا اليساري صاحب الرداء الأحمر الذي يريد أن "يلبسنا عمه" بقوله أن ما حدث كان نتاج ثورة وهبة شعبية عارمة ضد الفاشية الدينية وما إلى آخره من الرطانات والديباجات اليسارية الفارغة من أي مضمون للواقع، والتي تضخم في الواقع دور مجموعات مدنية يسارية في لحظة 30 يونيو، في حين لم يتعد دورها في الحقيقة سوى الاستخدام ثم الدهس بالبيادة.

خدعوك فقالوا إن ما حدث في 30 يونيو وبعده الانقلاب العسكري كان نتاج بعض اجتماعات حركية لهوامش يسارية قبل 30 يونيو، في إغفالٍ للاجتماعات ذات الأهمية الكبرى التي عُقدت في سفارات دول خليجية، ومباني الأجهزة السيادية.

ولا أدري أي موجة ثورية حمراء تلك التي تؤيدها وتمولها "أنظمة رجعية" بحسب التصنيف اليساري كالسعودية والإمارات، ولا أدري أي ثورة تلك التي تؤيدها مؤسسات الدولة، وفي مقدمتها الأجهزة الأمنية ومؤسسة الجيش عن بكرة أبيها.

كل محاولات تلبيس التحركات في الشارع رداء الشعبية وفقط، هو هروب متعمد من السياقات الزمنية والواقعية التي حدثت على هامش كل تحرك شعبي، ولا ينبغي التذكير هنا باعترافات العائدين من غياهب وسكرات 30 يونيو.

إذا كان بعض الرفاق الحمر يريدون أن يهربوا من مأزق استخدامهم في حشود 30 يونيو، عليهم أن يبحثوا عن مغالطات منطقية أكثر "شياكة" من هذه الحجج المتهافتة. نحن لا ننكر اللحظة الشعبية التي حدثت، ولا ننكر أيضًا من حشّد لها ومولها واستخدم فيها اليسار واليمين على حد سواء، ففي هذه اللحظة العجيبة التي تدافعون عنها دفع اليمين الرأسمالي وتظاهر اليسار الأحمر بهوامشه داخل جسد شعبي أكبر، مجتمعين على هدف إزاحة الإسلاميين.

هذه اللحظة التي تهربون منها، أطلق عليها بعض رفاقكم مصطلح "انقلاب عسكري مكتمل الأركان" من أول وهلة، وهؤلاء للأسف لن تستطيعوا تصنيفهم على الإسلاميين، لأن هناك أوهامًا في أذهانكم قولبت كل من رفض 30 يونيو على أنه من الإسلاميين ودوائرهم، وللأسف هذه المرة المصطلح اتفق عليه عقلاء من أقصى اليسار.

تلك المجموعات اليسارية التي تتعالى أخلاقيًا بشكل دائم على من حولها، ترفض الآن في مراجعاتها الجوانب الأخلاقية والمعيارية لتحليل ما حدث في 30 يونيو، كما أن تلك المجموعات الرافضة للسياسة وآلياتها بعد 25 يناير، هي التي تسلقت قمة الانتهازية والبرجماتية وتحالفت مع الجيش والأمن والرأسمالية المُمَوِلة في لحظة 30 يونيو، من أجل إزاحة الإخوان.

لا بأس في التحالفات والانتهازية وكل هذه الأمور التي نستطيع تفهمها جيدًا، فتلك هي السياسة التي تنكرونها على الإخوان، أما وبعد فشل التحالف وهدم معبد السياسة على رأس الجميع، تأتي لتغسل يدك مما حدث، فتلك خسة وفشل حتى في الانحطاط، فلا تعاقبونا على فشلكم في التحالف مع الجيش، كما لا يحق للإخوان أن يعاقبونا كذلك بنفس الذريعة.

وعليه، فكل محاولات تلبيس التحركات في الشارع رداء الشعبية وفقط، هو هروب متعمد من السياقات الزمنية والواقعية التي حدثت على هامش كل تحرك شعبي، ولا ينبغي التذكير هنا باعترافات العائدين من غياهب وسكرات 30 يونيو ولا يتسع الوقت لاستعراضها، هؤلاء الذين فتشوا أسرار تلك الحقبة، ولقد شبعنا من هذه الأحاديث.

من وُعد بالتخلص من الإخوان و"التمكين" كانت الرموز المدنية التي حمل بعضها التوجه اليساري، ومن انقلب عليهم زعيم العسكرتارية بعد ذلك هم نفس الأشخاص الذين قادوا المعارضة إبان فترة مرسي بيسارييهم وليبرالييهم.

شارك في الجريمة من اعترف في البداية بمسار خُط ليصل بالجنرال إلى كرسي الحكم، ومن شارك في انتخابات رئاسية صورية، وانتخابات برلمانية أعدتها الأجهزة السيادية، في حين رفض أي مسار سياسي حقيقي وقت حكم الإخوان.

هذا الانقلاب الثاني الذي حدث بعد الانقلاب على الإخوان، ليس ذريعة مطلقًا لادعاء الطهورية والثورية الزائفة، هذا فشل منكم في الانحطاط، فلا تحاولوا تلبيسه للجماهير، بدعوى أن الجماهير هي التي كانت ظهيرا للسيسي، نعم كانت هناك جماهير، وكنتم في القلب منها انتهازيين تخططون للتمكين، كما تتهمون الإخوان تمامًا.

من شارك في سفك دماء الإسلاميين، ليست الجماهير الغاضبة فحسب كما تحاولون غسيل أيديكم وسمعتكم، ولم يكن الانقسام المجتمعي فحسب كما تروجون، بل من حرض وأسمى تحريضه "بالعنف الثوري"، ومن كون مليشيات على هامش الاشتباكات أمام مقرات الإخوان وقتل وسحل، ووُعد بعدم الملاحقة، وقد كان، إذ لم يحقق إلى اللحظة في مقتل إخواني واحد أمام مقراتهم، وحفظت القضايا جميعها، بل وتم تلفيقها للإخوان أنفسهم.

وكذلك شارك في الدماء من كان في السلطة وقتها من التيار المدني، بالمسؤولية السياسية والأخلاقية في المذابح التي تلت الثلاثين من يونيو حتى اللحظة، وقد شارك في الجريمة من اعترف في البداية بمسار خُط ليصل بالجنرال إلى كرسي الحكم، ومن شارك في انتخابات رئاسية صورية، وانتخابات برلمانية أعدتها الأجهزة السيادية، في حين رفض أي مسار سياسي حقيقي وقت حكم الإخوان.

عزيزي صاحب الرداء الأحمر، قل ما تشاء مبررًا تحالفك القديم الفاشل، لكن رجاءً كف عن التدليس المتعمد بغية غسيل اليد والسمعة، فكما فشل الإخوان في التحالف مع الجيش، كذلك كنتم وأصبحتم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.