شعار قسم مدونات

اعتزال الدين الأزرق

مدونات - فيسبوك

تنقسم الآراء حول قضية ما دائماً لثلاثة أقسام ليس لها رابع، إما مع أو ضد أو المُحايد الذي يعتزل الرأي. شئنا أم أبينا فإن مواقع التواصل الاجتماعي حالياً هي منبر شبه حُر لنقل بعض القضايا المُهمة ومناقشتها، وجمهور هذه المواقع كبير جداً وشريحة قليلة منه تُعتبر الأقلية المُثقفة.

مواقع التواصل الاجتماعي أنجبت لنا قسماً جديداً من الآراء وهو "مع الأغلبية". هذا القسم يُشبه المحايد الذي لا رأي له ولكنه قرر فجأة أن يتبنى رأي الأغلبية، إن كانت الأغلبية مع فهو مع وإن كانوا ضد فهو ضد. والبعض منهم من يترقب أسهم المع والضد ويتقلب رأيه متذبذباً حسب ارتفاع السهم أو انخفاضه.

في الأسابيع الماضية ظهر إعلامي أردني ببث مباشر من صفحة الفيسبوك الزرقاء وأطل على هذا الجمهور الذي لا سيطرة عليه بنبرة عصبية عفوية موبخاً مستنكراً فعلاً يُمارس في مجتمعه المُحافظ وهو أن لباس الفتيات بعيد جداً عن الحشمة، لم يُطالبهم بارتداء العباءات ولا حتى الحجاب ولكن كل رسالته كانت أن بعض الملابس غير لائقة للظهور بها خارج المنزل لِما بها من مُبالغة في العُري. لم يُوفق هذا الإعلامي في أسلوبه ولكن رسالته كانت واضحة وما بها من خطأ يُذكر. إلا أن بعضاً من مُطالبي حُريات هذا العصر والزمان لم تُعجبهم النصيحة أساساً وجعلوا من أسلوب هذا الإعلامي شماعة للهجوم عليه ووصفه بأقبح الأوصاف كالتخلف والرجعية والتعدي على حُريات الغير وبأنه "داعشي".

سواء كُنت مع أو ضد، فالأسلوب المُتبع على منصة هذه المواقع هو التنمر من خلف الشاشة، بألفاظ وعبارات حادة بين الـ "مع والضد" دون أي احترام لوجهات النظر.

على الجانب الآخر من هذا الفضاء الأزرق، أطلت منذ أيام أديبة مُثقفة لها من المقالات ما يُفتخر به وتُرفع له القبعة، تحدثت عن نظرتها الشخصية بنمص الحواجب، ومن باب الحرية ناقشت ما اعتقدته كامرأة هذا الجانب الأنثوي. ولكن الجمهور لم يُعجبه هذا النقاش ولا الموضوع الذي تجرأت وتحدثت عنه هذه الأديبة وطالبها بفتاوي تُبيح نظرتها الشخصية ووصفوها أيضاً بأنها قد تعدت على أحكام دينية واضحة لا مجال لأي نقاش أو نظرات ذات بُعد شخصي.

المُجتمع بجمهوره يُعاني انفصاماً حاداً في الدين، إن أقبلت عليهم ناصحاً طالباً منهم التمعن قليلاً بأحكام دينهم ودستور بلادهم الإسلامي؛ هاجموك بكل ما أوتوا من حُرية! أما وقد جِئتهم حُراً، هاجموك بكل ما أوتوا من دين.

وسواء كُنت مع أو ضد، فالأسلوب المُتبع على منصة هذه المواقع هو التنمر من خلف الشاشة، بألفاظ وعبارات حادة بين الـ "مع والضد" دون أي احترام لوجهات النظر وكل تعليق كأنه قبضة قاسية تندفع من الشاشة بين وجه ووجه. بل الأقوى هو من يُثبت أن الآخر محل سُخرية وجهل. متناسين أنهم في النهاية وجهين لعملة واحدة ولكن باختلاف القضايا. متجاهلين أيضاً كل العبارات التي ترقى بآرائنا بأن رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب.

بقي علينا أن نعتزل مناقشات الدين والحرية، وترك هذا المجال بأن يكون ساحة يعبث بها الجُهلاء. فلا مكان للعلم والثقافة ولا الدين في فضاء أزرق يفتقر جاذبية العُلماء أو أصحاب الدين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.