شعار قسم مدونات

لمثل هذا يذوب القلب!

JERUSALEM, ISRAEL - JANUARY 17: A woman stands in front of the Dome of the Rock at the Al-Aqsa mosque compound in the Old City on January 17, 2017 in Jerusalem, Israel. 70 countries attended the recent Paris Peace Summit and called on Israel and Palestinians to resume negotiations that would lead to a two-state solution, however the recent proposal by U.S President-elect Donald Trump to move the US embassy from Tel Aviv to Jerusalem and last month's U.N. Security Council resolution condemning Jewish settlement activity in the West Bank have contributed to continued uncertainty across the region. The ancient city of Jerusalem where Jews, Christians and Muslims have lived side by side for thousands of years and is home to the Al Aqsa Mosque compound or for Jews The Temple Mount, continues to be a focus as both Israelis and Palestinians claim the city as their capital. The Israeli-Palestinian conflict has continued since 1947 when Resolution 181 was passed by the United Nations, dividing Palestinian territories into Jewish and Arab states. The Israeli settlement program has continued to cause tension as new settlements continue to encroach on land within the Palestinian territories. The remaining Palestinian territory is made up of the West Bank and the Gaza strip. (Photo by Chris McGrath/Getty Images)
لمثل هذا يذوب القلب من كمد
لمثل ما حدث ويحدث للأقصى هذه الأيام بالضبط، تذوب قلوبنا من كمد على كمد عجزا وحيرة. لمشهد رجال يبكون عند بوابات الأقصى المغلقة في وجوه المصلين لكنهم يصرون على البقاء والصلاة أمام الحواجز الصهيونية التي تقف بينهم وبين مكان ركوعهم وسجودهم المعتاد طوال قرون من الزمن. لصور نساء يلتمع الغضب في أعينهن من كل الأعمار صابرات على الانتظار متحديات كل الظروف كي لا يبقى الأقصى الأسير وحيدا بين أيدي من دنسوا ساحاته وقاعاته وأخرسوا صوت مآذنه الصادحة بالتكبير.

لمثل هذا يذوب القلب من كمد معتق منذ سنين طويلة جدا بانتظار أن يحرر ثالث الحرمين الشريفين ومسرى النبي المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، بيدي أبنائه، رغم كل ما يحاك له ولهم من خطط ومؤامرات أصبحت تجد من بعض "الأصدقاء" من يؤمن بها ويسارع إلى تلقفها من بين يدي الأعداء لتنفيذها! أمام الحواجز لأنهم لا يملكون من أمرهم شيء.

لم تكد تمض أعوام قليلة حتى عادت حركة الحفريات إلى الظهور وهذه المرة عبر نفق يهدد الآثار الإسلامية حول المسجد الأقصى بادرت إليه السلطات الإسرائيلية في أبريل من العام 1994.

لكن ما الجديد في ما يفعله الكيان الصهيوني هذه المرة؟
لم يكن الأقصى في يوم من الأيام ومنذ احتلاله ورفع العلم الصهيوني على قبة الصخرة في 1967 حرا. كانت دائما هناك انتهاكات متنوعة من قبل الصهاينة بهدف إملال الفلسطينيين من قضية الأقصى تحديدا ذلك أنها المدماك الرئيس في الصراع العربي الإسرائيلي، ليس لرمزية هذا الكيان الديني في تاريخ القضية الفلسطينية وحسب، ولكن أيضا لأنه كيان حضاري وثقافي وإنساني يمس البشرية كلها تقريبا باعتباره يتماس مع كل الديانات السماوية تحت مظلة الدين الإسلامي. فهو أولى القبلتين، وهو ثالث الحرمين الشريفين، وهو أحد ثلاث مساجد تشد إليها الرحال في وجدان المسلمين. ومنذ الاحتلال الصهيوني لفلسطين بعد قيام كيان اسرائيل في 1948 اكتسب قيمة إضافية في ذلك الوجدان باعتباره رمز مقاومة مستمرة باستمرار الصلوات القائمة تحت قبابه وفي ساحاته الواسعة على مدى الحرم كله.

وربما لهذا كله اجتهد الصهاينة في التركيز عليه بحوادث متنوعة حاولوا فيها تشتيت جهود الحفاظ على مكانته ورمزيته العالية! وفي مسرد الانتهاكات التي تعرض لها الأقصى نتوقف عند بعض المحطات التي تراكمت لتزيد أبناءه صلابة في مواقفهم المقاومة، ومن تلك المحطات محاولة الأسترالي الصهيوني مايكل روهان إحراق المسجد الأقصى ومنبر صلاح الدين فيه في أغسطس من العام 1969، وهي محاولة كادت تنجح لولا يقظة المرابطين الدائمين في قلبه!

ومنها أيضا محاولات تصديع البناء التاريخي عبر حفريات يتداعي الصهاينة إليها بحجج مختلفة أهمها البحث عن هيكلهم المزعوم، وأشهر تلك المحاولات تلك التي تمت في أغسطس من العام 1981، وبعدها بسنة تقريبا اقتحم جندي صهيوني اسمه هاري غولدمان مسجد قبة الصخرة، ليقتل يومها مصلين فلسطينيين اثنين ويصيب العشرات بعد أن فتح النار عليهم وهم يصلون. وفي أغسطس 1990، شهد الأقصى مذبحة كبرى استشهد فيها ثلاثة وعشرون فلسطينيا على يد الصهاينة الموتورين.

undefined

ولم تكد تمض أعوام قليلة حتى عادت حركة الحفريات إلى الظهور وهذه المرة عبر نفق يهدد الآثار الإسلامية حول المسجد الأقصى بادرت إليه السلطات الإسرائيلية في أبريل من العام 1994. وأكملت حركتها في سبتمبر من العام 1996 بنفق آخر فتحته تحت المسجد بعد أن قتلت ثلاثة مصلين وأصابت أكثر من مائة آخرين تواجدوا في المكان أثناء الحفر ورفضوا المغادرة.

هاهم يأتون الآن، وفي خضم الانشغالات العربية الإقليمية ليغلقوا الحرم القدسي كله، ويمنعوا رفع الأذان وإقامة الصلاة به للمرة الأولى منذ احتلال القدس في العام 1967.

وفي سبتمبر من العام 2000، اقتحم الصهيوني الليكودي الشهير آرييل شارون الأقصى بنفسه في خطوة استفزازية غير مسبوقة مما تسبب في اندلاع اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية والتي استشهد خلالها خيرة شباب فلسطين دفاعا عن ذلك الرمز العظيم. وبقيت المناوشات الصهيونية التي تنبئ عن نوايا الصهاينة تجاه الأقصى مستمرة في مد وجزر وفقا لظروف المنطقة وتحولاتها السياسية ما بين اقتحامات ومحاولات تهويد وتصديع وحفريات وانتهاكات وقتل للمصلين، ومنع لهم بالكامل أو وفقا لتصنيفات عمرية معينة.

وهاهم يأتون الآن، وفي خضم الانشغالات العربية الإقليمية ليغلقوا الحرم القدسي كله، ويمنعوا رفع الأذان وإقامة الصلاة به للمرة الأولى منذ احتلال القدس في العام 1967. وبعد ذلك بيومين يضعون بوابات إلكترونية على مداخله بحجة محاربة "الإرهاب" المتوقع وهو يقصدون بذلك المقاومة طبعاً، وكأن ما قاموا به طوال عقود من الزمن ليس هو "الإرهاب" الحقيقي كما تعارف عليه العالم كله. ولا جديد بالتأكيد، سوى الصمت العربي الرسمي شبه الكامل، على ما حدث، حيث مضت الأيام الثلاثة الأولى في صمت عربي رسمي مريب، لم تكسره سوى ثلاثة بيانات أصدرتها ثلاث دول عربية وكان الله وعباده أيضا بالأسرار التي انفضحت أخيرا على الملأ وعبر الشاشات عليمين!

ولعل في ذلك الصمت وأسراره ما يضاعف الكمد ويسرع في ذوبان القلب فعلا، فأنا أنتمي لجيل احترف السخرية من بيانات الشجب والتنديد والاستنكار التي تسارع الحكومات العربية على تدبيجها بعد كل حدث يمس الأقصى من بعيد أو قريب، حتى إن تلك الحكومات تتسابق في ما بينها على البيان الأول، ولم أكن أعلم أنني سأحيا إلى زمن أنتظر فيه بيانا للشجن أو التنديد أو الاستنكار بلا جدوى.. إلا قليلا! 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.