شعار قسم مدونات

فَشلٌ زَادُهُ الخُنُوع

مدونات - رجل

لكلّ منّا مخَاوفه الصّغيرة، منهَا ما يلازمنَا منذ الصّغر ومنهَا ما يتشكّل نتيجة لمعَاركنَا اليوميّة مع الحياة، ولا أقصد هنا تلك المعارك التي نواجهها النّد للند، إنّما أقصد تلك التي تعتَرضُنا، فنهرب منها ونتقوقع على أنفسنا خوفًا وهلعًا.

"الخوف من الفشل" جملة تتكوّن من كلمتين كلاهما أسوء من الأخرى، الأولى سبب فيحصول الثانية دون أدنى شك، لذا لا يجب أن يكونا في قاموس النّاجحين، وهذا لا يعني أنّهم لم يخافوا ولم تتبادر إلى أذهانهم هذه الأفكار، بل تبادرت لكنّهم لم يؤمنوا بها، فتغلّب إحساسهم بالنّجاح على مخاوفهم، كان إحسَاسُهم بالثقة أكبر من هذه المخاوف بكثير، فلو تعلقت همّة ابن آدم بالثريّا لنَالها.

تخيّل مَعِي فقَط أنّ الفشَل غيرُ موجود، كأنّكَ لم تسمَع بمُصطلح الفشل قبلاً، على ماذا ستعلّقُ مخَاوفَكَ الآن؟ حَاول أن تَرى حَياتَكَ بعدمَا أن حققت أحلامك، حَاول أن تُشاهِدَ النّتائِج، أنظر للحياة بمنظارٍ أبيض.

الفشَل هو مخَاوفنَا الصّغيرة نُغذيهَا فتكبُر شيئًا فشيئًا حتى تلتهمنا، هو مجموعة تراكمات من الأفكار السلبيّة والتجارب القاسية التي واجهناها في الحياة، وحتّى نتيجة العبارات المثبّطة والنّصائح الفاشلة من أشخاصٍ ربّما منهم من خاضوا هذه التّجارب قبلنَا وفشلوا، فصاروا يبثّون الهلع والرّعب في الجيل الذي يأتي بعدهم، وكذا المجتمع الذي يُحارب النّاجحين حتّى يفشلوا.

ولكم صَادفتُ طَاقاتٍ شبابيّة هائلَة، كانت تَدفنُ نفسها فقط بسببِ الخَوف من الفشَل، حَسنًا مَاذا إن فَشلتَ؟ مَاذا سَيحصُل؟ على الأقل سيكُون لكَ شَرفُ المُحَاولة، الكثِيرون جرّبوا بَدلَ المرّة ألفًا ومنهُم من لم يحالفه الحظ أبدًا، ومع ذلك لم ييأسوا.. إنّ الخوف من الفشل الذي أتحدّث عنه مرضٌ التهم كلّ الأوساط، هناك طالبٌ يخاف من الفشل في الامتحانات قبل حتّى تجاوزها، فتجده يعزف عنها دون أن يتعبَ نفسه بالمحَاولة، هناك من يخاف الفشل في بناء أسرة أو في الزّواج كتجربة بحدّ ذاتها، فيعتزل الزّواج ويمضي حياته وحيدًا عزبًا، هناك لاعبٌ يخاف من الفشل في تسديد الهدف فتجده متسمرًا أمام الكرة لا يدري ما يفعل بها، هناك من يخاف البحر فلم يجرّب الغطس فيه مرّة واكتفى بمراقبته على الشاطئ.. وهكذا.

منذ أيّام في أحد المتنزهَات، كان مَجموعَة من الأطفَال يَستمتِعونَ بالتّزحلقِ في احدَى الألعَاب التي وُضِعت خصيصًا لمن هُم في سِنّهم، كَان من بينِهم طِفلٌ صَغير اكتفَى بالمشَاهدة عن قُرب ورغم كلّ محاولات والدته والعامل هناك من أجل جعله يشاركُ الأطفال اللعبة، إلاّ أنه رفض واكتفى بالمشاهدة. رغم ان كل تقاسيم وجهه وهو يراقبهم كانت توحي برغبته الجامحة في تجربة اللعبة إلا إن الخوف منعه.

حَصلَ وصَادفت مرّة شيخًا لا يقلّ سنّه عن الستّين يقدّم طلبًا للفيزا من أجل الدّراسة في إحدى الدول الغربيّة، نظرت إليه مستنكرة ما أراه وآلاف الأسئلة وعلامات التعجّب تخرم رأسي، سريعًا ما تحوّلت كلّها إلى توبيخٌ وجلدٌ للذّات، فأن يكون شخصٌ في عُمره مَازال يُحارب من أجل شَيءٍ مَا في هذه الحَياة في حين منهُم في نفس سِنّه في مَكانٍ ما ينتظِرون مَوتهم بِبطء، وأنَا التي لَم أبلغ ربّما سِوى نِصفَ عُمره قد أصَابني اليأس والقنوط، تذكّرت حينها عبارة للكاتب عبد الله المغلوث تقول: "لا يوجد عمر محدد للنجاح، ليس شرطًا أن تكون يافعاً وصغيراً لتنال النجاح، الشّرط أن تكُون جَادًاً ومثابرًا للوصول إليه".

قال تعالى: "فَإنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا، إنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا" رسَالة واضِحَة تخبرُكَ أنّ الفجرَ بازغٌ لا محَاله، فإن أنت استسلمت لمَخَاوفكَ، وقعت في دوّامة لن ينتشلكَ منها أحد سِوى "أنتَ نفسكَ".

حقيقةً لقد ألتهمَني هذا الشّبح أكثر مِن مرّة لكنّه لم ينجَح في هَضمي ففي كلّ مرة كُنت أتداركُ نفسي وأنتشلهَا، لكن إلى متى؟ إنّ الخَوف مِن المُواجَهةِ هُو مَا يجعلُنَا نَبقَى في تِلكَ الحافّة الحَادّة بينَ الحَيَاة والمَوت، فلا نَحنُ نَعِيشُ حَياتَنا كَما نبتَغي ولاَ نحنُ أمواتٌ نرتَاحُ من عبئ الحياة وصَخَبهَا، أمواتٌ أحياءٌ ندّعي اللاّمبالاة رغمَ أنّنا أكثر النّاسِ عِلمًا بأنّنا نتصنّعُ الحياة، فنحنُ نستسلِم بسهولة، نستلم لأفكارنا قبل أن نخُوضَ المَعرَكة أصلاً، نستَمتِع بقتلِ أنفسِنَا تحت أنقاضِ أحلامِنَا، نفضّل الهُدوء المرَافق لعَدم النّجَاح على المجَازفة التي قد تأتي بالنّجاح! يقُول جواهر لال نهرُو: "النّجاحُ يكُون من نَصِيبِ مَن تحلّو بالشّجاعة ليفعَلوا شيئًا، لكنّه نادرًا ما يَكُون من نصيبِ الخَائِفِينَ منَ العَواقب"

عليكَ أن تتعوّدَ الأمرَ، الحَياة هكذا، تَبتسِم لكَ مرّة وتكشّر لكَ عن أنيَابها ألفًا، قال تعَالى "وتِلكَ الأَيَّام نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ"، وقال أيضًا: "فَإنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا، إنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا"، رسَالة واضِحَة تخبرُكَ أنّ الفجرَ بازغٌ لا محَاله، فإن أنت استسلمت لمَخَاوفكَ، وقعت في دوّامة لن ينتشلكَ منها أحد سِوى "أنتَ نفسكَ".

تخيّل مَعِي فقَط أنّ الفشَل غيرُ موجود، كأنّكَ لم تسمَع بمُصطلح الفشل قبلاً، على ماذا ستعلّقُ مخَاوفَكَ الآن؟ حَاول أن تَرى حَياتَكَ بعدمَا أن حققت أحلامك، حَاول أن تُشاهِدَ النّتائِج، أنظر للحياة بمنظارٍ أبيض، وقد تتعثّر مرّة واثنتان، لكِن إن حَدثَ وسَقطتَ عليكَ أن تجيد السّقوط، لا تسقُط على بَطنك فتعجَز عن رؤيَة الهَدف من جَديد فتستسلِم لنفسِك وتيأس، حَاول أن تسقطَ على ظهركَ لتتمكّن مِن رؤيَة النّور من جَديد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.