شعار قسم مدونات

ماما.. أحبك "قدر" ربّي

blogs الأمومة

نلعب أنا وابنتي لعبة ظريفة منذ فترة قبل النوم، أقول: أنا أحبك يا يويو، فتقول: أنا أيضاً أحبك يا ماما، أسألها: قدّ إيه؟ كانت تقول لي قد الفيل، ثم قد القمر، ثم قد العالم، وكلما مرّ علينا وقت تسألني هل الشمس أكبر شيء في العالم؟ فأقول لها لأ، هناك ما هو أكبر، حتى وصلنا إلى الكون. منذ أيام، قالت: ماما هل ربّي أكبر من الكون، فكرت قليلاً وقلت: ربنا أعظم من كل شيء في هذا العالم يا يويو.. أعطتني "طيب" وأغمضت عينيها ونامت. بعدها بيومين: ماما أحبك قد ربي. العبارة نفسها صدمني وقعها على أذني، ولكنني عرفت أنها مازالت تفكر في الأحجام والكتل. قلت لها وأنا أحبك كثيراً يا لولو، أكثر من أي شيء، ولكن نحن نحب ربنا أكثر من أي حد وأي شيء، حتى ماما وبابا.. نظرت إلي نظرة المتسائل، فهي لم تفهم لماذا أقول هذا ربما. هي تحب ربها وتحدثه دائماً، ولكن لعلها لم تفهم كيف تحبه أكثر من بابا وماما.. توقفت عن الكلام وتركتها تشارك ما تبقى من تأملاتها.. ثم أخذت أفكر مع نفسي.. ماذا سأفعل الآن؟

 

اختارت هي أن تسميه ربي، لم نلقنها هذا، كنا نحدثها عن الله، ربنا، ولكنها اختارت صيغة: ربي. عندما يصعب عليها شيء تتوجه إليه طلباً للمساعدة، أذكر أنها كانت تحاول فتح غطاء قلم ذات مرة، قال لها والدها: سمي يا يويو وإن شاء الله حيفتح، لفترة من الزمن تحول فتح القلم بالنسبة لها إلى أمر يستدعي الدعاء. ذات مرة أحضرت لي بالونة تريدني أن أنفخها، قلت لها يا هيا إنها من النوع الصعب لا أستطيع، فقط بابا يمكنه، قالت: جربي ماما ستنجحين، وافقت، بدأت هي بترديد الدعوات: يا ربي ساعد ماما أن تنجح. أنظر إليها كثيراً وأخاف، أخاف أن أفسد فطرتها، أن أجعلها تنفر ربما.. أراجع نفسي كثيراً.. هل حقاً هي بحاجة إلينا لكي تعرف الله؟ أم يكفي أن نمنع عنها ما يلوث تلك الفطرة؟

 

 undefined

أجد بعض المحفزات أن يحفظ أطفالنا القرآن حتى يحفظهم، كل من طفلتي لها شخصية مختلفة، واحدة تحب الحفظ وتستمتع به، لذلك سأظلمها إن لم أوفر لها طريقة تستثمر بها هذه الموهبة، والقرآن في هذا السن الصغير حصيلة لغوية كبيرة، بينما الأخرى لا تحتمل الحفظ والدرس، تحب التأمل وتحب سماع القرآن، تريد سورة جديدة كل يوم لم تسمعها من قبل، تحفظ آيات تتردد في البيت كثيراً مع الصلاة وتفرح بتسميعها، ولكن دون إجبار ولا قهر. في البداية كنت أريد لهما أن يحفظها، ربما تأثراً بالجو السائد، وربما خوفاً من بيئة لا شيء فيها مألوف، ولكنني انتبهت إلى أنني في قرار كهذا يجب أن أفعل ما هو مناسب لهما، لا ما أريده أنا، أو ما نظن أنه أكثر "إيماناً".

 

كثيراً ما أفكر أننا نحن الكبار نعيش الحياة في صراع دائم، إيماننا متغير، يعلو ويهبط، أحياناً نوقن وأحياناً نتشكك، في هذه القضية أو تلك، إن كنا منصفين مع أنفسنا فنحن نؤمن بالإله كما يؤمن الطفل الصغير، لا يجد أي مشكلة في فكرة الكيان العظيم، الله الذي يعرف كل شيء، والقادر على كل شيء، لا تسألني ابنتني عندما تقع على الأرض وتؤذي قدمها: لماذا سمح الله بذلك. لا تغضب منه إذا حرمتها من قطعة حلوى إضافية، لكنها تتذكره إذا ما احتاجت بعض العون في هذا الأمر أو ذاك، وتتذكره إذا عطست، وتتذكره إذا ما جلست إلى المائدة، وتتذكره عندما تفكر في الموت..

 

موقنة أنا بفطرة الإيمان والتوحيد، يفسح لها المجال فتكبر، وتخنق فتندثر، ولكنني أعرف أيضاً أن أبواه قد يفسدان عليه فطرته وإن لم يمجساه ولا ينصراه ولا يهوداه.

من المضحكات أنها في يوم كانت تطلب من والدها شيئاً فقال لها: إن شاء الله، أجابته بغضب، لا ليس إن شاء الله بل بكرة! من الواضح أن "إن شاء الله" اربتطت في ذهنها كما جرت العادة بأن الأمر مؤجل إلى وقت غير معلوم. فسّر لها ماذا نعني عندما نقول "إن شاء الله" فهدأت، الآن تتعامل مع العبارة كلازمة لغوية، بعد كل قرار أو خطة تأتي "إن شاء الله".

 

جاء في الحديث: ‏‏"‏كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه". موقنة أنا بفطرة الإيمان والتوحيد، يفسح لها المجال فتكبر، وتخنق فتندثر، ولكنني أعرف أيضاً أن أبواه قد يفسدان عليه فطرته وإن لم يمجساه ولا ينصراه ولا يهوداه. قد يعلماه أن يدين بالدين المادي، الدين الشرطي، الدين الفارغ من القيمة، الدين الطقسي، الدين الذي يحول الله إلى طيف في خلفية كل التفاصيل الصغيرة، دين لا ملجأ فيه حقيقي ولا مأوى من غربة هذه الحياة.

 

أخاف كثيراً من هذا الأمر، أقرأ في كتب التربية وأجد محاضرات ودورات عن عقيدة الطفل، ولكن كلها تتحدث بصيغة المتحكم، وكأننا نريد لهذا اطفل أن يؤمن حتى لا نفشل نحن، نريد له أن يؤمن حتى ينتصر الدين من خلالنا ربما؟ هذا ما أحسه. أريد لطفلتي وكل من أحب بل وكل من يؤمن بأن لا يدخل في حرب لإثبات صحة إيمانه، بل أن يكون الهدف والغاية من أي خطوة أن نسير في اتجاه الله، أن توصلنا كل كلمة وكل حركة إلى الله، أن نقول كما الصغار: ربّي، ونحسها. من الطبيعي أن نفتر مع مرور الزمن، ونضعف مع طول الأمد، ولكن صلة عمادها الشوق للمولى ورأس مالها السعي في قربه، أدوم وأجدى. فاللهم صلنا ولا تقطعنا، واجعلنا وذرياتنا من أحبابك المقربين وعبادك المخلصين، لا ضالين ولا مضلين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.