شعار قسم مدونات

حلاوة الكتابة ومُرّ الحياة

blogs كتابة

قبل أن أبدأ في كتابة هذه التدوينة كنت أفكر متسائلا لماذا توقفت عن الكتابة منذ فترة؟ ولماذا ينتهي الحال بكل مشروع كتابي جديد إلى القمامة؟ ولماذا لم أستمر في التدوين في مدوناتي الخمس السابقة؟ بل ننتقل الي السؤال الأهم: لماذا أنا أحب الكتابة من الأساس؟ 

اكتشفت حُبي للكتابة متأخرًا منذ عامين تقريبًا وفي هذين العامين لم يتجاوز إنتاجي من المقالات المنشورة سوى أربع أو خمس مقالات فقط أما غير المنشورة أو غير المكتملة فلا أتذكر عددهم. على الرغم من أن هذه المقالات لم تكن تناقش قضايا مهمة إلا أنها نالت إعجاب الكثير من الأصدقاء وأخبروني أن أستمر في الكتابة وبالتدريب والممارسة سوف يتطور الأسلوب ويبقى لك جمهور عريض من القراء.

 

كنت أخاف كثيرًا عندما أبدأ في كتابة شيء أن لا ينال الإعجاب أو أن يجلب لي السخرية، كنت أفكر جيدًا في جدوى الكتابة وهل فعلا تستحق هذه النشر أو هل تستحق أن يقضي القارئ دقائق من وقته في قراءة هذا الشيء. تأخذني الأفكار إلى اليمين واليسار محاولا إرضاء جميع الآراء واقوم بالتعديل والحذف والإضافة أكثر من مرة حتى يخرج في النهاية في صورة مقبولة.

في هذه الحياة لا أحد ينال ما يريد بسهولة، لابد أن تظل تجرى وراء شيء طوال حياتك تحاول بلوغه أي كان هذا الشيء المهم هو أن تجعل لحياتك معنى

هذه ليست المرة الأولى التي أتحدث فيها عن أهمية الكتابة بالنسبة الي، وأشرح كيف أنها تجعلني في حال أفضل، وعن أمنياتي بأن أصبح كاتبًا مشهورًا في المستقبل لكن ماذا يحدث بعد ذلك؟ لا أعلم، أو في الحقيقة لا أود أن أعلم، فأحيانًا نهرب من معرفة الحقيقة خوفًا من أن تؤلمنا أو توقظنا من غفلة ممتعة.

منذ طفولتي وأنا لا أحب الكلام أو التحدث كثيرًا، كنت أثناء الدراسة لا أقوم بالإجابة على أية أسئلة ما دام لم توجه إلي مباشرة حتى لو كنت أعلم إجابة السؤال مسبقًا أخاف أن تكون خطأ وأحتفظ بها لنفسي، أتذكر ذات مرة قامت المُعلمة بتوجيه سؤال ما في المنهج إلى كل الفصل لكن لم يقم أحد بالإجابة عليها، فقامت توقف كل طالب بالترتيب وتسأله مباشرة ومن لم يجب يلقى جزاءه من العصا أو "الخرزانه"، حتى جاء الدور علي فأجبت السؤال وسؤال آخر إضافي فطلبت من زملائي الآخرين أن يحيّوني على هذا، بعدها سألتني مستفسرة لماذا لم أقم بالإجابة ما دمت أعرفها حتى كنت وفرت عليها كل هذا العناء؟

 

أخبرتها أنى لم أكن أعرفها تمامًا ولكني كنت أفكر فيها حينما كانت هي تدور على الطلبة بالعصا ولما اقتربت مني تذكرت الإجابة. تلك كانت إجابة غير منطقية لكنها قبلت بها، أما الحقيقة فأنا كنت أعلم الإجابة لكن لم أكن أمتلك الجرأة لتحمل نتيجة قراري وكنت أخاف من عواقبه بالذات إن كانت الإجابة خطأ.

ومنذ ذلك الحين وأنا على هذا الحال، أفضل المحادثات النصية على الهاتفية، أفضل أن أجلس أشاهد فيلم على أن أقوم بجولة ترفيهية مع صديق، حتى حينما يطلب مني أن أعبر عن رأيي لفظيًا أجد صعوبة في تكوين الجمل والربط بين الأفكار، الأمر على العكس في الكتابة، أستطيع ان أعبر عن رأيي كتابيًا بسهولة ويسر، أستطيع أن املأ صفحات من الورق كما شئت فمجرد أن ابدأ أول سطر تجد الحروف تنساب وتتدفق مثل الماء المنهمر ولا أتوقف إلا حينما أشعر بالتعب أو ينتهي الورق!

أحتار كثيرًا حينما أفكر في الأمر، ألست أحب الكتابة؟ ألست أجد نفسي في راحة عندما أترك لنفسي المجال للكتابة؟ إذا لماذا أتوقف ولا أستمر؟ لماذا توجد عشرات المقالات الغير مكتملة؟ أمر يشعل غضبي كثيرا أنى لا أستطيع الإجابة على كل هذه الأسئلة. لكن أهون على نفسي.

المثير للسخرية أنى أهرب من العيش في حياة تلائم قدراتي وحياة أؤمن فيها بنفسي إلى حياة أعيشها مجبرًا بدلا من شخص آخر

في هذه الحياة لا أحد ينال ما يريد بسهولة، لابد أن تظل تجرى وراء شيء طوال حياتك تحاول بلوغه أي كان هذا الشيء المهم هو أن تجعل لحياتك معنى، أن تجعل لعنائك وإرهاقك في العمل معنى، أن تجعل لنومك مبكرًا واستيقاظك مبكرًا معنى، أن تجعل لركوبك أتوبيس النقل العام كل صباح معنى، ركوبك للميكروباص والميترو معنى، تحملك لروائح العرق الكريهة ووقوفك في الشمس الحارقة معنى، بدون وجود معنى فلا قيمة لأي فعل تقوم به.

في الحقيقة أستطيع أن ألخص إجابة الأسئلة التي طرحتها في البداية في كلمة واحدة وهي الهروب. الهروب من الفشل ومن التجربة والمغامرة، من الإحساس بالخوف، من الالتزام والروتين، الهروب من النجاح، والأهم والمثير للسخرية أنى أهرب من العيش في حياة تلائم قدراتي وحياة أؤمن فيها بنفسي إلى حياة أعيشها مجبرًا بدلا من شخص آخر. لكن الاستسلام لن يؤدى إلى راحة أبدية بل ستظل ترهق روحك وتفني عمرك وفي النهاية سينسب ما أنجزته إلى آخر غيرك، آخر لم تكن تعرفه ولكنك قبلت أن تعيش حياته وقبلت أن تفرط في حياتك، قبلت صفقة التبادل هذه فلا تلوم أحد لا نفسك. 

الحل هو أن نظل نقاوم ونظل نتمسك بخيط الشمس الرفيع الذي يتسرب من النافذة المغلقة ليضيء الغرفة المظلمة، وإن تأخرت الشمس في الشروق فلا تضجر وتمهل وانتظر حتى يطلع النهار واصبر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.