شعار قسم مدونات

كيف نقرأ تاريخنا الإسلامي؟

blogs - كتب قديمة
البعض بدلا من أن يساهم في حل مشكلة اللحظة أو يسعى لوضع تصور للخروج من عنق الأزمة الحالية أو على الأقل يحاول أن يفهم الذي يحدث بكامل أو أغلب تفاصيله؛ يلجأ إلى خيار مهاجمة التاريخ الذي لم يكن شاهدا عليه ولم يستوثق من الخبر الذي وصله ولم يع سياق ما حدث في الماضي. وتلك مشكلة مقلقة من ناحيتين: فهي تزرع في المثقف روح النقد السلبي لكل ما مضى وتجعله دائما في حالة صراع مع تاريخه؛ ذلك التاريخ الذي لم يتمهل في تدبره، ومن ناحية أخرى فهي تضيع كثيرا من الأوقات الثمينة أولى بها صناعة المستقبل وبناء الحاضر. فالوصول إلى نتائج وأحكام على الماضي بدون معرفة السياق التاريخي لما حدث قفز فوق التصور الصحيح للقصة وظلم للحقيقة واقتطاع غير أمين للأحداث.
فإذا كان اليوم ليس كالأمس، بقصصه الجديدة وأحداثه المتسارعة، والحكم على اليوم يتم بأدوات صنعها الحاضر وأنتجها جهد الإنسانية الذي تراكم عبر القرون من فكر وفلسفة ونقد علمي؛ فلماذا نحاكم تراث الأمس بمنتوج اليوم، ذلك التراث الذي كان مجهودا مقدرا ونتاج فعل بلغ القوم السابقون فيه غاية جهدهم وأحسنوا البلاء في وقت لا آلة فيه ولا تقانة، فانتصارات الأمس وهزائمه تفهم في سياقها وبمعرفة ما حدث قبلها وحولها.

استذكار التاريخ يحتاج لجهد أكبر وتدبر عميق بلا تعصب وبعيدا عن أي اصطفاف وتتبع لأخطاء قوم قدموا جهدهم ووقتهم بأدوات عصرهم ولغة وقتهم.

فبدلا من لوم الأقدمين بشدة على ما فعلوه وتضييع الوقت في تتبع زلاتهم من خلال البحث في مصادر هي نفسها تحتاج إلى تحقيق؛  فالأولى معرفة عاقبة الأفعال التي تسببت بكوارث في الماضي وذلك الذي يعنينا الآن كي نتجنبه في حاضرنا الذي نعيشه ومستقبلنا الذي ننتظره. فالمسلمون كمجموعة بشرية لها أثرها الذي لا يخفى على مسار الأحداث في تاريخ الإنسانية أنفقت من الوقت والجهد الكثير في الاصطفاف وراء خلافات قديمة أكل الدهر عليها وشرب مرات ومرات، وأكثروا من تخطئة الذين سابقوا والطعن في مواقفهم بل وصل الحد إلى رميهم بأقذع الصفات والشتائم؛ وقد كان خيرا لهم لو أنفقوا ذلك الوقت والجهد في تدبر عواقب الأفعال السابقة ومآلاتها.

ففعل الاستبداد مثلا وعاقبته على مصائر الأمم ومعرفة أسبابه، وما أدى إليه يبدو جليا في تاريخ المسلمين منذ سقوط الشورى كآلية اختيار وبالتالي تعطل تطورها مع الزمن. وما نريد تبيينه هنا أن تحديد الأسباب وتدبرها هو المطلوب ولو تم ذلك فعلا لما تكرر مرة أخرى في تاريخنا ويومنا هذا وللأسف -وذلك ما لا نرجوه- بعض مستقبلنا القريب.

وكمثال آخر لأفعال الماضي الذي يحتاج إلى دراسة وبحث لعواقبه: استعانة المذاهب الإسلامية المختلفة بالدولة لقمع مخالفيهم في الرأي وما تبع ذلك من ظهور وانتشار لبعض المذاهب وفقا لموقفها من السلطة لا لصلابة مرتكزاتها الفقهية وأصولها الشرعية؛ ونتج من ذلك ضمور فقه الخلاف وانحسار أسلوب التناظر والمجادلة لمعرفة الصواب، وللسلطة آنذاك وحتى اليوم -وخاصة الاستبدادية منها- أجندتها الخاصة في دعم المذاهب قد تصل لمرحلة التدخل في الفتاوى الشرعية وتسيسها نحو مصلحة الحاكم مما يضر بصورة الدين ويشوه الفتوى وما يتبعها من تعطل لمصالح الدين والدنيا.

ما أوردته هنا هي أمثلة كتبت على استعجال؛ واستذكار التاريخ يحتاج لجهد أكبر وتدبر عميق  بلا تعصب وبعيدا عن أي اصطفاف وتتبع لأخطاء قوم قدموا جهدهم ووقتهم بأدوات عصرهم ولغة وقتهم، وما فعلوه يستحقون الثناء عليه، وما غفلوا عنه نحاول اليوم التقاطه لنعرف منه موطن الخلل ومكان النقص سعيا لحاضر بناء ومستقبل أكثر إشراقا. (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) سورة البقرة الأية 141.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.