شعار قسم مدونات

صفاتُ الشّخصيّةِ النّاجِحة

blogs الشخصية الناجحة

نحن نختار أقدارَنا، ونحن نصنع شخصيّاتنا، نحن صورتُنا عنّا، ما نتصوّره لحياتنا أو سلوكنا أو أفعالنا هو غالبًا ما يحدث. في الطّريق إلى النّجاح تكتشف بعد طول مِران أنّه ليس هناك عباقرة ولكنْ هناك مُثابرون، لقد قالوا إنّ العبقريّة أصلها اللّغويّ من كلمة (عبقر) الّذي هو وادي الجنّ، يكون فيه لكلّ شاعرٍ رَئِيٌّ يُعلّمه الشّعر فهو بذلك عبقريّ. واعتِقادهم أنّ لكلّ شاعرٍ شيطانًا، قاله أحدهم:

 

أنا وكلُّ شاعرٍ مِنَ البَشَرْ      شَيطانُهُ أُنثى وَشَيْطاني ذَكَرْ

 

ثُمّ صارتْ تُقال لمن يأتي بما لم يأتِ به غيره، واستطاع أنْ يفعل ما لم يفعله الآخرون في شروطهم الطّبيعيّة. قال ابن الأثير: عبقر: قريةٌ يسكنها الجنّ فيما زعموا، فكلّما رأوا شيئًا فائِقًا غريبًا مِمّا يصعبُ عمله ويدقّ، أو شيئًا عظيمًا في نفسه نسبوه إليها.

 

وإليكَ عشرُ صفات في الشّخصيّة النّاجحة أوجزتُ فيها القول، هي علاماتٌ على الطّريق:

1. القابليّة:

الأهداف مثل الغايات، تدلّ على نهايات الطّريق، والهدف العالي يعني هِمّة عاليةً، ويعني نهايةً عظيمةً، ففي الحديث: "إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس الأعلى من الجنّة"

أنْ تكون لديك القابليّة والاستِعداد للنّهوض بالأمر، فقصّة أبي نواس الشّاعر الّذي كان راويةً للحديث يحفظ عشرة آلاف حديث، وتحوّل بعدها إلى حفظ الشّعر وصار شاعرًا ماجِنًا، جاءه أحد الفقهاء في أخريات حياته، فقال له: "أما آنَ لك أنْ تتوب؟". فقال له يا إمام: "إنّك تدري أنّني أدري ما الصّواب، ولكنّها نفسي وشيطاني قد غلباني". فأبو نواس كانتْ لديه قابليّة للتحّول إلى شعر الخمر والمجون، وكان يدرك الحقّ ولكنّه لم تكنْ لديه القابليّة للتّحوّل إليه. فقابليّتك للأمر هي الخطوة الأولى.

 

2. الأهداف العالية:

       الأهداف مثل الغايات، تدلّ على نهايات الطّريق، والهدف العالي يعني هِمّة عاليةً، ويعني نهايةً عظيمةً، ففي الحديث: "إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس الأعلى من الجنّة". وفي الأثر عن عمر بن عبد العزيز: "إنّ لي نفسًا توّاقّة…" فالنّفوس التّوّاقة هي الّتي تضع الأهداف العالية، وصدق المُتنبّي حين قال:

 

وإذا كانَتِ النُّفُوسُ كِبارًا      تَعِبَتْ في مُرادِها الأَجْسامُ

 

3. الانضِباط الدّاخليّ:

وهو قانونٌ يُلزِمُ فيه الإنسانُ نفسه، ولولاه لكانتْ حياتُه خَبطَ عشواء، والنّاجح يعرفُ أنّ الانِضباط والالتِزام أهمّ ركائز الإنتاج؛ فأنا أعرفُ ما أريد، وأستطيع أنْ أقول (لا) في الوقت المُناسب.

 

4. الإيمان:

أنْ تُؤمن أوّلاً بقدراتك، فإنّه لن يعرفها سِواك، ولن يُخرج خيرها للآخرين غيرك. وأنْ تُؤمن بالأثر الّذي تتوخّى أن تتركه. وأنْ تكفّ عن لوم نفسك (جلد الذّات)؛ هناك لومٌ حميدٌ، ولومٌ قاتلٌ، وجلدٌ للذّات حميد وآخر قاتل. جلد الذّات إذا كان في حدود المُحاسبة والمراجعة، تستخرج كشف حسابٍ لما تمّ إنجازه ولما لم يتمّ، وتقوم بتطوير خطّتك وتعدّلها فهو خير. وعليكَ أنْ تُدرك أنّ "ما فات مات وكل آتٍ آت"؛ فلا تعشْ في الماضي. ولا تقضِ ولو جزءًا من حياتك في التّحسّر عليه. وتخلّص من (لو) فهي أكبر عائقٍ للنّجاح. وصدق الحبيب الّذي قال: "لو تفتح باب الشّيطان".

 

5. الشَّغَف:

فهو الحافز الّذي لا يخبو، تظلّ الرّوح فيه مُتطلّعةً إلى أنْ تحقّق ما تسعى إليه، ولا تفتر هِمّتها ولا يخفتُ دَأَبُها، والشّغف هو الّذي يجعل الفِكرة حَيّةً لا تموت، تحومُ في العقل حَوَمان النحلةِ على الزّهرة، تملأ عليك تفكيرك، وتتبعك في صَحوك ومنامك.

 

6. الصّبر:

لا يُمكن أنْ تكون ناجِحًا إذا اكتفيت بالألف كتاب الّتي قرأتها في السّنوات العشر الأولى من حياتك ككاتب. ولا أنْ تكتفي بالموادّ الّتي درسْتَها في جامعتك في قسم الحاسوب والبرمجة. إنّ التّطّوّر المستمرّ للعلم يعني أنْ يُقابله تطوّر مستمرّ للتّعلّم

فما من غايةٍ عُظمى إلاّ وتمرّ بدرب الصّبر، فلا تفقد حماستك في أيّ مرحلة، الإنسان عالَم سِرّيٌّ سحريٌّ غامض من المشاعر المُتناقضة. ولا تستعجل، فلا يُمكن أنْ تُثمر الشّجرة أوّل ما تغرسها. اخترِ الشّجرة المُناسِبة، ثُمّ الأرض المناسبة، ثُمّ الماء المناسب. ثُمّ الرّعاية والصّبر حتّى تكبر، ثُمّ يحين أوان القِطاف. وكلّ مرحلةٍ من هذه المراحل الخمس تحتاج إلى رويّةٍ وتأنٍّ.

 

7. التّعلّم المُستمرّ:

لا يُمكن أنْ تكون ناجِحًا إذا اكتفيت بالألف كتاب الّتي قرأتها في السّنوات العشر الأولى من حياتك ككاتب. ولا أنْ تكتفي بالموادّ الّتي درسْتَها في جامعتك في قسم الحاسوب والبرمجة، ولا بأساليب المُعالجة والاستشفاء الّتي تدرّبْتَ عليها قبل خمس سنوات في المستشفى إذا كنتَ طبيبًا. إنّ التّطّوّر المستمرّ للعلم يعني أنْ يُقابله تطوّر مستمرّ للتّعلّم.

 

انظر إلى مثال ول ديورانت الّذي كتب كتابه العظيم في التّاريخ؛ فإنّ ساعات عمله كانتْ تستغرق أيّام الأسبوع السّبعة، وكان يقرأ (5000) كتاب لكي يخرج بجزءٍ واحدٍ من كتاب (قِصّة الحضارة)، وكان يكتبُ في اليوم ألفَ كلمة. فلم يكنْ يُعفيه في كلّ جزءٍ من كتابته أنّه قرأ آلاف الكتب فيما مضى، بل يقرأ لكلّ جزءٍ آلافًا جديدةً، فهو في تعلّم مُستمرّ، لا يقرّ له قَرار.

 

8. العِناد:

"سأفلقُ الصّخرة" هكذا قالتْ قطرةُ ماءٍ صغيرةٌ لكنّها عنيدة. واصلتْ طرقَها المُستمرّ على سطح الصّخرة الصّلدة زمنًا طويلاً ودَؤوبًا، لم تستطع الصّخرة أنْ تصمد في إحدى المرّات، فاستجابتْ لعناد القطرة وانفلقتْ. كثيرون يشعرون بالملل أو التّعب في منتصف الطّريق ولا يُكمِلون:

 

وَلَمْ أَرَ فِي عُيُوبِ النّاسِ شَيْئًا      كَنَقْصِ القادِرينَ عَلى التّمامِ

 

وفي الحديث: "إنّ الله يُحبّ إذا عَمِل أَحدُكم عملاً أنْ يُتقنه". وأهمّ مظاهر إتقان العمل أنْ تُكمِله، ولن أندبَ حظّي بعد فشل المحاولة الأولى ولا الثّانية ولا العاشرة. ورحم الله المعرّي حين قال:

 

أَرَى العنقاءَ تَكْبُرُ أنْ تُصادَا      فَعَانِدْ مَنْ تُطيقُ لَهُ عِنادَا

 

9. تقبّل النّقد:

لكنْ لا تسمح له أنْ يُحطّمك، لا تكنْ هَشًّا. خُذْ خيره واتْرُكْ شرّه. واستفدْ من ذوي الخبرة، وبإمكانك أنْ تعرف مَنْ أراد أنْ يهدمك بنقده ويقضي عليك لأنّه حاسِدٌ أو حاقد، ومَنْ أراد أنْ ينصحك، وبالتّأكيد الفئة الأولى أكبر بكثير من الفئة الثّانية. وأنتَ الأعرف، وصدق القائل:

 

والعَيْنُ تَعْرِفُ مِنْ عَيْنَي مُحدِّثِها      إنْ كانَ مِنْ حِزْبِها أَوْ مِنْ أعادِيْها

 

وفي النّهاية لن أتلهّف لإرضاء النّاس، فإرضاء النّاس غايةٌ لا تُدرَك، سأُرضي ربّي، فإنْ رضيَ أرضَى النّاس وأرضاني.

 

10. التّوازن:

سأستمرّ بقوّة لكنّني أعرف أنْ روحي تحتاج إلى التّغيير. يُمكنني أنْ أنعزل أسبوعًا أو شهرًا أو اثنين في مكتبي، أو في رأسِ جبلٍ كما كان يفعل الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، ولكنّني لا أنقطع عن النّاس، لأنّه لا معنى لنجاحي دونهم.

لن أفقد الأمل، ولن أُصاب بالغرور:

 

أُعلّل النّفسَ بالآمالِ أَرْقُبُها      ما أَضْيَقَ العَيْشَ لولا فُسْحَةُ الأَمَلِ

 

وأعرفُ:

 

مَلأى السّنابِلِ تَنْحَنِي بِتَواضُعٍ      والفارِغاتُ رُؤُوسُهُنّ شَوامِخُ

 

وفي الحديث: "مَنْ تواضع لله رفعه". التّواضع يُريك الطّريق، والغرور يُعميك.

 

سأستمرّ بقوّة لكنّني أعرف أنْ روحي تحتاج إلى التّغيير. يُمكنني أنْ أنعزل أسبوعًا أو شهرًا أو اثنين في مكتبي، أو في رأسِ جبلٍ كما كان يفعل الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، ولكنّني لا أنقطع عن النّاس، لأنّه لا معنى لنجاحي دونهم.

 

ويُمكن أنْ أُكافِئ نفسي أيضًا، يمكن أنْ أروّح عن نفسي بفضاءٍ طَلْقٍ مع العائلة أو الأصدِقاء. أعرفُ أنّني سأصاب بالهِمّة مرّة وبالفتور مرّة، وباليقين وبالشّكّ، وبالرّضى وبالسّخط،… ولكنّني لن أدع الفتور والشّكّ والسّخط تغلب الهِمّةَ واليقين والرِّضى، وسأمضي بإيمانٍ وإصرار مهما أصاب الطّريق من عثرات، وتناهشتْني فيه الكلابُ العاوية، فإنّ الغاية العظيمة تهزأ بكل صغيرة ذاوية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.