شعار قسم مدونات

السيسي في الوضع "ملبوساً"!

مدونات - السيسي
لأنني نشأت في مجتمع تقليدي، بحسب التوصيف الانثروبولوجي، فقد رأيت في مرحلة النشأة والتكوين، "الإنسان الملبوس"، الذي يركبه جان، أو يدعي هذا نزولاً على رأي الشيخ محمد الغزالي، الذي يعتبر ذلك من الخرافات، ولهذا أستطيع أن أقول، بموضوعية، أن السيسي يتصرف أحياناً كالملبوس، ولدي قناعة بأنه يؤمن بالعالم السفلي والأرواح الشريرة، وهو ما يفسر تصرفه مع "المنديل إياه" مؤخراً!

الشيخ الغزالي، روى كيف أن هناك من زاره في وقت القيلولة فاستقبله على مضض، وبسؤاله عن سبب الزيارة؟ قال الزائر: "إن جناً يركبني" ليسأله الشيخ: "ولماذا لم تركبه أنت؟". ولن أفتي في صحة ركوب الجن للبني آدم، فلست متبحراً في هذا المجال، حسبي أنني أحكم بالظاهر من الأمور، والظاهر هو هيئة "الملبوس"، ويمكن أن نقول – للبعد عن الجدل في هذا الموضوع – أنه يمكنني الحكم على من يدعون أنهم "ملبوسون". فأحيانا تكون مع الشخص "الملبوس"، أو مدعي ذلك، وإذ فجأة يصرخ وكأنه يحاور أحداً يراه ولا تراه، وقد عرفت السياسة المصرية، مثل هذا النموذج، وإن لم يدعي أنه "ملبوس"!

من بين أسباب تسليم الجزيرتين للقوم، هو خلق مبرر لاتفاق سلام يسلم السعودية، ومن بين أهل الحكم هناك، من كانوا في عجلة من أمرهم فتحدثوا عن التطبيع، مع أن التطبيع هو لاحق لاتفاقيات السلام وليس سابقاً لها!

فقد كان نائب رئيس الجمهورية الأسبق "حسن التهامي" يجالس الناس، ثم يهتف: "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته"، وقد اصطحبه الرئيس السادات معه في مفاوضات السلام مع الإسرائيليين فكاد أن يصيبهم بالجنون الرسمي، فبينما في حوار وجدل مع الوفد المصري، فيرد التحية، ولا ينسي أن يخبر الجالسين بأن سيدنا الخضر عليه السلام مر وألقى عليه السلام، وهكذا بين الفنية والأخرى على نحو أصاب المفاوضين الإسرائيليين بالارتباك الشديد، وظنوا أنه "مقلب" من "مقالب" السادات معهم، فلم يصدقوا أن "سيدنا الخضر" يمر فلا يراه سوى "التهامي"، كما لم يصدقوا أن يكون نائب رئيس الجمهورية المصرية مخبولاً!

وطريقة "التهامي"، وإن كانت بحسب ادعائه مع "سيدنا الخضر"، فلا تختلف كثيراً عن طريقة "الملبوس" الذي يخاطب القوى السفلية، وباعتباره يرى سكان باطن الأرض أمامه، وقد فعلها عبد الفتاح أكثر من مرة، ظننت في واحدة منهن أنه "ملبوس"، أما في الثانية فقد قلت في مقابلة تلفزيونية أنه يخاطب القوى السلفية قبل أن أستدرك بأن ما قاله هو رسالة لشخص أعرفه جيداً.

وفي الحالتين يبدو عبد الفتاح السيسي أنه يتحدث في سياق معين، قبل أن "يشرخ" عن السياق، ويوجه حديثه بعيداً، وكأن شخص ظهر أمامه، ولا يراه غيره، فوجه له رسالة، المعنى فيها في بطن الشاعر، أو في بطن السيسي، فكل البطون سواء!

ذات مرة "شرخ"، فقال كلاماً غريباً، عجزت البشرية عن فهمه حينئذ، عندما قال فجأة وبدون مقدمات، ومن الباب لـ "الطاق"، لابد من توسيع معاهدة السلام مع إسرائيل، فلم نفهم المستهدف بذلك، فليست معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية "أستك منه فيه" ليتم توسيعها، أو ترعة ليتم "فحتها وردمها"، ولم أفهم المقصود بذلك سوى هذه الأيام، فقد كان نية السيسي قد انعقدت على تسليم جزيرتي "تيران وصنافير" للملكة العربية السعودية، ومبكراً كان الهدف معلوما لديه، فشرخ وهو يخطب، ليتحدث بهذا الكلام الذي يبدو غريباً عن جسم الخطاب!

ولم نكن ندري ما يجري التخطيط له، فلأن الجزيرتين شملتهما معاهدة السلام المصرية -الإسرائيلية، فبقرار تسليمهما ينبغي أن يتم توسيع المعاهدة، لتبرم إسرائيل اتفاقاً جديداً بشأنهما، لكن هذه المرة بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، وبات من الواضح، أن من بين أسباب تسليم الجزيرتين للقوم، هو خلق مبرر لاتفاق سلام يسلم السعودية، ومن بين أهل الحكم هناك، من كانوا في عجلة من أمرهم فتحدثوا عن التطبيع، مع أن التطبيع هو لاحق لاتفاقيات السلام وليس سابقاً لها!

وفي المرة الثانية، كان السيسي يخطب وإذا فجأة "شرخ" ليخاطب شخصاً لم نراه وهو يقول له "اسكت".. "لا تتكلم فيما لا تعرف".. "مش عارف تعالى وأنا أعرفك"، وقد قلت أنه يخاطب القوى السفلية قبل أن انتبه أنه يقصد وزير الري في عهد مبارك، الذي لا يمل من التحذير بأن توقيع السيسي على اتفاق المبادئ الخاص بسد النهضة أعطى شرعية لبناء السد دون ضمان قطرة مياه واحدة لمصر، وحذر من أن الجفاف ينتظر المحروسة، وقال إن هناك أمل لا يزال باقياً من خلال رفض البرلمان لاتفاق المبادئ بما من شأنه أن يوقف بناء السد إلى أن يتم الاحتكام الدولي!

كان الوزير السابق، يظن أن عبد الفتاح السيسي وقع ضحية لتضليل وزير الري، وقد أخبرته بأن السيسي وقع الاتفاق عامداً متعمداً، ولم يصدق، واستمر في طريقه، ثم حذرته أن السيسي يقصده عندما "شرخ"، ولم يصدق، حتى بعد أن أقيل وزير الري وجاء وزير جديد يواصل نفس المهمة، مما يعني أنها سياسة السيسي وليست سياسة وزير!

لقد أخرج السيسي "منديله" من مخبأ في كم قميصه غير مسبوق، ويذكرنا بفكرة "الجيب السري" في الجلباب أو السروال"، عندما كان يصنعه "الترزي"، أو "الخياط"، بالاتفاق مع العميل.

وكانت النتيجة أن تم سجن وزير ري مبارك، بتهمة الفساد، لحمله على السكوت ما دام لم يفهم رسالة السيسي له بأن يسكت، وهو يبدو أنه يخاطب العفاريت، وهو أمر يستدعي العودة إلى خطبه، للوقوف على اللحظة التي يشرخ فيها لفهم خططه المستقبلية، ولكي نعرف متى يخاطب القوى السفلية ومتى يوجه رسائله بذات الطريقة إلى الجنس البشري!

فطريقة السيسي واحدة، ففي الحالتين يبدو أنه يخاطب الجن، ويبدو لأنه من كثرة تعامله مع عالم الأرواح صارت تتلبسه نفس الحالة وهو يخاطب عالم الأجسام، و"حركة المنديل" كاشفة عن كون السيسي في الوضع "ملبوسا"!

لقد أخرج السيسي "منديله" من مخبأ في كم قميصه غير مسبوق، ويذكرنا بفكرة "الجيب السري" في الجلباب أو السروال"، عندما كان يصنعه "الترزي"، أو "الخياط"، بالاتفاق مع العميل، ليخبئ فيه ما يريد بعيداً عن "إدارة الضبط والتفتيش" ممثلة في "المدام"، فلولا الكاميرا، ما علم الناس أن "كم القميص" يصلح مخبئاً سرياً للمنديل، الذي أخرجه السيسي، واستعمله قبل أن يعيده مرة أخرى إلى "غمده" بدلاً من أن يتخلص منه؟.. ليصبح السؤال: ولماذا لم يتخلص من منديله ولم يعد يصلح للاستخدام مرة ثانية؟!

الإجابة، أن "المنديل"، يمثل أثراً لصاحبه، لا يضاهيه سوى ملابسه الداخلية، عند "أهل الأعمال السفلية"، من سحر، يستخدم الجان لخدمته، وهو عالم يبدو أن للسيسي صولات وجولات معه، فلم يتخلص من منديله مخافة استخدامه لتسليط الجان عليه، في مجال يبدأ بالربط في "ليلة الدخلة"، ولا ينتهي بتسليط الجان بتوقيع العقاب على من يقوم بلبسه، فيصبح ملبوساً، ويقال في بعض المجتمعات: راكبه جن! ولهذا كان الدعاء: "جن لما يركبك"!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.